احذروا غضب هذا الشعب الصابر

* لا یزال الحصار العربی/ الإسرائیلی مفروضاً على الشعب الفلسطینی فی غزة والضفة ولا یزال (عرب أمریکا) من الحکام ونخبتهم من ساسة وکتبة، یمارسون ذات الدجل الإعلامی والسیاسی، ویزیفون الحقائق، مسفهین صمود وصبر هذا الشعب العظیم، ومقدمین المشکلة باعتبارها مجرد خلاف بین حماس وفتح، وأن الأولى هی السبب الرئیسی للحصار وأنها تمتلک خطاباً مزدوجاً فی التعامل مع الذین یفرضون علیها وعلى شعبها الحصار . الأمر بالطبع أعقد من ذلک وأخطر، الأمر فی جوهره أمر مؤامرة إقلیمیة ودولیة أعدت لها الولایات المتحدة والکیان الصهیونی وحلفائهما، فی الیوم التالی لوصول حرکة حماس إلى موقع السلطة إثر الانتخابات التشریعیة التی أصرت علیها واشنطن وألحت علیها القوى العمیلة فی فلسطین وخارجها، إلى أن فوجئوا بنتائجها فأرادوا قلب المعادلة ومن ثم شرعوا فی مؤامرتهم، والتی لا تزال فصولها مستمرة حتى لحظة کتابة هذه السطور.
* إن الکذب والدجل الذی یروجه الفارضون للحصار وسماسرتهم من الکتبة والساسة فی بلادنا، لم یعد ینطلى على أحد، فالآثار الخطیرة التی نتجت عن الحصار العربی الإسرائیلی على قطاع غزة (وحده) کفیلة بتعریة کذبهم وکشف أضالیلهم وهو واقع نحسب أن تجاهله، أو محاولة إلقاء قنابل دخان تجاهه لکی یخفون الآثار الدامیة لجریمتهم وجریمة أنظمتهم المتآمرة على هذا الشعب المضحی،لن یجدى.لذا دعونا نقرأ فی ثلاثة ملفات، لنعلم حجم المأساة، والبطولة فی آن واحد التی یعیشها ویسطرها هذا الشعب الفلسطینی المعلم یومیاً، أمام سماسرة الدم والکلمة فی أمتنا.
الملف الأول: نذهب فیه إلى بعضٍ (ولیس کل) آثار الحصار الظالم على أهلنا فی غزة والذی سیؤدی فی تقدیرنا إلى انفجار أخطر وأعظم مما تم حین اخترقوا قبل شهور الحدود مع مصر، الأمر سیکون إن ظلت حکومة مصر مع غیرها من البلاد العربیة على موقفها وسیاساتها الظالمة لهذا الشعب والموالیة لواشنطن، والتی حجمت دور مصر وقزمته بما لا یتناسب مع تاریخها ورسالتها.
إن الحقائق الواردة من قطاع غزة تؤکد أن ثمة مجاعة کبرى یعیشها القطاع، والمساعدات العینیة التی تقدمها مصر لا تسد رمقاً ولا تغنی عن حلول استراتیجیة تلیق بغزة، ومنزلتها التاریخیة لدى مصر، ومن الآثار الخطیرة للحصار المفروض منذ شهر یونیو 2007 وحتى أبریل 2008 ووفقا للوثائق المتاحة مایلى *وجود 2000 مریض فی غزة یسعون للحصول على إذن سفر، منهم 350 مرضهم خطیر ولا یستطیعون الدخول إلى مصر.
وحسب تصریحات وزارة الصحة الفلسطینیة، فإن حوالی 3000 مریض قلب وفشل کلوی وطفل حدیث الولادة مهدّدون بالموت؛ نتیجة توقف غرف العملیات وأجهزة التنفس الاصطناعی وغرف الرعایة المرکّزة.
هذا وقد أعلنت حکومة تیسیر الأعمال نفاذ کمیات الدواء والطعام والماء؛ نتیجة توقف محطات الکهرباء؛ مما یجعل القطاع على مشارف کارثة إنسانیة وبیئیة.
* أدى الحصار إلى إغلاق أکثر من 4500 مؤسسة صناعیة وتجاریة وحرفیة؛ مما أدى إلى فقدان أکثر من 65 ألف فلسطینی عملَهم، وتقدَّر الخسائر الیومیة للاقتصاد الفلسطینی- بسبب إغلاق المعابر- بحوالی ملیون دولار یومیًّا.
* على صعید الاستیراد من الخارج تشیر المعلومات بأن 3000 مستورد فلسطینی تکبَّدوا خسائر فادحة؛ نتیجة تراکم الحاویات فی الموانئ الإسرائیلیة، والتی یقدَّر عددها بحوالی 2500 حاویة؛ نتیجة لرسوم أرضیات المیناء ورسوم التخزین وأجرة الحاویات، وتکلفة الحاویة الواحدة 50 دولارًا یومیًّا، وتکلفة تخزین الحاویة فی مخازن میناء أسدود 300 دولار شهریًّا.
* ساهمت السیاسة الإسرائیلیة منذ 12/6/2007 فی تضرُّر الصناعات الإنشائیة ومصانع الطوب وقطاع البناء، فعلى سبیل المثال لا الحصر تعطَّل 28 ألف عامل یعملون فی قطاع الصناعات الإنشائیة نتیجة إغلاق المعابر.
* کما أدَّت الإغلاقات المستمرة إلى تدمیر قطاع صناعة الأثاث الذی یُعتبر من القطاعات الصناعیة الحیویة؛ نتیجةً لتکدس کمیات کبیرة من منتجات الأثاث الجاهزة للتصدیر إلى الضفة الغربیة وإسرائیل، والتی تقدر بحمولة 500 شاحنة تقدر قیمتها بحوالی 10 ملایین دولار، کما انخفض إنتاج الأثاث بنسبة 80% نتیجة عدم توافر المواد الخام؛ مما أدی إلى فقدان أکثر من 6000 عامل عملَهم؛ نتیجةَ توقف هذا القطاع الحیوی المهم عن الإنتاج، کما تم تدمیر ما تبقَّى من صناعة الخیاطة؛ حیث إن استمرار الإغلاق یؤدی إلى خسارة فادحة لأصحاب المصانع فی هذا القطاع تصل إلى 10 ملایین دولار، کقیمة فعلیة لنحو ملیون قطعة ملابس لموسم الصیف معدّة للتصدیر للسوق الإسرائیلیة، وتعتمد هذه الصناعة ما نسبته 76% على الصادرات و100% على المواد الخام المستوردة.
* تشیر البیانات الصادرة عن الغرفة التجاریة الفلسطینیة أن عدد مصانع الخیاطة تبلغ 600 مصنع تشغل نحو 25 ألف عامل توقفت عن العمل الکلی؛ حیث إن 90% من منتجات مصانع الخیاطة للسوق الإسرائیلیة وما نسبته 10% للسوق المحلیة.
* على صعید قطاع الصناعات المعدنیة والهندسیة، تشیر البیانات الصادرة على اتحاد الصناعات المعدنیة والهندسیة أنه تم إغلاق أکثر من 95% من الورش والمصانع التی تعمل فی هذا المجال، وأصبح ما یزید عن 7000 عامل یعملون فی قطاع الصناعات المعدنیة بدون عمل، کما أن المستوردین لا یستطیعون إرجاع الحاویات الموجودة داخل قطاع غزة والتی دخلت.
* تبلغ الخسائر الإجمالیة المتراکمة لقطاع الصناعة فی غزة نحو 40 ملیون دولار منذ 12/6/2007 وحتى الآن.
* حسب الإحصاءات الفلسطینیة والدولیة الرسمیة ازدادت نسب الفقر بین الأُسَر الفلسطینیة؛ إذ ارتفعت نسبة السکان الفلسطینیین الذین یقعون تحت خط الفقر من 22% عشیة الانتفاضة إلى أکثر من 67% على مستوى الأراضی الفلسطینیة، وحالیًّا تبلغ نسبة الفقر فی قطاع غزة نحو 90%، بعد أن کانت 81.4% العام الماضی (2007).
هذا هو حال قطاع غزة بسبب فرض الحصار العربی/ الإسرائیلی علیه، وهو حال سیؤدی حتماً إلى انفجار تجاه الحدود، ولکنه سیکون هذه المرة أشد عنفاً وشراسة من ذلک الانفجار الذی تم قبل شهور، فهل من عقلاء فی القاهرة وفی العواصم العربیة لیتدارکوا الأمر قبل فوات الأوان.
أما الملف الثانی: الذی یظهر المعاناة الفلسطینیة ویؤشر لانفجار فهو هذه التضحیات المستمرة بالدم والتی یقدمها الشعب الفلسطینی فی الوقت الذی یصمت فیه کل العرب بل ویشارکون فی ذبحه عبر هذا الحصار وذلک الدعم المشبوه لخیار المفاوضات البائسة بین أبو مازن وأولمرت. إذا علمنا أن عدد الضحایا الفلسطینیین خلال الانتفاضة الحالیة خمسة آلاف شخص بینهم 970 طفلاً لم تتجاوز أعمارهم إلى 16 عاماً، فیما وصل عدد الجرحى إلى أکثر من 70 ألفاً منهم أکثر من 1500 شخص یعانون من إعاقات أبدیة، حسبما قال تقریر صادر عن مرکز رسالة الحقوق الفلسطینی. والذى ذکر ایضا أن قوات الاحتلال وضعت عدداً کبیراً من الحواجز الثابتة والمتنقلة لتقطیع أوصال الضفة الغربیة ومنع التواصل الجغرافی بین المدن والقرى الفلسطینیة، حیث بلغ عدد الحواجز الثابتة 573 والمتنقلة أو التى تسمى "الطیارة" نحو 610 حواجز.
وفیما یتعلق بالنشاط الاستعماری فقد أوضح التقریر أنه زاد بنسبة 50 بالمائة خلال الانتفاضة فی حین ارتفع عدد المستعمرین بذات النسبة تقریباً فی الوقت الذی تواصلت فیه أعمال البناء فی جدار الضم والتوسع مما أدى إلى عزل ما یقرب من 1.8 ملیون فلسطینی عن مصادر عیشهم ورزقهم حیث ابتلع ما نسبته 46 بالمائة من إجمالی مساحة أراضی الضفة الغربیة إلى مصادرة آلاف الدونمات فی توسیع المستعمرات العشوائیة.
* إن شعباً یقدم هذا القدر من الضحایا ویعانی هذه المعاناة حتماً سیکون انفجاره القادم مدویاً لیس فحسب تجاه عدوه بل وبالتحدید تجاه ذوی القربى الذین یشارکون فی عملیات تجویعه وحصاره وبیع قضیته، وکما یقولون فإن ظلم ذوی القربى أشد مضاضة.
أما الملف الثالث: الذی یدفع باتجاه الانفجار، فهو هذا النسیان العربی والفلسطینی (الرسمی) نقصد هنا سلطة ابو مازن، لملف الأسرى الأبطال الذین یمثلون صوت الضمیر والثورة الحقیقی لدى هذا الشعب والذین یصل عددهم الیوم 11 ألف أسیر ویزداد هذا الملف ألماً عندما نعلم من تقاریر فلسطینیة حدیثة أن هذا الشعب قدم خلال الأربعین عاماً الماضیة من تاریخه الجهادی 700 ألف أسیر أی حوالی ربع الشعب الفلسطینی وسط صمت وتواطؤ رسمی عربی، وفی تقریر حدیث صادر عن وزارة شؤون الأسرى والمحررین الفلسطینیة أعده عبدالناصر عونی فروانة مدیر دائرة الإحصاء فی الوزارة، جاء فیه أن قوات الاحتلالإنتهجت أشکالاً عدة فی اعتقالها للمواطنین الأبریاء وللمقاومین وأعضاء الفصائلالمقاومة المختلفة.
وأکد التقریر أن الاعتقالات لم تقتصر على فئة أو شریحةمحددة، بل طالت الطفل والشیخ والشاب، والفتاة والمرأة، کما طالت عائلات بأکملهامستخدمة کافة أسالیب وأشکال الاعتقال بما فیها اجتیاح المدن والقرى والمخیماتوتفتیش المنازل واتلاف وتخریب محتویاتها مصحوبة بمداهمات للجیش والدبابات والمصفحاتوغطاء جوی من الطائرات ویرافقها إطلاق الرصاص بغزارة وهدم المنازل واقتلاع الأشجار،کما استخدمت قوات الإحتلال سیاسة اختطاف المواطنین بشکل کبیر عن طریق القواتالخاصة، وتحولت المعابر والحواجز العسکریة المنتشرة بکثافة على الطرق ومداخلالمخیمات والمدن إلى کمائن لاصطیاد المناضلین.
وبالنسبة لاعتقال النوابوالوزراء، بین التقریر أنه لا زال فی سجون ومعتقلات الاحتلال (46) نائباً ووزیراًسابقاً، اختطفتهم قوات الاحتلال من بیوتهم أو أماکن عملهم، وزجوا فی السجونوالمعتقلات، مؤکداً أن اختطافهم واستمرار احتجازهم، یشکل انتهاکاً فاضحاً لأبسطالأعراف والمواثیق الدولیة، کما ویشکل أیضاً عدواناً سافراً على المؤسسات الشرعیةالفلسطینیة، وحقوق الإنسان وحصانة النواب والوزراء.
وأضاف التقریر أن قواتالإحتلال لم تکتف بذلک بل صعدت خلال إنتفاضة الأقصى من اعتقالها لأمهات وزوجاتالمطلوبین للضغط علیهم واجبارهم على تسلیم أنفسهم، وکذلک اعتقال الأقارب والأصدقاءلنفس الغرض، أو لإجبار المعتقلین على الإعتراف، ومئات المرات هدموا بیوت عائلاتالمعتقلین أو المطلوبین کعقاب جماعی لعائلاتهم على ما قام به إبنهم.
وفیما یتعلق بالأسیرات، بین تقریرالوزارة، أن هناک قرابة (650 ) مواطنة اعتقلن خلال انتفاضة الأقصى، منهن ( 108)أسیرات لا زلن رهن الاعتقال، أی ما نسبته 1 % من إجمالی عدد الأسرى والمعتقلین، وأن 6 أسیرات منهن لم یتجاوز عمرهن 18 عاماً.
ونوه التقریر إلى أن ثلاث أسیرات وضعتکل منهن مولدها داخل الأسر، خلال انتفاضة الأقصى وهن: میرفت طه، ومنال غانم وقدتحررتا، وسمر صبیح، التی لا تزال فی الأسر مع طفلها براء، الذی یعتبر أصغر أسیر فیالعالم.
ونوهالتقریر إلى أنه ومع نهایة العام الحالی یرتفع عدد الأسرى الذین أمضوا أکثر من 15عاماً لیصل إلى ( 234 ) أسیراً ، کما سیصل عدد من أمضوا أکثر من عشرین عاماً إلى ( 73 ) أسیراً ، وهذا یستدعی من الجمیع منح هؤلاء القدامى الأولویة.
وأوضحالتقریر، أن هناک (4986) أسیراً محکوم، أی ما نسبته 45.3 % ، و(5154) أسیراً موقوفبانتظار المحاکمة، أی ما نسبته46.9 %، و( 860 ) معتقل إداریا، أی ما نسبته 7.8 % ،لافتاً إلى أن هناک قرابة ( 700 ) أسیراً، من بین الأسرى محکومین بالسجن مدى الحیاةمرة واحدة أو عدة مرات.
وفیما یتعلق بالوضع الصحی للأسرى، لفت التقریر إلى أنهوبدون مبالغة، یمکن القول بأن کافة الأسرى یعانون من أمراض مختلفة، نتیجة للظروفالقاسیة التی تشهدها السجون، وأنه یوجد من بین الأسرى أکثر من ألف أسیر یعانون منأمراض غایة فی الصعوبة، وبعضها مزمنة مثل: أمراض القلب والسرطان والشلل، وأمراضنفسیة، وهم بحاجة إلى علاج وأدویة وعملیات جراحیة عاجلة.
وتطرق التقریر إلى قضیةالتعذیب فی السجون الصهیونیة، حیث أکد على أنها جریمة بحق الإنسانیة، لافتاً إلى أنالسلطات الصهیونیة، هی الدولة الوحیدة فی العالم، التی جعلت من التعذیب المحظوروالمحرم دولیاً بکل أشکاله الجسدیة والنفسیة قانونیاً، وشرعته فی مؤسساتها الأمنیةوالقضائیة، ومنحته الغطاء القانونی، وبات نهج وممارسة یومیة وجزء اساسیاً منمعاملتها للأسرى.
وذکر التقریر فی هذا الصدد، أن أجهزة الأمن الصهیونی ، مارستضد الأسرى أشکالاً عدة من التعذیب الجسدی والنفسی مثل الضرب، الشبح، الهز العنیف،الوقوف فترة طویلة، العزل، الضغط على الخصیتین ، الضرب على الجروح، التکبیل على شکلموزة، والضرب على المعدة وعلى مؤخرة الرأس وغیرها.
وأکد التقریر أن جمیع منیعتقلون یتعرضون لأحد أشکال التعذیب کالضرب والوقوف فترات طویلة، وأن الغالبیةالعظمى یتعرضون لأکثر من شکل، بل ولعدة أشکال، خاصةً إذا طالت فترة الاحتجازوالتحقیق.
وبالنسبة لشهداء الحرکة الوطنیة الأسیرة داخل السجون والمعتقلاتالصهیونیة ، بین التقریر أن هناک ( 190) أسیراً استشهدوا، منهم ( 70 ) أسیراً نتیجةالتعذیب داخل أقبیة التحقیق، أی ما نسبته 36.8 % ، و( 45 ) أسیرا نتیجة الإهمالالطبی، أی ما نسبته 23.7 % ، و( 75 ) أسیراً نتیجة القتل العمد بعد الاعتقال، أیالتصفیة الجسدیة وما یعادل 39.5 % *وسط هذه المعاناة، وبین أطلال هذه الملفات المؤلمة (الحصار ـ القتل ـ الأسر) هل بوسع أی قوة على ظهر هذه الأرض أن تمنع أو تلم هذا الشعب الفلسطینی الصابر والمضحی، أن ینفجر فی وجه قاتلیه من صهاینة.. وعرب!
( المقال للدکتور رفعت سید أحمد )
م/ن/25