محور أمریکی إسرائیلی للتجسس على سوریا واستهدافها عسکریاً
وتؤکد الدراسة تلاقى جهود عدد من الأجهزة الإستخباریة الإقلیمیة، بما فیها أجهزة عربیة على تحقیق هذا الهدف، من بینها مخابرات دول عربیة محیطة ومخابرات إقلیمیة "کردیة وترکیة وإسرائیلیة وغیرها" وذلک فضلا عن استخدام وتوظیف الحرب الاقتصادیة والسیاسیة والعسکریة، واعتماد وسائط المواجهة غیر المتماثلة مع سوریا.
وتتوافق هذه الدراسة مع تقریر أمنى یتم تداوله فى أوساط قیادات الفصائل الفلسطینیة التى تتخذ من دمشق مقرا لها, مفاداه أنه بعد احتلال القوات الأمریکیة للعراق توقع الکثیرون أن تکون دمشق هى المحطة الثانیة فى مسیرة القوات الأمریکیة، وکانت هذه التوقعات والتحلیلات تعد السند الکبیر فى توجهات جماعة المحافظین الجدد المسیطرة على دوائر صنع القرار داخل الإدارة الأمریکیة.
ومن جانبهم أکد الخبراء أن توصیف الأحداث والوقائع الجاریة بالشرق الاوسط وتحدیداً من جانب واشنطن وإسرائیل یشیر بقوة إلى أن ثمة سیناریو محددا ضد دمشق یتم العمل على تنفیذه منذ لحظة احتلال بغداد, وبقلیل من التدقیق یتبین لنا بکل وضوح أن الأداء السلوکى الحربى هو السمة البارزة التى یتمیز بها هذا السیناریو، وتأسیساً على الأحداث والوقائع التى حدثت وتحدث حالیاً یتضح لنا أن العمل فى تنفیذ هذا السیناریو ما زال جاریاً على قدم وساق وبوتائر تتزاید سرعتها یوماً بعد یوم.
ویقول خبراء أمنیون إن الحرب ضد دمشق قد بدأت منذ لحظة احتلال بغداد ولکن بالوسائل غیر العسکریة, ومسرح المواجهة مع دمشق یتضمن الکثیر من الخطوط والجبهات التى یجرى تفعیلها یوماً بعد یوم, فالجهود الحربیة ضد سوریا تنقسم إلى جانب رئیسى تقوم به الولایات المتحدة وإسرائیل، وجهود ثانویة تقدم الدعم والمساندة للجهد الرئیسى وتقوم بهذه الجهود العدید من الأطراف الأخرى.
ویمثل محور "إسرائیل – أمریکا" بطاریة إطلاق النار الرئیسیة فى الهجوم على دمشق، وتمثل باریس وبرلین ولندن وعواصم عربیة محیطة، بطاریات النیران الصدیقة المتحالفة معه, فطوال الفترة الممتدة منذ لحظة احتلال بغداد فى مطلع العام 2003 وحتى الآن تتعرض سوریا لعملیة استهداف واسعة النطاق تضمنت عقوبات إقتصادیة والمتصاعدة وعرقلة الاتفاقیات التجاریة القائمة وقطع الطریق على إنجاز المزید من الاتفاقیات والحرب التجاریة غیر المعلنة ضد قطاع الصادرات والواردات، إضافة إلى عرقلة حرکة الأفراد السوریین إلى الخارج ومحاولة الحد من قدوم الأجانب إلى سوریا.
وأشارت المصادر الى سعی المحور "الامریکی ـ الاسرائیلی" الى تزوید المعارضة السوریة بالدعم والمساعدات والضغط على العواصم العالمیة من أجل إشراکها فى استهداف سوریا أو تحییدها على الأقل، وأیضاً بناء تحالف إقلیمى "عربی- شرق أوسطى" والدفع به باتجاه المشارکة فى استهداف سوریا, یضاف إلى ذلک تحمیلها مسؤولیة الاضطراب والصراعات الدائرة بالمنطقة کدعم المقاومة الفلسطینیة للاحتلال الإسرائیلى, ومعارضة اللبنانیین لحکومتهم, ومقاومة العراقیین للاحتلال العسکرى الأمریکی.
وأکدت المصادر تخصیص الکثیر من الأقمار التجسسیة لمراقبة ورصد سوریا, حیث أکدت الأدلة الدامغة التى تمثلت فى الصور الفضائیة التى التقطتها أقمار التجسس لما زعم بأنه منِشأة نوویة سوریة، وهى الصور التى نشرتها صحف "نیویورک تایمز" و"واشنطن بوست" و"التایمز" البریطانیة وغیرها من کبریات الصحف العالمیة، وبغض النظر عن المفاعل النووى المزعوم فإن وجود مثل هذه الصور فى حد ذاته یعکس الحقیقة المتمثلة فى أن کل أراضى سوریا قد أصبحت هدفاً لکامیرات أقمار التجسس الفضائی.
کذلک تشیر المعلومات إلى أن محور "واشنطن- تل أبیب" قد قطع شوطاً کبیراً فى بناء الشبکات الإستخباریة للقیام أولاً بجمع المعلومات الاستخباریة، وثانیاً بتنفیذ العلمیات السریة, وحالیاً أصبحت سوریا هدفاً لعدد من الشبکات الاستخباریة الإقلیمیة، منها على سبیل المثال الشبکات اللبنانیة المتعددة حیث نجحت أجهزة الموساد الإسرائیلى ووکالة المخابرات المرکزیة الأمریکیة وقلم المخابرات فى الخارجیة الفرنسیة فى تجنید وتدریب وتنظیم ونشر عناصرها.
وثانی هذه الاهداف یتمثل فی الشبکة الکردیة التى ظلت تقدم خدماتها للموساد الإسرائیلى ووکالة المخابرات المرکزیة الأمریکیة منذ فترة نظام صدام حسین، وتشیر المعطیات والتکهنات إلى أن هذه الشبکة قد توسعت کثیراً بعد احتلال العراق وظهور "أربیل" کعاصمة ظل للحرکات الانفصالیة الکردیة ومرکز إقلیمى لمحطة وکالة المخابرات المرکزیة الأمریکیة وواحد من أکبر محطات الموساد الإسرائیلى فى منطقة شرق المتوسط.
وآخر هذه المحاور شبکة المتعاملین العراقیین حیث نجحت وکالة المخابرات المرکزیة الأمریکیة فى تجنید شبکة واسعة من العراقیین منذ أیام النظام العراقى السابق، ومن أبرزهم العراقیین من حملة الجنسیة الأمریکیة، ولاحقاً بعد احتلال العراق تزاید عددهم وبالتأکید ستقوم أمریکا باستخدام وتفعیل شبکاتهم فى بلدان الجوار الإقلیمى للعراق وعلى وجه الخصوص سوریا وإیران.
إضافة إلى هذه الشبکات فهناک الوسائل الاستخباریة الرسمیة التى یتم استخدامها فى استهداف سوریا ومنها, وجهاز مخابرات دول عربیة مجاورة لسوریا یرتبط بالتنسیق وعلاقات التعاون مع جهاز الموساد الإسرائیلى ووکالة المخابرات المرکزیة الأمریکیة وبدرجة أقل مع غیرها من الأجهزة الغربیة.
وکما تقول التسریبات فإن جهاز المخابرات المعنى یلعب دوراً کبیراً فی تقدیم المعلومات والبیانات والتقاریر لجهاز الموساد الإسرائیلی, ودعم الجهود الإستخباریة الأمریکیة فى العراق ودول الجوار الإقلیمى مثل سوریا والعراق والسعودیة والأراضى الفلسطینیة, فضلاً عن تقدیم المعلومات والبیانات والتقاریر للإسرائیلیین والأمریکیین حول الفلسطینیین والشؤون اللبنانیة.
کما تعتمد المخاربات على القیام بالعملیات السریة بالوکالة عن المخابرات الأمریکیة والموساد الإسرائیلی, وقد تبین أن العدید من الإغتیالات التى تمت للعلماء العراقیین لم تکن بعیدة عن هذا الجهاز, والوسائل العسکریة لم یبرز استخدام هذه الوسائل بالشکل الواسع النطاق أو بشکله المباشر باستثناء الغارة الإسرائیلیة الأخیرة وما سبقها من عملیات تحلیق للطیران الإسرائیلی، وأیضاً قیام وحدة استطلاعیة أمریکیة فى إحدى المرات بتجاوز الحدود السوریة العراقیة.
ولکن قبل بضعة أشهر برزت بعض المعلومات حول نقاش یدور داخل البنتاجون حول مدى جدوى وحق قوات الاحتلال الأمریکى فى القیام بما أطلقت علیه تسمیة "عملیات التعقب الساخن" للمتمردین العراقیین داخل الأراضى السوریة, ویشیر العلم العسکرى وعلم الحرب إلى وجود العدید من الحروب والوسائط العسکریة وبتعدد ذلک تتعدد المسارح والنماذج وأنماط أجیال الحرب، فهناک الجیل الأول والثانى والثالث من الحروب.
ویقول المحللون إن هناک جیل رابع من الصراع الدائر بین سوریا والولایات المتحدة یتمثل فی الحروب "الغیرمتماثلة" وهى الحرب التى تخوضها دمشق الآن ,وتشیر دلالة مفهومها إلى الحرب التى تنشأ وتندلع بین طرفین أو أکثر، أو الجماعات, وتتمیز هذه الأطراف بالاختلاف الکبیر فى الاعتبارات المتعلقة بالقوة حیث ترکز دمشق على استخدام قدراتها الذاتیة والحصول على مساندة حلفائها وأصدقائها ونفوذها الکبیر بالشارع العربى والرأى العام العربى وخطابها الملتزم بمبدأ الحقوق العادلة المشروعة .
ویؤکد الخبراء أن الحرب "الغیر متماثلة" الدائرة حالیاً فى منطقة شرق المتوسط ضد سوریا تدور أیضاً ضد حزب الله وحرکة "حماس"، وقد اتسع نطاقها لیشمل إیران, وسوف ترتفع وتائرها خلال العام الحالى باعتبار أن محور "واشنطن- تل أبیب" قد دخل حالیاً فى مرحلة الأزمة، لأنه لم یستطع إحراز النصر فى الحرب اللامتماثلة، ولا فى الحروب الأخرى الدائرة فى العراق والأراضى الفلسطینیة وأفغانستان.
ولأن الفترة الزمنیة المتبقیة لإدارة بوش أصبحت محدودة بحیث لم یعد أمام هذا المحور سوى تسریع خطوات التصعید والقیام بالمزید من العملیات واستخدام المزید من الوسائط، ومن الأمثلة على حالة العجلة والارتباک التى سادت فى أوساط هذا المحور نجد تزامن قیام الرئیس بوش بفرض العقوبات على سوریا مع حادثة اغتیال عماد مغنیة فى دمشق، ومع اقتراب فرض عقوبات جدیدة على طهران.
م/ن/25