اسرائیل فقدت جاذبیتها کموطن هجرة للیهود
لقد أظهرت أرقام نشرتها وزارة الاستیعاب الإسرائیلیة فی الرابع والعشرین من کانون الأول / دیسمبر 2007 أن هجرة الیهود إلی إسرائیل واصلت تراجعها وبلغ عدد المهاجرین (19700) شخص عام 2007، وهو أدنى مستوى لها منذ 20 سنة، الأمر الذی یهدد مستقبل إسرائیل حسب زعم زئیف بیلسکی رئیس الوکالة الیهودیة المکلفة بزیادة تلک الهجرة. وفی الوقت الذی فقدت فیه اسرائیل جاذبیتها کموطن للهجرة، تراجعت حرکة الهجرة نفسها بنسبة 6 بالمئة مقارنة مع عام 2006، فی حین أن الهجرة من دول الاتحاد السوفییتی السابق التی کانت تمثل 30 بالمئة تراجعت إلى 15 بالمئة حیث وصل (6445) مهاجرا من دول المنظومة السوفییتیة السابقة و(3607) من إثیوبیا و(2957) من الولایات المتحدة وکندا و(2659) من فرنسا.
إن خطورة هذا الوضع بالنسبة للقادة الإسرائیلیین أجبرت، بحسب وسائل الإعلام الإسرائیلیة، رئیس الوزراء أیهود اولمرت، تکلیف سکرتیر الحکومة عوفید یحزقیئل بحث إمکانیة التسریع فی تهوید أکثر من (300) ألف مهاجر جدید وتشکیل لجنة تعنی بتنشیط الهجرة إلى إسرائیل، وذلک من أجل منع فقدان الأغلبیة الیهودیة فی الدولة. وبحسب المعطیات التی جمعت فی دیوان رئیس الوزراء الاسرائیلی، فإن نحو نصف هؤلاء الـ (300) ألف لیسوا یهودا حسب الفقه العبری. وعلى صعید إضافی ولو مختلف، هناک أکثر من ثلاثة آلاف مندوب تبثهم إسرائیل سنویا فی مختلف دول العالم لإقناع الیهود بفکرة الهجرة إلى إسرائیل. وکل ذلک وسط ارتفاع القلق من الخطر الدیموغرافی بسبب ارتفاع معدلات الولادة بالنسبة للفلسطینیین وانخفاض مثیلتها لدى الیهود، وکأن الصراع أخذ بعدا جدیدا یتمثل فی قدرة الفلسطینیین على الصمود والبقاء فی الأرض وکذلک فی الانجاب الکثیر، فما کان من المخططین الإسرائیلیین إلا أن حاولوا الاعتماد على الزیادة السکانیة عبر زیادة الهجرة الیهودیة إلى الدولة الصهیونیة فی مواجهة المعدلات المختلة للولادات الطبیعیة وهو الأمر الذی فشلوا فیه أیضا، حیث تصل النسبة حسب الإحصائیات إلى زیادة مقدارها (1.9) سنویا مقارنة بالزیادة الفلسطینیة التی تصل إلى (3.5) سنویا أی أن المیزان علی هذا الصعید یمیل لصالح الفلسطینیین.
لقد قاد الخوف من فقدان الأغلبیة الیهودیة فی إسرائیل وسط محیط متزاید من العرب إلى تکثیف محاولات اقناع الیهود فی العالم بالهجرة إلى إسرائیل شریطة أن یکون الجدد من الأغنیاء کیهود الولایات المتحدة وفرنسا وکندا، ذلک أن مثل هؤلاء الیهود (الأغنیاء والمتعلمون هم المرغوبون) فی إسرائیل.
غیر أن مراهنة الدولة العبریة على إقناع یهود الکرة الأرضیة بالهجرة إلى إسرائیل، خاصة فی عصر العولمة والانفتاح العالمی، تضعف من فکرة ووزن الهجرة على أساس قومی، فضلا عن أن الکثیر من المهاجرین لم یتم حتى الآن استیعابهم خلال السنوات العشر الماضیة مثل الیهود الروس الذین تولدت لدیهم مشکلة فی العیش داخل إسرائیل فباتوا یتبلورون کشریحة مستقلة قائمة بذاتها لها ثقافتها، بل إن قسما کبیرا منهم أصبح یفکر فی العودة إلى روسیا.
إن الحکومات الإسرائیلیة المتعاقبة تلعب على نغمة أن إسرائیل هی الوطن القومی للیهود. فالیهودی الذی یدخل إلی الکنیس فی أی مکان فی العالم إنما یذهب لیصلی، یصلی للقدس ولأرض إسرائیل. ولاقتناعها بأن المحفز الدینی غیر کاف، تلجأ الدولة الصهیونیة إلى المغریات المالیة، فتوفر للمهاجر البیت ومکان العمل وتعطیه منحة تقدر بـ 15 ألف دولار.
لکن عندما یصطدم أغلب المهاجرین بواقع معیشی مختلف ومناقض للوضع المعیشی والجو الثقافی الذی عاشوه فی بلدانهم الأصلیة، فإن عددا من المراقبین لاحظوا کیف أن هذه الصدمات تقود إلی أزمة تجعل الکثیر منهم یغادرون عائدین إلی بلدانهم الأصلیة. کذلک، تواجه إسرائیل مشکلة فی طرح موضوع المستعمرات / المستوطنات على المهاجرین الیهود الجدد. فالغالبیة الساحقة من هؤلاء لا یأتون إلى تلک المستعمرات (حیث یقتصر الأمر فقط على المؤدلجین) إذ أن الغالبیة الساحقة منهم غیر معنیة فی السکن فی مناطق تماس مع الفلسطینیین. وعلاوة علی ذلک، تبرز المشکلة الخاصة بأنهم فی إسرائیل لم یحددوا بعد حتی الآن من هو الیهودی! فحتى یومنا هذا، یوجد خلاف فی الحرکة الیهودیة على هذا الموضوع، کما أنهم لم یحددوا حدود دولة إسرائیل. وهذان العائقان یشکلان سدا حقیقیا أمام استقطاب المزید حتى من الیهود الراغبین فی القدوم إلى إسرائیل.
واضح أن عملیة استقطاب یهود الخارج هدفها رفع منسوب الیهود فی داخل إسرائیل باعتبار أن هنالک أزمة دیمغرافیة تؤرق أصحاب الحلم الصهیونی. ومما سبق یظهر بوضوح مأزق الصهیونیة ومشروعها فی فلسطین. فعلى المستوی البشری والسکانی، لم یحقق المشروع الصهیونی أحد أهم أهدافه الرئیسیة التی عمل علیها منذ تأسیس الحرکة الصهیونیة. ذلک المشروع الذی تبنی فکرة إنشاء وطن قومی للیهود وقیام دولة إسرائیل فی فلسطین وتجمیع یهود العالم فیها. ویعود الفشل النسبی فی زیادة عدد الیهود المهاجرین إلى عدة أسباب على رأسها: نضوب هجرة یهود أوروبا الغنیة، وعزوف یهود أوروبا الشرقیة عن الهجرة بسبب تحقیقهم لمستوى معیشة ممتاز فی مجتمعاتهم، وشیوع حالة انعدام الأمن فی إسرائیل بسبب الحروب المتجددة والانتفاضات الفلسطینیة، وتدنی مستوی الحوافز التی تقدم للمهاجرین الجدد عن سابقیهم فی الأجیال السابقة. بل إن بعض الدراسات أثبتت أن المجتمع الإسرائیلی (وبخاصة المجتمع السیاسی الإسرائیلی) لا یستطیع التوازن والاستمرار من دون ممارسة العدوان للتخلص من فائض المواطنین الفلسطینیین، وأیضا للتخلص من فائض التوتر الداخلی والهاجس الأمنی الذی ینتاب معظم طبقات ومعظم القیادات الإسرائیلیة!!!
( المقال للکاتب الفلسطینی الدکتور أسعد عبد الرحمن )
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS