غزة رغم حصارها.... تحاصرهم
غزة بعنادها ومقاومتها شکلت للدولة العبریة صداعا مزمنا, أرادت أن تتخلص منه ومن أعبائه عبر تحفیز وتشجیع حرب داخلیة طاحنة, تشغل الأشقاء الألداء عن الاحتلال ومشاریعه ومقاومته. لیس من العسیر على المرء أن یکتشف الأدوات الفلسطینیة والتی حرکتها الأصابع الإسرائیلیة فی هذا الاتجاه, فکیف للأمن أن یعم غزة وتختفی مظاهر الفلتان والفوضى مع خروج قیادات أمنیة منها کانت تقود أجهزة أمنیة مکونه من الآلاف من قوات الأمن والشرطة؟
تصعید الحصار على غزة ووصوله لمرحلة الخناق القاتلة کان من النتائج المباشرة لزیارة بوش للمنطقة بتنسیق أمریکی -إسرائیلی- فلسطینی من جهات محسوبة على سلطة رام الله والتی حمّل رموزها حماس فی بدایة التصعید الإسرائیلی مسؤولیة الأحداث. کان من المأمول أن یثور الغزاویون على حکومة حماس من جراء الضغوطات على القطاع فتسقط بالفعل الشعبی وربما بالمساندة الخارجیة إن لزم الأمر, استعدادا لمرحلة ما بعد انابولیس والتی تقتضی تصفیة المقاومة. غیر أن السحر أنقلب على الساحر, فبالرغم من استمرار الحصار على القطاع, ومن أن الأیام القادمة ستکون قاسیة علیه وستؤدی لتشکیل حقائق سیاسیة وأمنیة على الأرض. مع کل ذلک, فقد حاصرت غزة بدورها المتآمرین علیها وعرتهم کما فعلت بشارون فی کوابیسه والتی سبقت غیبوبته. هذه بعض النقاط والتی یجدر تأملها, والتی جلتها الأحداث الأخیرة:
• فی الوقت الذی یعتبر الغرب استخدام العرب النفط سلاحا سیاسیا أمرا غیر مقبول, فأنه یتغاضى عن استخدامه من قبل إسرائیل -وهی دولة مستوردة له- کسلاح إبادة وقتل.
• غزة غرقت فی ظلام دامس حین قُطعت عنها إمدادات الطاقة, ومع انتشار السلاح وتعدد الفصائل والتنظیمات والأحوال المعیشیة الصعبة, فإنه لم یسجل حالة واحدة من التعدی أو السلب أو القتل. وتلک إشارة جلیة على وحدة وطنیة عالیة وروح صمود شامخة فی الشارع الغزی, کما أن الغضب الفلسطینی توجه عبر الحدود ولم یتحرک باتجاه حکومة حماس وقیاداتها.
• الولایات المتحدة وعلى لسان مسؤولیها وعلى الأخص رایس, عبرت عن قلقها مرارا, لا عن حالات الموت المتزایدة جراء الحصار والعقوبات الجماعیة على فلسطینی القطاع ولکن جراء فتح الحدود بین غزة ومصر! الموقف الأمریکی غیر الإنسانی والذی تعامل مع تداعیات الأحداث بفظاظة, أضاف نقطة سوداء لسجل إدارة بوش الملطخ, وبرهانا جدیدا بأن تلک الإدارة لیست وسیطا فی الصراع الدائر بل طرف فاعل فیه.
• أحرجت الإدارة الأمریکیة الحکومة المصریة بشکل کبیر ومسیء, فالشارع المصری فی حالة غلیان وغضب من التجاوزات الإسرائیلیة والمواقف الأمریکیة. واتفاقیات السلام تمنع وجودا عسکریا مصریا کبیرا على الحدود, فیما الجائعون والمحاصرون یتدفقون بعشرات الآلاف من غزة إلى مصر. فی هذه الأجواء, طلب الأمریکیون وبجلافة مرارا من مصر ضبط حدودها مع غزة, وهو أمر شبه مستحیل دون حصول صدامات دامیة بین الفلسطینیین والأمن المصری. الإدارة الأمریکیة کشفت عن عنجهیة وانعدام للذوق السیاسی فی التعامل مع أبرز حلفائها فی المنطقة لتضعها فی موقف محرج شعبیا وفلسطینیا وعربیا.
• أعادت أحداث غزة الحرکة والمبادرة للشارع العربی والذی شهد حالة من الغضب والغلیان الشدیدین, مما یجعل من التطبیع الرسمی العربی مع الدولة العبریة والذی تضغط باتجاهه الإدارة الأمریکیة مهمة سیاسیة عسیرة ومحفوفة بالمحاذیر.
• ألأحداث المتلاحقة أحرجت کثیرا سلطة أبومازن وأظهرتها بالجهة العاجزة وفی بعض الأحیان بالمتواطئة, مما یزید من شعبیة حرکة حماس فی الشارع الفلسطینی ویعزز من مصداقیة منهجها وخیاراتها على نقیض ما أراده محاصرو غزة.
( المقال للکاتب یاسر سعد )
ن/25