عملیة "دیمونا".. سر الوصول للمکان وأبعاد التوقیت

المدینة التی ترمز للقوة النوویة الإسرائیلیة
وآخر الهجمات التی تعرضت لها هذه المدینة التی ترمز إلى القوة النوویة الإسرائیلیة کانت عام 1988، واستهدفت وقتها حافلة کانت تقل موظفین لمفاعل دیمونا، وبعدها بفترة وجیزة، تحدیداً بتاریخ 16/4/1988م، قامت قوات خاصة إسرائیلیة بالتسلل إلى تونس واغتیال خلیل الوزیر "أبو جهاد" أبرز قیادات حرکة (فتح) آنذاک.
وفیما أشارت کافة ترجیحات أجهزة الأمن الإسرائیلیة إلى أن منفذی التفجیر الجدید، وصلا إلى دیمونا متسللین من صحراء سیناء، ومستغلین فتح الحدود بین مصر وغزة، تبنت کتائب الأقصى التابعة لحرکة فتح وأبو علی مصطفى الجناح العسکری للجبهة الشعبیة لتحریر فلسطین وتنظیم جدید یطلق على نفسه "سرایا المقاومة الموحدة" مسؤولیتهم المشترکة عن العملیة، وقالت هذه الفصائل فی مؤتمر صحافی عقدته فی غزة، الاثنین: "إن منفذی العملیة وصلا إلى مکان العملیة جنوب دولة الاحتلال عبر الأراضی الفلسطینیة المحتلة عام 1948، دون الإفصاح عن الآلیة لأسباب أمنیة". مؤکدین أنهما لم یمرا عبر الحدود المفتوحة بین مصر وغزة.
وبینما اختلفت الأصداء وردود الفعل فی الساحة الفلسطینیة، بین منددة ومرحبة بهذا التفجیر الانتحاری الأول منذ نحو عام، استقبلت إسرائیل بدورها الهجوم على دیمونا بوصفه بالخطر جداً، ولکن ردود فعلها تباینت أیضا، فهناک من طالب بوقف فوری للمفاوضات مع الفلسطینیین کما جاء على لسان نائب رئیس الوزراء الإسرائیلی إیلی شای، بینما تعالت أصوات أخرى للإسراع ببناء جدار إلکترونی أمنی على طول الحدود مع مصر والتی یصل طولها نحو 270 کیلو مترا، کما اتهمت أصوات من الیمین والیسار، حکومة أولمرت بالضعف وأنها السبب بحدوث ذلک، کما ذهبت بعض الأصوات للمطالبة بالحدیث مع حرکة (حماس) کونها هی التی تسیطر على قطاع غزة.
أما الشرطة الإسرائیلیة بدورها، فقد عززت دوریاتها فی کافة المدن الواقعة جنوب إسرائیل، رافعة حالة التأهب لأقصى درجاتها، خشیة وجود مهاجمین آخرین یستعدون لتنفیذ عملیات مماثلة. وکانت الأجنحة العسکریة الفلسطینیة امتنعت عن تنفیذ أی هجمات تفجیریة فی إسرائیل منذ فترة طویلة، بل أن آخرها حصل فی ینایر العام الماضی، ووقع فی مدینة نتانیا الساحلیة، وقتل خلالها ثلاثة إسرائیلیین، وتبنتها فی ذاک الوقت سرایا القدس الجناح العسکری لحرکة الجهاد الإسلامی.
ویرى مراقبون أن هذه العملیة، جاءت فی وقت دقیق وحساس للغایة تعیشه الساحتان الفلسطینیة والإسرائیلیة، فحالة الانقسام متواصلة بین حرکتی فتح وحماس، وقطاع غزة یربض تحت حصار خانق، والوساطة المصریة لم تنجح لغایة الآن فی حلحلة الخلاف، وکذلک لم یتم التوصل لحلول فی ما یتعلق بقضیة معبر رفح نافذة غزة على العالم الخارجی.
وفی ما یخص حساسیة الوضع الإسرائیلیة، فحکومة أیهود أولمرت ما زالت لم تتعاف بعد من موجة الانتقادات المتواصلة بعد صدور تقریر لجنة فینوغراد النهائی أواخر الشهر الماضی، الذی أوضح أن القیادة العسکریة والسیاسیة فی إسرائیل انتابها التردد و"الدیاسة" فی اتخاذ القرارات خلال حرب لبنان الثانیة. وأیضا ترتفع حالة من الجدل حول مدى قدرة أولمرت على المضی قدماً فی العملیة السلمیة مع الفلسطینیین وسط حالة تجاذب حزبی، وتهدید بعض الأحزاب مثل حزب شاس بالانسحاب فی حال نوقشت قضیة القدس فی المفاوضات النهائیة.
وفی أول تعقیب من أولمرت على عملیة دیمونا، قال خلال جلسة حزبه "کادیما إن: "الاعتداء التخریبی الیوم هو بمثابة تذکیر مؤلم آخر على أنه یترتب علینا إبداء التأهب والیقظة بصورة متواصلة فی جمیع القطاعات،" وأضاف: "إن الحرب ضد الإرهاب لا تزال مستمرة"، مشیراً إلى أن إسرائیل حققت إنجازات مهمة جداً فی هذه الحرب.
وقسمت العملیة الساسة الفلسطینیین فوق انقسامهم فی کیفیة نظرتهم لأبعادها وانعکاساتها المحتملة، فیما ارتسمت الفرحة على شفاه بعض من فقدوا أصدقاءهم وأبناءهم فی هجمات واغتیالات نفذها الجیش الإسرائیلی خلال الفترة الماضیة. أما القیادة الفلسطینیة فی رام العملیة، فقد ربطت بین عملیة اغتیال قوات الاحتلال لناشطین من سرایا القدس فی بلدة قباطیة فی جنین شمال الضفة صباح الیوم، وبین عملیة دیمونا، حیث صدر بیان عن القیادة الفلسطینیة، استنکر العملیتین، مؤکداً أن السلطة ضد استهداف المدنیین من الجانبین.
کما أعرب وزیر الإعلام الفلسطینی الدکتور ریاض المالکی عن اعتقاده أن التفجیر فی دیمونا الیوم لن یؤثر فی سیر مفاوضات السلام بین الجانبین الإسرائیلی والفلسطینی، وقال: "إن ما حدث الیوم لا یعکس تقصیراً أمنیاً من جانب السلطة الفلسطینیة لأن المخربین خرجا من قطاع غزة، وأدان المالکی الاعتداء مشیراً إلى أن السلطة الفلسطینیة تدین العنف مهما کان مصدره.
ولم تتردد إسرائیل أیضا فور وقوع العملیة، من توجیه أصابع الاتهام واللوم إلى القاهرة، کونها سمحت بفتح حدودها مع قطاع غزة، حیث أشار تقریر للتلفزیون الإسرائیلی إلى أن أجهزة الأمن لم تفاجأ بالعملیة لان الحدود مع مصر سائبة، ویتوقع مراقبون ومحللون سیاسیون أن تؤدی هذه العملیة إلى تسریع عملیة إقامة جدار حدودی أمنی إسرائیلی مع مصر.
وبخاصة أنه قبل ساعات فقط من وقوع العملیة، تحدثت تقاریر إسرائیلیة عن فحص تجریه حکومة أولمرت لإقامة جدار أمنی مع مصر، شبیهاً بالذی یحیط غزة، فی قاطعین من الحدود مع مصر، وذلک بعد أن تجمع لدى جهاز الأمن الإسرائیلیة عشرون إطارا على الحدود الإسرائیلیة – المصریة وفی ضوء التقدیر بأن لیس اقل من 10 آلاف متسلل غیر قانونی من أفریقیا اجتازوا الحدود إلى داخل إسرائیل.
وقضیة الجدار هذه، یعتبر وزیر الدفاع الإسرائیلی أیهود باراک من أشد مؤییدها، وقد طالب أمس خلال جلسة الحکومة ببناء الجدار على وجه السرعة بکلفة 250 ملیون شیکل (ما یقارب 70 ملیون دولار). ویتوقع أن تتضمن المرحلة الأولى من الجدار، بناء مقاطع شمال ایلات وجنوب قطاع غزة. ولکنهم فی جهاز الأمن الإسرائیلی یعربون عن التشاؤم من إمکانیة تحقیق خطة باراک التی کانت أعدت منذ عهد الانسحاب عن غزة عام 2005، بسبب مشاکل فی المیزانیة.
وتقول إسرائیل إن حرکة حماس نجحت فی تهریب وسائل قتالیة متطورة من مصر إلى قطاع غزة خلال الأیام القلیلة الماضیة التی فتحت خلالها الحدود بین الجانبین، وهو ما تحدثت عنه صحیفة معاریف الصادرة الیوم الاثنین، والتی ذکرت أن معلومات استخباریة تتراکم لدى أجهزة الأمن مؤخراً تفید أن حماس استغلت الحدود المنفلتة بین رفح الفلسطینیة ومصر لتهریب صواریخ مضادة للطائرات، ومضادة للدبابات بل وصواریخ متطورة لم یشهدها القطاع من قبل.
وقالت الصحیفة: "فی ضوء التخوف من الوسائل القتالیة الجدیدة من المتوقع للجیش الإسرائیلی أن یغیر نمط عمله فی منطقة غزة. وضمن أمور أخرى تفحص إمکانیة زیادة مدى الأمان للطائرات خشیة إطلاق الصواریخ نحوها".
وفی السیاق ذاته، من المتوقع أن تترک هذه العملیة آثارا کبیرة على عملیة التبادل المحتملة بین إسرائیل والمجموعات الفلسطینیة التی تأسر الجندی جلعاد شالیت، مع العلم أن هذه الصفقة تراوح منذ نحو عام ونصف فی مکانها، وسط اتهام لإسرائیل بتعطیل کافة الجهود والوساطات المبذولة، ولکن لوحظ مؤخراً اهتمام واسع من وسائل الإعلام العبریة فی القضیة، فقد کثفت التحلیلات والمعطیات التی تشیر إلى أن أیهود أولمرت بعد نجاته من تقریر فینوغراد سیتفرغ لإنجاز هذا الملف لتحقیق إنجازات داخلیة لحکومته.
ویذکر أن تقریرا للقناة الثانیة للتلفزیون الإسرائیلی أفاد أن الصفقة یلزمها بعض الأسابیع لتخرج للنور، بینما جاء فی تقریر لصحیفة یدیعوت الصادرة الیوم الاثنین أن أولمرت، أمر بتلطیف حدة المعاییر لتحریر الفلسطینیین الذین سیسلمون إلى حماس مقابل تحریر شالیت. وذکرت الصحیفة أنه على خلفیة هذا القرار ستتسرع فی الآونة الأخیرة المفاوضات غیر المباشرة مع حماس لتحریر شالیت.
م/ن/25