qodsna.ir qodsna.ir

متى یشفی العمالیق من عقدة الهولوکست؟

انتهت زیارة المستشارة الألمانیة أنجیلا میرکل إلى إسرائیل بتأکیدها التزام ألمانیا المطلق بأمن الکیان الصهیونی وتأییدها لتحقیق یهودیة إسرائیل، دون أی إشارة منها إلى أمن الأقطار العربیة أو الأمن الإقلیمی للمنطقة ولم تلمح إلی الهولوکوست الإسرائیلی فی قطاع غزة أو الحصار الخانق الذی یأتی على الأخضر والیابس هناک فی الساعات والدقائق التی قضتها داخل بیت العنکبوت الذی سمته مجازا دولة الناجین من المحرقة .

                                                    

ولم یبق فی ذاکرتنا العربیة الموشومة، المثقلة بالأحزان من هذه الزیارة إلا صورة میرکل وهی تتجاوز کل مآسی الفلسطینیین وأوجاع حاضرهم وماضیهم وتقف خاشعة، ذلیلة، مرتبکة، نادمة أمام نصب ضحایا المحرقة المزعومة ثم تضیء الشعلة الأبدیة وتعرب عن شعور ألمانیا بالعار والخزی تجاه ماضیها النازی والجرائم المرتکبة بحق الیهود فی حضور رؤساء منظمات الناجین من المحرقة.

       

                                                             

فعلت المستشارة الألمانیة کل هذا رغم أن بعض أعضاء الکنیست رفضوا استقبالها أو القاءها خطابا ومنهم آرییه ایلداد الذی أکد بکل صفاقة لا أستطیع أن أتحمل سماع اللغة الألمانیة، فهذه هی اللغة التی ینطق بها من قتل أجدادنا وأردف أوری آرییل رئیس کتلة المفدال والاتحاد القومی بلهجة لا تخلو من عنصریة وتهکم إن هؤلاء الألمان هم قبیلة من العمالیق بل هم أسوأ من العمالیق ولا مثیل لهم . ولم یؤثر کل ذلک الکلام الجارح فی المستشارة الألمانیة التی طیبت خواطر الیهود بالکثیر من الوعود والمساعدات والالتزام المطلق بالوقوف وراء إسرائیل.

ولیست هذه المرة الأولى التی یسقط فیها الساسة الألمان فی حبائل التوظیف الصهیونی التآمری لمسألة الهولوکوست، فرغم آلاف الملیارات التی تلقاها الکیان الصهیونی من ألمانیا خلال أکثر من أربعین سنة إضافة إلی المساعدات الهائلة والتجهیزات العسکریة والمدنیة شدیدة التطور بما فیها غواصات قادرة على حمل رؤوس نوویة، لم یفوت الإسرائیلیون أی فرصة لتکثیف الضغط من خلال الإلحاح على تذکیر ألمانیا بماضیها النازی الألیم الذی یستعصی على النسیان.

     

ففی شباط /فبرایر 2005 عندما زار رئیس ألمانیا هیرست کوهلیر إسرائیل ضمّن فی خطابه أمام الکنیست کل عبارات الأسف والاعتذار وجلد الذات بل واستحضر کل عواطفه الجیاشة وذرف دمعات أمام الأعضاء متذکرا المحرقة، فقوبل بموجة من السخریة والتهکم وبادره تومی لابید وزیر القضاء وعضو الکنیست آنذاک لن نسامح ألمانیا ولن نسامحک مهما فعلت، إلى الأبد، سنظل نکرهکم ونتذکر ما فعلتموه بالیهود أما رئیسه أرییل شارون فقد کرر مرارا إن الیهود لن ینسوا مطلقا الجرائم التی ارتکبتها ألمانیا فی عهد النازیة، ولن یکون بامکاننا بتاتا أن نغفر ونصفح .

ویبدو أن ألمانیا ولو أضاءت کل أصابعها شمعا، وقد فعلت أکثر من ذلک، لن تستطیع إرضاء القادة الصهاینة الذین أحکموا استغلال هذا المعطى التاریخی الذی تحوم حوله الکثیر من الشکوک والشبهات خاصة حول العدد الفعلی من الیهود الذین أحرقوا أو تعرضوا للابادة او الهولوکست خلال الحرب العالمیة الثانیة، استغلوه فی البدایة بالتعاون مع النازی للترویج للفکرة الصهیونیة وحمل یهود أوروبا على الهجرة إلی فلسطین تحت تأثیر الهلع باعتبار فلسطین آنذاک ملاذا آمنا ثم لبناء أسس الدولة العبریة وتلقی کل أنواع المساعدات بما فی ذلک التکنولوجیا والمواد النوویة من فرنسا أواخر الخمسینیات من القرن الماضی ولاحقا لتحقیق التفوق والتوسع على حساب العرب وممارسة کل أنواع الصلف والاعتداءات المتکررة وأبشع أنواع الجرائم التی طالما استدرت بها إسرائیل العطف واعتمدتها وسیلة لابتزاز الدعم المالی والسیاسی وضمان اصطفاف الغرب إلى جانبها حتى فی جرائمها، تحت تأثیر عقدة الذنب التاریخیة التی یعیشها منذ عقود دون أن تبدو نهایة لهذه السیاسة أو بوادر شفاء لألمانیا والغرب من هذه العقدة التی تأبى الزوال وهذه القابلیة المرضیة للابتزاز والاستغلال.

     

                                                          

والسؤال المطروح هو لماذا یتحمل الغرب والشعب الألمانی بأجیاله المتعاقبة والذین لا ذنب لهم وزر کل تلک الأعباء التاریخیة والأخلاقیة حول مسألة الإبادة وبأی حق تستنزف موارد الدولة فی شکل تعویضات ومساعدات ضخمة ومتواصلة لکیان یتبنی نفس الطروحات النازیة ویمارس نفس الجرائم التی یحاولون هم التکفیر عنها؟ وکیف یقبل الساسة الألمان على أنفسهم کل تلک الذلة وتحمل کل تلک الإهانات والوقوف إلی جانب الباطل تحت دعوی ارتکاب هتلر لجرائم ضد الیهود إبان الحرب العالمیة الثانیة التی لم یسلم من شرورها شعب او عرق أو أمة؟ فقد فقدت شعوب الاتحاد السوفییتی وحدها حوالی 22 ملیون من مواطنیها و وقع الألمان أنفسهم تحت رحمة قصف ثأری همجی وعملیات تصفیة جماعیة بعد انهیار الجیش الألمانی قتل فیها الآلاف.

                     

إن تاریخ الحروب هو بالضرورة تاریخ جرائم لکن، حری بالغرب وفق هذا المنطق أن یشعر بالعار والخزی ویعتذر ویعوض لابادته عشرات الملایین من السود الأفارقة الذین تم تهجیرهم قسرا من موطنهم لیموتوا خلال رحلة الشقاء إلى أمریکا ویرموا فی المحیط الأطلسی او یقتلوا تحت قسوة العمل المضنی والتعذیب فی العالم الجدید وهو ما یعتبر وصمة عار على جبین الغرب الرأسمالی، المفروض فی هذه المشاعر الجیاشة أن تشمل الأرمن الذین أبید منهم مئات الآلاف إبان الحرب العالمیة الأولى وهی مسألة لا یتذکرها الغرب إلا کورقة ضغط على ترکیا.

لماذا لا تحکم الولایات المتحدة عقدة الذنب تجاه کل ما اقترفته من جرائم فی حروبها من استعمالها السلاح الذری بلا موجب عسکری وقتلها حوالی 300 ألف یابانی إلى ما ارتکبته من فظاعات فی فیتنام والعراق وأفغانستان وما زالت تقوم به بلا رادع أخلاقی أو قانونی ثم لا یرف للساسة الأمریکان بمختلف انتماءاتهم الحزبیة أی جفن؟

                                                              

لماذا لا یفکر الغرب وربیبته إسرائیل وفق المنظور ذاته بمنطق عقدة الذنب تجاه العرب الفلسطینیین الذین تم قتلهم بالآلاف والاستیلاء علی أرضهم بالقوة والغصب والبطش والجرائم المنکرة وشردوا بالملایین فی مشارق الأرض ومغاربها بعیدا عن دیارهم التی ما زالوا یحملون مفاتیحها فی أکبر جریمة عرفها التاریخ؟ ألیس على بریطانیا وفرنسا والدول الاستعماریة أن یعتریها الندم والاحساس بالذنب تجاه جرائمها وماضیها الاستعماری البشع واستغلالها لموارد ومقدرات أمم وشعوب أعرق منها بکثیر؟

                                                    

إن سیاسة الابتزاز الصهیونیة التی ترکز على جملة من الأساطیر التی أسست لوجود الدولة الیهودیة ومکنتها لاحقا من الوقوف بثبات والتمدد فی محیطها ستبقی دائما فی خدمة المشروع الصهیونی الذی قام أصلا على الخداع والاختلاق والمغالطة التاریخیة الفجة ورغم انکشاف زیف هذه الأباطیل وتهافتها فی الکثیر من الحالات والمراحل فقد بقیت کالاسطوانة المشروخة تدور دون أن تزعج مسامع الدول الغربیة وخاصة ألمانیا، ولتصب مغانم جمة فی رصید الدولة الصهیونیة وتسحب من رصید العرب الذین ذاقوا الویلات وعاشوا أکثر من محرقة دون أن یبالی أحد وبلا رادع أو متعاطف أو نصیر.

 

( المقال للصحافی التونسی زهیر حمدانی )

ن/25

 


| رمز الموضوع: 142666