إسرائیل لا تخشى نموذج کوسوفو.. بل نموذج جنوب أفریقیا
على تلک الأرضیة الضیقة والمحصورة تم اذن تناول المسألة سواء من الناحیة المبدئیة والمنهجیة او من حیث التفاصیل الأخرى خاصة تلک المتعلقة مباشرة أو غیر مباشرة بإسرائیل. النقطة أو الزاویة الأولى التی تم النظر إلى المسألة خلالها تتعلق بمبدأ تجاوز مجلس الأمن وتجاوز الإجماع الدولی وبالتالی تفادی حق النقض الفیتو للدول الدائمة العضویة فی المجلس اى تجاوز الفیتو الروسی فیما لو طرحت المسألة على مجلس الأمن، ثمة قناعة بخطورة الأمر من حیث المبدأ أی تجاوز مجلس الأمن لحل أی مشکلة أو قضیة مختلف علیها دولیاً، ورغم التحفظ على المبدأ إلا أن ثمة تفهم إسرائیلی لفکرة عجز مجلس الأمن فی الفترة الأخیرة عن حسم قضایا عدیدة مثل الملف النووی الإیرانی ودارفور، وعلماً أن إسرائیل تؤید مواجهة الملف النووی بطرق وأسالیب عدة سیاسیة ودیبلوماسیة وعسکریة حتى من خارج مجلس الأمن وعبر تکتلات وأطر أخرى مثل الاتحاد الأوروبی وحلف شمال الأطلسی وفی مسألة کوسوفو أیضاً فإن قراءات إسرائیلیة عدیدة لحظت موافقة الولایات المتحدة ودول أوروبیة مهمة على فکرة استقلال کوسوفو بمعنى اننا لسنا أمام خطوة أحادیة مطلقة وإنما خطوة منسقة بشکل دولی من قاعدة عریضة من الدول والمؤسسات وعلى أساس طرح احترام حقوق الأقلیة – الصربیة وکذلک الحفاظ على السلم والاستقرار الإقلیمی والدولی, مبدئیاً أیضاً ثمة تحفظ إسرائیلی على فکرة فرض حل خارجی من قوى دولیة لحل صراع محلی عجزت أطرافه أو أطراف إقلیمیة أخرى عن حله غیر أن ما خفف من هذا التحفظ وقوف الولایات المتحدة کمحرک رئیسی واساسى خلف استقلال کوسوفو وهی کحلیفة وراعیة رسمیة لإسرائیل لن تفرض علیها حل أقله فی المدى المنظور وفی ظل العلاقات المتنامیة والتی تزداد رسوخاً بین البلدین وفی ظل التطابق شبه التام فی المصالح والرؤى تجاه المنطقة وشاکلها.
زاویة أخرى طرحت فی النقاش الإسرائیلی حول مسألة کوسوفو تتعلق بالاعتراف الإسرائیلی بالکیان البلقانی الولید، وزارة الخارجیة الإسرائیلیة کانت قد قالت فی وقت سابق أن إسرائیل لن تکون من بین أوائل الدول التی ستعترف باستقلال إقلیم کوسوفو غیر أنها لن تکون من بین آخر تلک الدول وحسب معلق الشؤون الأوروبیة فی صحیفة هآرتس أدار بریور فإن هذا الإعلان یدل على توزع إسرائیل بین ولائها لحلیفاتها من الدول الغربیة المؤیدة لاستقلال الدولة الجدیدة وبین مخاوفتها من التداعیات التی قد تترتب على هذا النوع من الاستقلال، غیر أن الصحیفة نفسها وفی افتتاحیة ذیلت بتوقیع أسرة التحریر وکان عنوانها فلنعترف بکوسوفو طالبت بضرورة الاعتراف بدولة کوسوفو الولیدة وحسب الصحیفة فإن ثمة أربع أسباب توجب أو تفرض على إسرائیل هذا الأمر اعتراف الولایات المتحدة بکوسوفو المسلمة ما یسهّل على إسرائیل بل ویدعوها للقیام بالأمر نفسه، کذلک وجود تشابه بین أسمته الصحیفة نضال الشعب الیهودی من أجل الاستقلال ونضال شعب کوسوفو من أجل الأمر نفسه، کما أن کوسوفو حتى ولو کان إقلیماً أو کیاناً مسلماً إلا أنه حسب هآرتس – لم یتماثل مع المتطرفین الإسلامیین أعداء إسرائیل والغرب وأهم من ذلک فإن إسرائیل یجب أن تعترف بکوسوفو تحدیداً بسبب صفقتها الدینیة کی تؤکد على أنها لا تکن عداءاً للإسلام والمسلمین.
أما فی التفاصیل وفی التداعیات المباشرة لاستقلال کوسوفو على الصراع فی فلسطین فإن ثمة أکثریة ترى أن لیس من تداعیات لمسألة کوسوفو على المسألة أو الصراع الفلسطینی الإسرائیلی وأقلیة أخرى رأت العکس وعبّر عنها الوزیر السابق الزعیم الیمنی المتطرف افیغدور لیبرمان – وهو الوحید من السیاسیین الذی علق مباشرة على الأمر حیث رأى أن إعلان استقلال کوسوفو الاستقلال من جانب واحد واعتراف الأسرة الدولیة بذلک ینطویان على تداعیات بعیدة المدى على الساحة الدولیة عامة وعلى الساحة الشرق اوسطیة خاصة موقف لیبرمان جوبه برفض واسع من قبل ثلاثة أکادیمیین بارزین أولهم البروفسور شلومو افنیرى أستاذ العلوم السیاسیة فی الجامعة العبریة فی القدس الذی أکد أن لن یکون أی تأثیر لسابقة کوسوفو على مناطق أخرى فی العالم وأن التأثیرات التی یجری تداولها أو التحذیر من مغبتها توجهها آلة الدعایة الصربیة وهی غیر صحیحة.
رأى لافت آخر طرحه البروفسور جیرالد شتانیزغ الذی رأى أن الفلسطینیین قد حاولوا تطبیق ما بات یعرف بنموذج کوسوفو قال ستاینزغ أن ما جرى فی کوسوفو یعید إلى الأذهان الإستراتیجیة التی أتبعها الرئیس الفلسطینی یاسر عرفات من أجل إعلان استقلال الدولة الفلسطینیة من جانب واحد وتقوم على استحضار قوات دولیة من الأمم المتحدة تمهیداً لإعلان استقلال أحادی الجانب من دون مفاوضات وختم شتاینزغ بالإشارة إلى أن تلک الإستراتیجیة لم تنجح فی السابق لکن من الممکن أن یحث نجاحها فی کوسوفو الفلسطینی على تکرار التجربة غیر أن احتمالات ذلک تبدو برأیه ضئیلة.
فی نفس السیاق صبت وجهة نظر البروفسور اریه کاتتسوفیتش رئیس قسم العلاقات الدولیة فی الجامعة العبریة الذی لا یرى بدوره اى وجه شبه بین أوضاع کوسوفو والأوضاع القائمة بین إسرائیل والفلسطینیین لان إسرائیل باعتقاده لم تضم أراض الفلسطینیین إلیها مطلقاً, غیر أن أوضح وأدق وأوسع وجهة نظر حول قضیة الموقف الإسرائیلی من استقلال کوسوفو نجدها فی مقال المراسل السیاسی لصحیفة هآرتس عکیفا الدار – 22-2-2008 و عنوانه ما الذی حقاً یقلق لفنى والذی استهله بالتأکید أن وزیرة الخارجیة الإسرائیلیة تسبى لیفنی لم تقلق من تصریح المفاوض الفلسطینی یاسر عبد ربه حول تطبیق نموذج کوسوفو فی فلسطین وتحدیداً فی الأراضی المحتلة عام 1967، إلدار أکد أن ما یقلق لیفنی حقیقة هو لیس نموذج کوسوفو وإنما التخوف من ألا تؤدی المحادثات الجاریة الآن إلى ولادة دولة فلسطینیة المراسل السیاسی لصحیفة هآرتس یؤکد هو الآخر على أن الفلسطینیین أعلنوا وأسسوا نموذجهم الخاصة بالاستقلال الأحادی منذ عشرین عاماً أی فی دورة المجلس الوطنی التی عقدت بالجزائر فی تشرین ثانی نوفمبر 1988 ذلک الإعلان الذی لم یتحول إلى حقیقة واقعة حتى الآن، ألدار یؤکد فی الحقیقة أن إسرائیل قلقة لیس من نموذج کوسوفو وإنما من ألا تخرج دولة فلسطینیة إلى العلن یقول الاتصالات مع الفلسطینیین تدور فی ظل قلق کبیر على مصیر حل الدولتین، وعندما قال أهود أولمرت إبان مؤتمر أنابولیس أننا إذا لم نصل فی أقرب وقت ممکن إلى تسویة دولتین فإن الدولة الیهودیة منتهیة فإنه بالذات لم یتحدث فقط من بواطن قلبه، رئیس الوزراء ووزیرة الخارجیة یعرفان إنه إذا ذهبت مسیرة أنابولیس فی أعقاب مسیرة کامب دیفید ابنة سیرة أوسلو فالسلطة الفلسطینیة هی الأخرى ستسقط فی أعقابها.
یاسر عبد ربه کان قد قال دفاعاً عن استنساخ نموذج کوسوفو أن المفاوضات هی حتى الآن إجرائیة شکلیة ولم تلامس القضایا والملفات الجوهریة – القدس، الحدود واللاجئین – وبأن إسرائی ستضع الفلسطینیین بنهایة العام 2008 أمام خیارین أما اتفاق إطار أو إعلان مبادئ على شاکلة أوسلو یؤدی إلى استمرار التفاوض العقیم لسنوات طویلة أخرى أو القبول بدولة مؤقتة ضمن الواقع الحالی الجدار الفاصل والکتل الاستیطانیة والطرق الالتفافیة التی تربط تلک الکتل وتبتلع مع الجدار قرابة نصف الضفة الغربیة، ألدار یرى أن لیس ثمة اجماع على نموذج کوسوفو وأن الأمور تسیر عملیاً باتجاه نموذج جنوب أفریقیا ینقل عن أحد القادة الفتحاویین البارزین والمعتدلین قوله إذا تبین فی نهایة السنة بأن المفاوضات عالقة،س نطالب بإعادة مناطق السلطة لإسرائیل بدل الاتحاد الأوروبی الذی یمول معظم الخدمات سیعود العبء لیقع على اسرائیل بدل الحدیث عن الاحتلال لتعترف بأننا نعیش فی دولة ابارتهایدد، بدل الکفاح من أجل الاستقلال نکافح من أجل المساواة فی الحقوق لن نسمح للسلطة أن تتحول إلى صیغة جدیدة من روابط القرى التی أسستها إسرائیل فی الثمانینات لتطویر زعامة محلیة على أمل نقل المسؤولیة عن الحیاة الیومیة إلیها.
ألدار یسترجع ویستذکر کذلک مقال المفکر الفلسطینی البروفسور ولید الخالدی الذی نشره فی صحیفة الغادیان فی کانون أول دیسمبر 2007، الذی برأیه أشعل أضواء حمراء فی إسرائیل للعلاقة الوثیقة التی تربط الکاتب بالقیادة الفلسطینیة، المقال الذی حمل عنوان شکرا لکن لیس شکرا یقول فیه الخالدى أنه لا یدری إذا کان یجب أن ینصح أو یحذر إسرائیل من أنها إذا رفضت الانسحاب من الأراضی المحتلة عام 1967 فإن الفلسطینیین سیزیدون الکابوس الفظیع لأولمرت عبر طرح حل یعتمد على احترام متبادل مساواة وشراکة حقیقیة.
جدیر بالذکر أن أولمرت قال أن انهیار حل الدولتین سیعنی سقوط إسرائیل کدولة یهودیة وعندما یطالب الفلسطینیون بالصوت المتساوی فی دولة فإن إسرائیل لن تجد أحد یدافع عنها أو یقف إلى جانبها حتى الیهود والأمریکیین فلن یساندوا دولة دولة ترفض إعطاء حقوق متساویة لمواطنیها.
من الصعب تطبیق نموذج کوسوفو فی فلسطین نظراً للمعطیات السالفة الذکر ونظراً لغیاب إستراتیجیة فلسطینیة واضحة المعالم، غیر أن هذا الأمر لا یقتصر على الفلسطینیین فاسرائیل أیضاً تفتقر إلى إستراتیجیة او سیاسة محددة محدودة تجاه الفلسطینیین فهى تتحدث عن حل الدولتین وتفرض الحقائق على الأراضی لعرقلته ومنعه، وتخشى من نموذج الدولة الواحدة تضع بیدها الوقائع التی تدفع بهذا الاتجاه، الأراضی الفلسطینیة خاصة الضفة وقد تشهد انتفاضة ثالثة شبیهة بانتفاضة الحجارة وهذا الأمر إذا ما حدث س یخلق آلیة تؤدی حتما باتجاه نموذج جنوب أفریقیا أو الدولة الواحدة، عکیفا ألدار یختم مقاله على النحو التالی الوزیر عامی أیلون یذکره الوضع بصیف عام 2000 عندما حذر کرئیس لجهاز الشاباک من انتفاضة ثانیة أما الآن فهو یتحدث عن انتفاضة ثالثة ویقول لم نتعلم شیئاً من تقریر فینوغراد، لا توجد إستراتیجیة ولا عملیة اتخاذ قرارات کلنا نتحمّل المسؤولیة وهذا المحفل ومجلس الوزراء لا یقوم بواجبه أما أولمرت فقال عامی محق سنجرى بحثا!!! لم یتم الامر بالطبع حتى الان.
( المقال لمدیر مرکز شرق المتوسط للدراسات والاعلام ماجد عزام )
ن/25