الى السیدة میرکل: السنا جزءا من المحرقة؟

ما هو غیر مفهوم - بالنسبة لی على الأقل - فی مواقف السیدة میرکل وخاصة الموقف الأخیر خلال زیارتها للکیان العبری، هو هذا الانفصام فی الشخصیة، وهذا الکیل بمکیالین بشکل واضح لا لبس فیه، وهی التی من المفروض أنها تقود دولة من أهم دول الاتحاد الأوروبی، دولة عریقة وقویة اقتصادیا على الأقل، وهی الدولة التی التزمت بکل ما علیها أکثر مما التزمت بما هو لها، خاصة بعد هزیمتها فی الحرب العالمیة الثانیة وخضوعها لشروط القوی والمنتصر ونحن نقول -أن القوی.
اعتقد أن لیس بالإمکان لشخص ما - أی کان هذا الشخص- یدعی الإنسانیة وأنه یحمل الکثیر من الأحاسیس والعواطف أن یقسم عواطفه أو أن یجزئها على هواه، فیشعر مع هذه الضحیة بالتعاطف، ومع ضحیة أخرى لا یشعر بمثل ذلک، بل هو لا یشعر ولا یکن إی إحساس ولا یعترف بالضحیة الأخرى وربما لا یعترف بوجودها أصلا، برغم أنها تعانی بشکل ربما یفوق لا بل هو فعلا یفوق معاناة من یدعی بأنه ضحیة، وهو - الذی یدعی بأنه کان ضحیة--وإن کان کذلک فعلی أی حال فهذا کان قبل عقود من الزمن اندثر خلالها إن لم یکن کل فأغلب الذین عانوا فی حینه.
هل تعتقد السیدة میرکل بأن الوجع الیهودی هو أکثر إیلاما من وجع الآخر، بغض النظر عمن یکون هذا الآخر، وهل إذا ما جرح الإنسان الیهودی یکون شعوره بالألم أقوی وأکثر من الإنسان الآخر، أم ترى هی تعتقد أن الترکیبة الجسمانیة- الجسدیة- للآخر تختلف عن الترکیبة المتعلقة بالإنسان الیهودی، وإذا کان الأمر کذلک أفلا یدلل هذا علی عقلیة عنصریة .
لکن وحیث أننا لا نرید أن نتهم السیدة میرکل بالعنصریة ولا یمکننا ولا نرغب بذلک، فإننا نرید أن نوجه لها سؤالا نرجو أن تجیب علیه بنفس الشفافیة التی شاهدنا وهی تقف أمام النصب التذکاری لمحرقة الیهود علی ید ابن جنسها هتلر، تری هل تعتقد أن وجع الإنسان الفلسطینی یختلف عن وجع الإنسان الیهودی، وهل الإنسان الفلسطینی أو الأوروبی أو حتى الألمانی یکون أقل إحساسا بالألم أذا ما تعرض لأذی معین کالجرح مثلا أو الذبح أو الحرق، کیف یمکن للسیدة الألمانیة الأولى أن تظهر کل هذه المشاعر تجاه ضحایا النازیة من الیهود - والتی لا اعتقد أنها مسؤولة عنها بشکل شخصی فهی لم تکن قد ولدت بعد- ولا تظهر هذا الفیض من المشاعر وهذا الإحساس بالحزن الشدید تجاه کل الملایین من الشعوب الأوروبیة الذین سقطوا خلال حقبة هتلر وکانوا ضحایا لجنونه.
هنا لا بد من أن أشیر إلى أننی لا أناقش قضیة المحرقة الیهودیة وحقیقة حدوثها من عدمه، أو أعداد الضحایا من الیهود أو من غیر الیهود، لیس فی هذا المقال على الأقل ، وذلک حتى لا یتم اتهامی بالعنصریة ومعاداة السامیة برغم أننی اعتقد بأننی سامی إلا إذا کان الأمر غیر ذلک بالنسبة لمن لن یعجبهم ما أقول، وإنما أناقش کیف یمکن للنفاق السیاسی إن یکون فجا وبدون حدود، وإلى أی درجة من الانحدار یمکن أن یصل بالشخص حتى لو کان بمنزلة قائد لدولة عظیمة مثل ألمانیا.
عواطف السیدة میرکل وآدمیتها ظهرت بکل تجلیاتها أمام نصب المحرقة إلى الدرجة التی اعتقدت أنها سوف تسقط مغشیا علیها من شدة انفعالها، لا بل اعتقدت للحظة بان السیدة میرکل تتقمص الدور بشکل أکثر من أهالی الضحایا أنفسهم، ولا أبالغ فی القول إننی اعتقدت بان السیدة المحترمة قد تکون یهودیة - ولن استغرب لو کانت کذلک، فمادلین اولبرایت إذا کنتم لا تزالون تذکرونها لم تعلن عن یهودیتها إلا فی مرحلة متأخرة وبعد أن استطاعت إن تتسلق أعلى المراکز القیادیة فی الولایات المتحدة الأمیرکیة-.
المشاعر الجیاشة التی أبدتها السیدة المستشارة أنغیلا میرکل لم نر أو نسمع أو نلمس منها شیئا فیما یتعلق بالمعاناة الفلسطینیة، برغم أن ضحایا المحرقة الإسرائیلیة لا یعیشون فی قارة أخری، إنهم لا یبعدون عن مکان وقوفها فی نصب المحرقة الیهودیة سوی عدة مئات من الأمتار.
ترى هل کانت السیدة المحترمة فی غفلة من أمرها عن ولو مجرد إشارة أو لفتة واحدة لهؤلاء؟ أم أن انغماسها فی الدور أنساها هؤلاء الذین عانوا ولا زالوا على مدار سنوات الاحتلال الإسرائیلی؟، أوَ لیس أبناء الشعب الفلسطینی جزء لا یتجزأ من ضحایا أوروبا و محرقتها بشکل عام حتى لا نتهم بلدا بعینه؟
( المقال للکاتب الفلسطینی رشید شاهین من بیت لحم )
ن/25