qodsna.ir qodsna.ir

الرقص العربی الامریکی على اشلاء فلسطین

 

لم نأبه بحلقات الرقص الامریکیة العربیة التی رافقت زیارة الرئیس الامریکی جورج بوش الى منطقة الخلیج ( الفارسی )امن مع الدولة الاسرائیلیة حیث کرس الرئیس ایمانه العمیق بأمن هذه الدولة لولا ان الزیارة رافقتها مجزرة اسرائیلیة بحق الفلسطینیین فی غزة ادت الی مقتل التسعة عشر والذین لم تتبعثر اشلاؤهم الا بمبارکة الولایات المتحدة ورئیسها.

خرجت آلة القتل الاسرائیلیة لتبث سمومها وهی مطمئنة ان لا رأی عالمیا ولا رئیس دولة عظمى ولا مجلس امن سیشجب او یستنکر ولا قرارات دولیة ستعاقب المجرم، بل ستطوی تفاصیل الجریمة وتوضع فی ارشیف المجازر الاسرائیلیة بحق الشعب الفلسطینی. وبینما نحن امام هذه المجازر نلتفت الی حلقات الوصل والغرام بین رئیس تعتبر ایامه معدودة فی ادارة دولته وحکام آثروا الرقص علی الصمود والاحتفال علی المواقف الجریئة. من العاصمة السعودیة حمل بوش السیف ولوح به یمینا ویسارا. عانق وقبل ووعد وتوعد بمزید من القنابل والعقود العسکریة لاعادة توازن القوی فی الخلیج ( الفارسی ) عسى وأن تصبح السعودیة یوما ما بولیس الخلیج ( الفارسی ) تماما کما کان شاه ایران قبل عام 1979.

استبشر القوم بوعود بوش القادمة عساه یروض الکونغرس الامریکی فیسمح بتصدیر آلة قتل جدیدة لا تصوب یوما ما سهامها على دولة اسرائیل وانما على دولة ایران. آثر حکام الریاض امام العرضة النجدیة ان یسترجعوا بعضا من السیادة فردد وزیر الخارجیة شعارات الدبلوماسیة والحلول السلمیة مع ایران تماما کما تفعل القیادة السعودیة تجاه اسرائیل ولکن هناک فروقات کبیرة فایران لم تذبح بقنابلها شعبا عربیا وتهجر الآلاف وتحاصر جموعا بشریة. عندما یستوی الخطر الایرانی المزعوم مع الخطر الاسرائیلی الواقع على الارض لا بد لنا ان نتحرر ونحرر عقولنا من خطابات رسمیة وشعارات وهمیة لا تصلح الا للاستهلاک فی محطات عالمیة فضائیة تابعة لهذا الامیر او ذاک.

وقد ینتقدنا البعض لاننا نکتب عن فلسطین هذه المرة ولیس انجازات الاصلاح السعودی واننا قد اکتفینا مزایدة علی عروبة النظام القائم. سیکون ردنا اننا لا نتعلم العروبة فی خلیة حزبیة ولم نقرأها على صفحات جریدة القدس العربی ولم نستلهمها من مجلدات میشیل عفلق او خطابات جمال عبد الناصر. لم تکن فلسطین یوما ما قضیة نتبناها للاستهلالک المحلی ارضاء لتیارات قومیة او اسلامیة تهدد امن النظام. ولم ندرس صفحاتها ونؤلف فیها تمجیدا لاحصاءات الدعم السعودی وصور حکام یسجدون ویدعون خالقهم ان ینعم علیهم بصلاة فی القدس.

نظرتنا لفلسطین ومجازر الدولة الصهیونیة فیها وتخاذل حکام الریاض ازاءها ورقصاتهم مع القوة العظمی التی رفضت ان تتخذ موقفا محایدا تجاهها فی المحافل العالمیة انما تنبثق من تجربة عایشناها. لقد تکونت هذه النظرة والموقف من خلال مشاهدة جندی صهیونی یغتسل فی شوارع بیروت الغربیة وآخر یتمشی برفقة کتیبة على سفوح جبال لبنان وثالث یراقب مجازر ترتکبها اید معروفة فی مخیمات مسیجة ومحاصرة. عرفنا اسرائیل من خلال قنابل غبیة تفجر مساکن شعبیة وقری هشة البناء. کذلک عرفنا الدولة الاسرائیلیة من خلال کتابها وغطرسة اکادیمییها وتحلیلاتهم الاسطوریة لصراع قدیم غرس فی منطقة لم تکن مهیأة لمثل هذه المصیبة، بل کانت مصیبتها فی عوائل احتکرت السیاسة وتصارعت فیما بینها کل منها یطمح ان یقود العرب کقطیع صامت.

 فشل الجمیع فی مشروعات الهیمنة وخرج العرب من المأساة بدون ملک او خلافة، بل ما بقی لهم سوی مقاطعات بالیة تقطع خطوطها اسر وشعوب لها امتداد عمیق وترابط حمیم بین اطیافها المختلفة والمتنوعة. هکذا نمت فلسطین فی قلوب البعیدین عنها وهکذا یتبنی المرء المواقف ولیس من خلال بهرجة الرقصات وتساقط الجثث الضخام علی عقد تسلح او مفاعل نووی. ان کان هذا الشعور یدعی عروبة او قومجیة فلیکن. انه الشعور الذی لا یشنق یوم عید او یحل فی لحظة احتلال او یجتث یوم کتابة دستور.

من الصعب اجتثاث الشعور او اقتناصه لحظة ضعف فهو لیس قابلا للمساومة او البیع فی سوق المزاد او الأسهم.

ان رقصت الریاض او لم ترقص وان زغردت المنامة او لم تزغرد یظل الشعور ملتهبا امام شهداء غزة. هذا الشعور لا ینطفئ بقنابل ذکیة او صواریخ باتریوت الموعودة ولن یمیعه حلف السنة امام ایران الشیعیة ولن تبدده مقالات صحافیة تنتقد سیاسة ضیف ثقیل أثقل المنطقة بمغامرات حربیة فاشلة یجتر کلماتها صحافیو النظام.

 لیعلم هؤلاء ان السیادة لا تسترجعها کلمات النقد لسیاسة بوش العتیدة وانما تسترجعها منظومة امنیة مشترکة کذلک لا تسترجع السیادة بتعدد مصادر الاسلحة والعقود المبرمة مع هذا المصدر او ذاک.

لقد فقدت الریاض السیادة عندما سلمت امنها للقوة العظمى وفی حال مواجهة امریکیة ایرانیة لن تجد الریاض مفرا لان اجواءها وارضها واموالها ستکون بئرا یمول المواجهة وستدفع الریاض ثمن فقدان السیادة وتداعیات مواجهة قد تجرها الیها السیاسة الامریکیة والتی تحاول جاهدة ان تقنعها ان الخطر یأتی من ایران ولیس الدولة التی بعثرت قنابلها اجسادا کثیرة على ضفاف البحر الابیض المتوسط.

تعرف القیادة السعودیة ان اسرائیل لا تستهدفها ولم تشکل السعودیة یوما ما خطرا على امن الدولة العبریة، بل بالعکس تجد اسرائیل فی السعودیة فرصة للتطبیع والذی بدأ بشکل او بآخر وکل ما تریده اسرائیل هو الوصول الى السوق السعودیة لتبیع اسلحة ومعدات وتکنولوجیا وتجلب استثمارات افرزتها الطفرة النفطیة الثانیة. لقد امن النظام السعودی شر اسرائیل ولن یقوم على اتخاذ ای موقف یغیر هذا الواقع.

وستظل صحافته المکتوبة والالکترونیة تجتر مقالات لکتاب اسرائیلیین تسوق على انها حوار حضارات وتبادل فکری وتقارب من اجل عملیة السلام والتی وعد جورج بوش اسرائیل بها فی عیدها الستین.

 هناک انظمة عربیة خرجت من المواجهة بموجب معاهدات وقعتها مع اسرائیل وتحملت تبعیاتها ولکن بقی النظام السعودی متبوئا منزلة بین المنزلتین یرقص على حبل شعارات العروبة وصقورها من جهة وحبل السلام وحقوق الفلسطینیین من جهة اخرى. هذا الرقص لم یفعل الشعار ولم یعید للفلسطینیین حقوقا. ومهما حاولت القیادة السعودیة وصحافتها الابتعاد عن السیاسة الامریکیة ستظل هذه القیادة رهینة القرار فی واشنطن لسبب بسیط ینطلق من کون النظام محمیا من قبل الخارج ولیس الداخل ومهما تنوعت مصادر الحمایة تبقی الحقیقة قائمة یتذوق مرارتها الکثیر من الذین لم یخنق الشعور فی صدورهم.

 ( المقال للکاتبة والاکادیمیة الدکتورة مضاوی الرشید من الجزیرة العربیة )

ن/25


| رمز الموضوع: 142648