إیران نوویة.. فی مصلحة العرب
و یبدو أنها عبارة تستبعد، ضمنیا و من القراءة الأولى، الحرب لأن إیران لیست بعد قوة نوویة. لکن، فی قراءة محتملة ثانیة، یبدو أن ما تخفیه، أو ما لم تقله بصریح العبارة، هو أنه من الأفضل ضرب إیران قبل أن تصبح قوة نوویة، من ضربها بعد أن تصبح کذلک، حیث احتمالات الحرب العالمیة فعلیة، بینما لن یتجاوز أثر الضربة القبلیة حربا محدودة.
الهدف یتمثل الآن فی حرمان إیران، عبر الضغط والتهدید باستعمال القوة، من المعرفة المفضیة لإنتاج أسلحة نوویة. تتقوی هذه الفرضیة باحتمال تأجیل الضربة إلى ما بعد اجتماع الدول الأعضاء فی معاهدة حظر انتشار الأسلحة النوویة فی 2010، وأیضا بالانتهاء من تجهیز نظام دفاع صاروخی مثبت فی أوروبا بحلول عام 2011، والذی یهدف - حسب الجنرال باتریک أورایلی - إلى حمایة أسلحة وقواعد أمریکیة وحلیفة ضد تهدیدات عدوانیة ناشئة من الشرق الأوسط . حتى ذلک الحین، سیتأرجح النهج الأمریکی بین مسارات الحل الدبلوماسی (المفاوضات) والعقوبات الذکیة، والتلویح بالخیار العسکری، وتثبیت سبب الحرب عبر تقاریر الوکالة الدولیة للطاقة الذریة التی أصبحت أداة استخباراتیة بامتیاز. هذا الرأی لا یستبعد عملا عسکریا أمریکیا قبل هذا التاریخ إن وجدت الولایات المتحدة نفسها فی وضع استراتیجی ملائم لتوجیه الضربة الحاسمة.
وأیا کان التوقیت، فقد تم الشروع فی ترتیبات أصبحت تقلیدیة فی الثقافة الإستراتیجیة الأمریکیة تمهد لتوفر الشروط الملائمة لتقدیر الموقف ولاتخاذ قرار الحرب. ترتیبات تأخذ فی الغالب أشکالا عقابیة أحادیة (تصنیف بنک صادرات کممول للإرهاب ، تصنیف بنک سبه کمؤسسة داعمة لنشر أسلحة الدمار الشامل، حظر التعامل مع بنک میلی و بنک میلات، شروع عدد من حکومات الولایات الأمریکیة فی تطبیق التشریع الذی یحظر علی صنادیق التقاعد الخاصة بالولایات استثمار أموالها فی شرکات تتعامل مع إیران، تصنیف الحرس الثوری وفیلق القدس ککیانین إرهابیین) أو عقوبات جماعیة مشترکة من خلال إخضاع إیران للفصل السابع من میثاق الأمم المتحدة الذی یسمح بفرض عقوبات علی الدول المهددة لسلام المجتمع الدولی مع إمکانیة استخدام القوة، والضغط علی شرکائها الأساسیین (الصین، الهند، فرنسا، ألمانیا، إیطالیا، ومالیزیا) من أجل وقف التعامل التجاری والاستثماری معها. ترتیبات تهدف إلی عزل إیران دولیا وإنهاکها وتفتیت معنویاتها. هذا الخنق الاستراتیجی مدعم بسیاسة نوویة دولیة تعمل علی الحفاظ علی الوضع المترتب عن معاهدة 1970، وبجبهة موحدة لها نفس الأهداف فی إطار الشراکة العالمیة الجدیدة للطاقة النوویة، والمبادرة النوویة لمکافحة الإرهاب النووی.
الحماسة الحربیة تعود من جدید. وبدأت تظهر ملامح فکر أداتی یهیئ الرأی العام العالمی لتقبل الحرب، ویبحث عن کل التبریرات الذرائعیة والأخلاقیة لتسویغها، بل حتی تهوینها وتسریعها. وفی النطاق العربی تجتهد بعض الأصوات، هنا وهناک، فی تقدیم إیران کعدو تاریخی للعرب، وفی البحث عن سمات غیر دیمقراطیة فی نظامها السیاسی، وفی رسم صورة قاتمة لوضعها الداخلی، بدل أن تجتهد فی توجیه النظر إلی الشره الامبریالی للولایات المتحدة، وسیاساتها الشرق أوسطیة غیر المتوازنة. ویبدو، أکثر من أی وقت مضی، أن مصلحة العرب وأمنهم یتوقف علی إیران نوویة. لماذا؟ بکل بساطة، إذا أصبحت إیران دولة نوویة، سیکون من غیر المقبول، أن تبقی فقط الدول العربیة بدون سلاح نووی. ویمکن حینها لدولة عربیة (وأفکر هنا فی مصر تحدیدا) أن تطالب، وأن تعمل، علی أن تصبح دولة نوویة. ألم تطبق مصر فی تأمیم القناة سابقة تأمیم النفط فی إیران؟ وسیکون هذا المسعی مقبولا من کثیر من القوی الدولیة. هذا من وجهة نظر براغماتیة، وهذا العامل قد یکون سببا فی هذا السعار الأمریکی. وقد عبر صراحة عن هذا الهاجس أندرو سیمل ، حیث اعتبر أن إیران قد تشکل سابقة للدول الأخری التی ستحذو حذوها فی تطویر برامج أسلحة نوویة.
لمن تتسلح إیران؟ . الإجابة المنطقیة هی أن إیران تتسلح لأن الولایات المتحدة ضربت أوتادها العسکریة فی العراق، وهناک تهدید قوی جدا علی المدی المتوسط باعتداء أمریکی إذا لم تتحصن وتحقق توازنا ما أو ردعا ما. الآن، فی السیاق الحالی، السلاح النووی أصبح الضمانة الوحیدة أمام الجنون الذی یفکر . وإیران تتسلح، لأن التسلح الــــــذاتی غیر المعتمد علی الآخرین هو الإستراتیجیة الصحیحة والفعالة لضمان الأمن و حریة العمل.
المفارقة أن إیران النوویة قد تصبح سببا مضاعفا فی تواجد أمریکی طویل الأمد فی العراق. فالدول العربیة قد تدفع، فی اتجاه بقاء أمریکا فی العراق، لأن عراقا مفککا ضعیفا، مع احتمالات حرب أهلیة، وأمام إیران نوویة، قد یکون أسوأ ما یحدث للعرب. هذا نتیجة لحساباتهم الإستراتیجیة الخاطئة، وموقفهم السلبی إزاء ما وقع ویقع فی العراق. و هکذا سیدعمون استمرار الوجود الأمریکی: الجدار الذی یحمیهم من الخطر الفارسی .
إن الحکومات الإمبریالیة، یقول إدوار سعید، تثرثر کثیرا بشأن أخلاقیاتها، لکنها تتصرف کقطاع الطرق والعصابات. وإن حماسة لاعقلانیة تدفع بصاحبها إلی التهدید بحرب عالمیة، تعنی أن أمریکا تقبل فی حدود معینة بحدوث کارثة، ولیس فقط تحویل الدول الخارجة عن طاعتها إلی صخرة تاربیا (مکان إنزال العقاب). هذا جنون یفکر العبارة لنیتشه الذی ینعت به الحکام الحالیون لأمریکا. من الناحیة الأخلاقیة، ثمة احتقار کبیر للأرواح البشریة . أکبر لعنة حلت بالبشریة ، یعلق نیتشه قبلیا على هذا الجنون الذی یفکر.
( المقال بقلم الباحث المغربی محمد أنوار محمد )
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS