الاحد 13 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

حول المخاطر الإستراتیجیة الإسرائیلیة

 تقریر  " أمان " حول المخاطر الإستراتیجیة الإسرائیلیة

 یعتبر جهاز الاستخبارات العسکریة الإسرائیلیة المعروف ب " أمان "، أکبر الأجهزة الاستخباریة الإسرائیلیة على الإطلاق. ویحتکر هذا الجهاز المسؤولیة عن تقدیم التقییمات الإستراتیجیة للحکومات الإسرائیلیة، والتی على أساسها یتم اتخاذ صنع القرار فی إسرائیل. تقییمات هذا الجهاز أصبحت ذات أهمیة فائقة، بعد الفشل الإسرائیلی خلال حرب رمضان عام 1973، إذ أن هذا الجهاز تحمل جزءاً کبیراً من المسؤولیة عن الفشل فی هذه الحرب، وبالتالی شددت لجنة " اجرانات " التی حققت فی أوجه القصور فی الحرب، على وجوب أن یکون جهاز " أمان " مسؤول حصریاً عن تقدیم تقییمات استراتیجیة للحکومة بشأن التهدیدات التی تواجه إسرائیل. ومنذ ذلک الوقت، حرص " أمان " على اصدار تقییم استراتیجی لمکانة إسرائیل الاستراتیجیة فی العام المنصرم، وتوقعاته ازاء مکانتها على ضوء التهدیدات المتوقعة. بالأمس انفرد موقع النسخة العبریة لصحیفة " یدیعوت أحرنوت " على شبکة الانترنت بنشر التقییم الإستراتیجی السنوی الذی انجزه " أمان " والذی یستعد رئیسه الجنرال عاموس یادلین لتقدیمه قریباً للحکومة الإسرائیلیة. وقبل الخوض فی تفاصیل ما جاء التقریر یتوجب الاشارة الى أن معدی التقریر حرصوا على التحوط لإی مساءلة فی المستقبل، ویظهر هذا فی بعض الاحیان من خلال ابراز استنتاج ما ثم التحفظ علیه. لکن على کل الاحوال یعکس هذا التقییم التوقعات ازاء مکانة الاسرائیلیة وطبیعة التهدیدات الاستراتیجیة التی تواجهها هذه الدولة من وجهة نظر الاستخبارات الاسرائیلیة، مع العلم أن هذا التقییم یکون فی العادة مستند الى مادة استخباریة، یزعم معدو التقییم أنها " موثوقة ".

على کل الاحوال التقییم یؤکد أن إسرائیل تقف أمام ثلاث تحدیات استراتیجیة کبیرة، وهی المشروع النووی الإیرانی، وإمکانیة اندلاع حرب فی الجبهة الشرقیة والشمالیة مع سوریا وحزب الله، بالاضافة الى التهدید الذی یمثله قطاع غزة تحت حکم حماس.

زاعماً أنه یرتکز على معلومات استخباریة، یؤکد  التقریرأن ایران تواجه مشاکل فنیة فی تطویر برنامجها النووی وتحدیداً فی تخصیب الیورانیوم، الذی یمکن استخدامه فی بناء القنبلة النوویة. لکنه فی نفس الوقت یحذر من أن ساعة الحقیقة ستحین عندما تتخطى ایران الحاجز التکنلوجی الذی یمکنها من تخصیب الیورانیوم بکمیات مناسبة، ویتوقع التقریر أن هذا من الممکن أن یحدث فی وقت قریب. ویحدد التقریر عام 2009 کالعام الذی من المتوقع أن تنجح ایران فی انتاج خمسة کلغم من المادة المشعة اللازمة لصناعة القنبلة النوویة. وهذا التقییم یتناقض مع التقییم الذی قدمه رئیس جهاز الموساد مئیر دجان للحکومة قبل خمسة اشهر وأکد فیه أن ایران تحتاج الى تسع سنوات لإنتاج السلاح النووی، هذا فی حال حافظ برنامجها النووی على نفس الوتیرة من التطور.

وینوه التقییم الاستراتیجی الى أن التقریر الذی اصدرته المخابرات الوطنیة الامریکیة مؤخراً واکدت فیه أن إیران اوقفت مشروعها النووی للأغراض العسکریة فی العام 2003 ترک اسرائیل لوحدها فی الساحة فی مواجهة ایران. وحول إمکانیة أن تقوم الولایات المتحدة بمهاجمة المنشآت النوویة الإیرانیة، قال معدو التقریر " بات فی حکم المؤکد لدینا أنه لم یعد هناک أحد مستعد للقیام بهذا العمل من أجلنا ". وجزم التقریر أنه سیکون على إسرائیل الاعتماد على قواها الذاتیة فی حال واصل المشروع النووی الإیرانی تطوره. وزعم التقریر أن الاختلاف بین الاجهزة الاستخباریة الاسرائیلیة والاجهزة الاستخباریة الأمریکیة یرجع الى " نظریات مختلفة فی تفسیر المواد الاستخباریة "، مقراً فی الوقت ذاته أن إسرائیل لا تملک معلومات استخباریة تختلف عن المواد التی تملکها الولایات المتحدة بشأن المشروع النووی الایرانی.

وحسب التقییم فأن الجبهة الشمالیة هی مصدر الخطر الثانی، والذی ینصح التقریر على الاستعداد له بکل قوة. ویصف التقییم هذه الجبهة کالساحة الوحیدة التی من الممکن أن تنشب فیها حرب شاملة. ویؤکد التقریر أن سوریا حصلت فی الآونة الاخیرة على الاف الصواریخ ذات مدى بعیدة القادرة على إصابة أی نقطة داخل إسرائیل. ویؤکد التقریر أن سوریا بإمکانها اطلاق الصواریخ التی بإمکانها أن تزرع الدمار فی کل مکان من إسرائیل.

فی نفس الوقت فأن التقریر یشدد على أن حزب الله استأنف فی الآونة الاخیرة استیعاب المزید من الصواریخ، حیث أن الحزب حصل على عدد کبیر من الصواریخ ذات قدرة فائقة على اصابة الاهداف، وهی أکثر تطوراً من الصواریخ التی کانت لدى الحزب أثناء حرب لبنان الثانیة. من هنا یصل التقییم الى  استنتاج مفاده أن التهدید على العمق الداخلی الاسرائیلی تضاعف على الجبهة الشمالیة والجبهة الشمالیة الشرقیة.

لکن التقییم یتوقع أن سوریا وحزب الله لن یبادرا الى شن حرب على إسرائیل قریباً، على اعتبار أن قوة الردع الإسرائیلیة تعاظمت الى حد کبیر خلال العام الماضی لسببین أساسیین:

1-     العملیات التی قامت بها اسرائیل خلال العام المنصرم ( تحدیداً العملیة العسکریة فی قلب سوریا ) لم تدلل فقط على قدرات اسرائیل الاستخباریة وتفوق سلاحها الجوی، بل أن هذه الاحداث دللت على قوة التصمیم التی ابدتها اسرائیل على احباط کل تهدید وقدرتها على الإقدام على خطوات خطرة ولإتخاذ قرارت صعبة ومصیریة عندما یتعلق الأمر بأمنها، حسب وصف معدو التقییم.

2-     یرى  التقییم أن کلاً من سوریا وایران وحزب الله قاموا بتحلیل نتائج حرب لبنان الثانیة بشکل عمیق والاستنتاجات الناجمة عنها، وتوصلت دوائر صنع القرار فی هذه الاطراف الى أن شن حرب صواریخ على إسرائیل فی هذه الظروف ستلحق الضرر بهذه الاطراف أکثر من مسها باسرائیل. ویدعی التقریر أن إیران ذهلت من قدرة اسرائیل على تدمیر منظومة الصواریخ بعیدة المدى من طراز " زلزال "، التی کان حزب الله قد نصبها قبیل الحرب الثانیة فی جنوب لبنان، فی اقل من ساعة من الزمن، و قبل أن یتم اطلاق صاروخ واحد. ویدعی التقییم أنه یکشف هنا لأول مرة أن سلاح الجو الاسرائیلی بالتعاون مع وحدات مشاة استطاع تدمیر کل منظومة الصواریخ متوسطة المدى، التی یتراوح مداها من 220 الى 360 بعد اطلاق أول دفعة من هذه الصواریخ، أو الدفعة الثانیة منها. ویزعم التقریر أن قیام إسرائیل بتدمیر منظومتی الصواریخ طویلة ومتوسطة المدى عقب عملیة حزب الله التی قادت للحرب، اغضبت الإیرانیین. ویشیر التقریر أن کلاً من سوریا وإیران تعاونتا فی مد حزب الله بالصوارخ لکن طهران اشترطت على قیادة الحزب أن یحصل على اذن مسبق من طهران قبل استخدامها، زاعماً أن ممثلی " حراس الثورة " الایرانیین فی فی لبنان یشرفوا على تنفیذ هذه التعلیمات. ویؤکد التقریر أن ایران لن تصدر تعلیمات لحزب الله لتنفیذ هجوم، إلا فی حال خدم ذلک مصالحها الإستراتیجیة وفی حال تعرضها لتهدید مباشر، وینوه التقریر الى أن هذا لن یحدث فی العامین القادمین. لکن هذا التقییم یتناقض بشکل کامل مع تقدیرات اخرى لجهاز الموساد والتی أکد فیها أن تقریر الاستخبارات الأمریکی الاخیر قد قلص الى حد کبیر فرصة قیام الولایات المتحدة بشن حرب على ایران، وبالتالی، فأن الحفاظ على منظومات الصواریخ التی تنصبها ایران بالتعاون مع حزب الله فی لبنان یصبح أقل الحاحاً، الأمر الذی یجعل من الممکن لإیران أن تسمح لحزب الله باستخدامها حتى فی الرد على حدث محل لیس له علاقة بالمصالح الإیرانیة.

ویدعی التقییم أن الردع فی مواجهة السوریین لیس مرده العملیة التی نفذها سلاح الجو الاسرائیلی فی عمق الاراضی السوریة، منوهاً الى أن السوریین أیضاً وقفوا ملیاً أمام الدمار الشامل الذی لحق بالبنى التحتیة اللبنانیة خلال الحرب الاخیرة سیما تدمیر حی " الضاحیة " فی بیروت والمس بشبکة الطرق فی العاصمة اللبنانی والجنوب، وهم یتوقعون أن دماراً أکبر سیلحق ببناهم التحتیة من الصعب أن یکون بوسع النظام فی سوریا اعادة اصلاحه وترمیمه، فی حال سارعوا الى شن حرب على إسرائیل. ویزعم التقریر أنه لهذه الأسباب تقلص حماس الرئیس السوری بشار الأسد لشراء منظومات دفاع جویة وطائرات حدیثة.

لکن هذا التقییم یتناقض مع تقییمات اخرى لاوساط فی " الموساد " التی تؤکد  أن " للسوریین ذاکرة قویة وقدرة کبیرة على الصبر، بحیث أنهم لا یمرورن مرور الکرام على أی خطوة تدلل على المس بکرامتهم الوطنیة ". ولا یستبعد هذا المصدر أن تقدم سوریا على خطوة عسکریة خاطفة ومحدودة من اجل اغلاق الحساب مع إسرائیل بسبب قیامها بقصف المنشأة البحثیة فی منطقة " دیر الزور "، شمال سوریا. وحول صور الرد السوری على العملیة فی " دیر الزور "، فأن المصدر یتوقع أن تحاول سوریا المس باهداف اسرائیلیة ویهودیة عن طریق منظمات فلسطینیة على علاقة بسوریا، ولا یستبعد المصدر ان تحاول سوریا المس بالمفاعل الذری الإسرائیلی فی دیمونا.

أما التهدید الثالث فی خطورته الذی یواجه إسرائیل فهو الکیان الذی تسیطر علیه حرکة حماس فی قطاع غزة. ویستدرک التقییم أن هذا التهدید لیس وجودیاً، لکن ومع ذلک فأنه التهدید الذی یتوجب معالجته على جناح السرعة وقبل أی تهدید آخر. ویضیف التقییم أن التهدید الذی ینطوی علیه وجود ما اسماه " الکیان الحمساوی " فی غزة یتطور یوماً بعد یوم ویتحول الى تهدید مباشر ینذر بالمس بالمستوطنین فی منطقة النقب بشکل کبیر. ویجزم التقییم أن هذا التهدید سیزداد خطورة خلال العام القادم، لأن حرکة حماس تواصل تطویر منظومة قذائفها الصاروخیة، سواء عبر زیادة مدى هذه الصواریخ أو عن طریق زیادة وزن المادة المتفجرة التی یتم حشو رأس الصاروخ بها.  ویؤکد التقریر أن حرکة حماس تستعد لمواجهة إسرائیل وتخطط لإلحاق أکبر الأذى بالجیش الإسرائیلی. وتزید الأمور تعقیداً – وفق التقییم – بسبب مواصلة حماس عملیات تهریب السلاح والمتفجرات من مصر الى قطاع غزة، حیث یتهم التقییم مصر بأنها لا تقوم بما تستطیع القیام به من اجل وقف عملیات التهریب. ومع ذلک، فان التقییم الاستخباری یشیر الى نقاط ایجابیة تتمثل فی  تأثیر عملیات التوغل المحدودة التی یقوم بها جیش الاحتلال الى جانب عملیات التصفیة التی تتم من الجو الى جانب قدرة اسرائیل على جمع المعلومات الاستخباریة، الى جانب الضغط الاقتصادی، کل هذه العوامل تؤدی الى نتائج ایجابیة تتمثل فی شواهد على الأرض، مثل امتناع حرکة حماس عن اطلاق الصواریخ، وبدلاً من ذلک تقوم بمنح الصواریخ لحرکات اخرى، فی حین تکتفی بإطلاق قذائف الهاون. وفی نفس الوقت، فأن التقریر یزعم أن قیادة حماس تحاول اقناع الأطراف الدولیة والعربیة بضرورة التوصل لهدنة مع إسرائیل، وتسویة سیاسیة مع أبو مازن. ویرى التقییم الاستخباری أن زیادة الضغط العسکری والاقتصادی على حماس فی القطاع سیعزز هذه التوجهات. ویتوقع التقییم أن یؤدی هذا التقییم الى أن تقوم حماس بالإعلان عن وقف اطلاق النار من جانب واحد.

لکن هذا التقییم یتناقض مع الکثیر من التقییمات التی یفصح عنها العدید من رجال الاستخبارات المتقاعدین الذین یرون أن العمل المسلح قد یؤدی الى نتائج عکسیة ویؤدی الى توریط اسرائیل فی القطاع وتخلیص حرکة حماس من عبء المسؤولیة عن توفیر الخدمات للفلسطینیین فی القطاع.

( المقال للکاتب والصحفی صالح النعامی وصل وکالة قدسنا )

ن/25

 

 


| رمز الموضوع: 142488







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)