الثلثاء 15 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

الغطاء العربی لمحرقة غزة

مئات الأشلاء من الشهداء وأجساد الأطفال المبعثرة مع صیحات الثکالى والمروعین فی عدوان السبت السابع والعشرین من دیسمبر/کانون الأول 2008 لم تکن تشیر فقط إلى تصریح لیفنی قبل العدوان بساعات فی القاهرة بأن تل أبیب قد قررت إحراق غزة ومن أین من القاهرة، فیما کان وزیر الخارجیة فی موقف نظیف جدا یشیر إلى نصائح التهدئة، ومن غیر شک بأن ما دار بینهم أکثر من تبادل النصح.

ولکن هذه الإشارات الواضحة والأدلة القطعیة الدلالة -کما یقول الفقهاء- تکشف أن هذه الشراکة العربیة فی تغطیة العدوان الإسرائیلی هی الأکثر وضوحا منذ تاریخ الصراع العربی الإسرائیلی.

لذا فإن هذا المنعطف قرِئ مبکرا منذ أنابولیس فی نوفمبر/تشرین الثانی 2007 ولم یکن قرارا غائماً ولکنه برنامج عمل واضح تجاه تنفیذ حماس للحرکة التصحیحیة فی غزة فی یونیو/حزیران من العام نفسه منذ ذلک التاریخ اتخذ القرار إسرائیلیا وأمیرکیا وأخذت التعهدات على النظام الرسمی العربی بتنفیذه ولم تکن تلک التعهدات اضطراریة فی کل الأحوال ولکنها اختیاریة لدى بعض هذه الأنظمة، لماذا؟

لأن ما جرى فی غزة وقبله صعود برنامج المقاومة وإعادة حضورها التاریخی شکّل قاعدة انطلاق جدیدة وتاریخیة للمشروع التحرری الفلسطینی وعبر فکر إسلامی ووحدة عربیة فی اتجاه الهدف النهائی للمشروع, وهی قضیة تشعر أطراف رئیسیة فی النظام الرسمی العربی بأنها لا تستطیع البقاء مع زوال إسرائیل، وهذه الحقیقة لم تعد تقریرا إعلامیا مکررا ولکنها تُرجمت إلى سیاسات شاملة وبرنامج عملی على الأرض لإقناع أو تطویع الشعوب بأن "إسرائیل" کیان مهم للمنطقة ومحور فی التعاون الدولی للحوار أو التطبیع الاقتصادی .

من هنا نعرف أن ما جرى وما سیتطور فی الأیام القادمة کان قراراً عربیاً رسمیاً شریکاً ولیس مغلوباً على أمره، ولو أننا استعرضنا التصریحات التی أطلقها هؤلاء الساسة على حماس حتى من قبل حرکة التصحیح فی یونیو/حزیران 2007 لوجدنا أنها تتصاعد ضد هذا البرنامج بل وهی ذاتها بالمشارکة مع فریق أوسلو بقیادة محمود عباس تسعى لإحباط أی محاولة توافق وطنی لکون قرار تصفیة مشروع المقاومة ولیس حماس قرارا دولیا إسرائیلیاً برغبة أطراف عربیة رسمیة.

ولکن التوافق الشامل على إسقاط غزة ظن أن الأمر سیتحقق بإحکام الحصار خاصة أن النظام الرسمی العربی، وهنا تبدو مصر فی طلیعة قیادة هذا الحصار مع حملة إعلامیة نالت من شعب غزة وأبناء فلسطین ولیس حماس فقط.

ورغم کل الفرص لتحقیق تهدئة مشروعة یُرفع فیها الحصار الذی یقتل الشعب تدریجیا فإنّ الجانب المصری وشرکاءه فی النظام الرسمی العربی کانوا یُعیقون ویُحبطون أی اتفاق نوعی یضمن جزءا من حقوق الحیاة لغزة, وکان ما یجری نُسخا من اتفاقات ترتب مع تل أبیب لتعلن استسلام حماس فی هذه القضیة, وخاصةً فی أساسیات مبادئها لصالح الکیان الصهیونی وهو ما تجلّى فی محاولة النظام المصری إسقاط ورقة شالیط الجندی الصهیونی، حتى بدا بعد کل هذه المحاولات وتصریحات عمر سلیمان التحریضیة لإسرائیل قبل العدوان بأیام قلیلة أن نظام الرئیس مبارک لا یقل حماسة لتصفیة غزة کقضیة من تل أبیب نفسها.

لکن الحصار بدأ یتصدع دولیا ویشکل بقاؤه حالة صداع وأرق واضطراب فی مفاصل الأنظمة الرسمیة العربیة لیس حرجا منه ولکن لکونه أصبح مادة متصاعدة فی ضمیر الشعوب العربیة، مع أنّ هذه الأنظمة أعلنت وقوفها مع عباس وفریقه الأمنی ضد غزة وأعطت مشروعیة للحصار ولکنه لم یستمر، رغم کل ما تجسد على الأرض وکشف عنه من حجم التنسیق الأمنی لفریق عباس وتحریضه على غزّة وصبّه جام غضبه على کل ید تُعین ولو إنسانیا.

لکن الفریق الأمنی -وهو فریق میدانی اهتمت به واشنطن وتل أبیب- فشل فی زحزحة حماس من غزّة أو زحزحة الشعب عنها ولذا أُکدّت الدعوة لتل أبیب ببدء المحرقة.

ولو تأملنا فی وجه یاسر عبد ربه وهو یتحدث عن المحرقة لوجدنا هناک حالة ارتیاح نفسیة یتحدث بها -رغم أنه یردد الدم ما یصیرش میه– بل إن تصریحات الطیب عبد الرحیم مستشار عباس بعد بدء العدوان -بأن الشرعیة (أوسلو) ستعود لغزة وعلى أهلها الصبر- تؤکد الشراکة الأمنیة مع المحرقة میدانیا وإستراتیجیاً.

ومن هنا نقف عند تصریح مهم لمسؤول إسرائیلی بعد الساعات الأولى للعدوان وهو قوله إننا أطلعنا دولا عربیة وغربیة على القرار قبل البدء (فی العدوان)، وجاء هذا التصریح فی وقت أخذت فیه صور المجازر تعصف وجدانیا بالرأی العام العربی والإنسانی، وکأنّما أرادت تل أبیب تذکیر شرکائها بواجباتهم فی تغطیة المحرقة ولو کان الصدع للضمیر الإنسانی مروعا.

وما عکف علیه الإعلام العربی الرسمی والخاص -المعروف بعلاقته المباشرة بالإستراتیجیة الأمنیة الإسرائیلیة من قنوات عربیة فی الخلیج الفارسی وغیرها- من تنظیم خروج الفریق الآخر للحدیث، کان معروفاً فی الضمیر العربی الجمعی, وهو أیضاً لیس مفاجأة للتاریخ الإنسانی حین تُستغل صور الشهداء والضحایا العظیمة على کرامة أهلها وأمتها ثم تقلب القضیة. (إنها صورایخ المقاومة ولیست عدوانیة إسرائیل)!! أو شراکة النظام الرسمی العربی الذی کان وسیطاً محرضا على الهدنة مع العدو إذا کانت تحترم خیار الشعب والأمة وتعترف ببرنامج المقاومة.

وهذا الإرباک للمشاهد مع صورة الضحایا مع التعلیق السیاسی هو فی الأصل جزء من الحرب النفسیة التی یخوضها العدو، ولکنه الآن بلسان وقنوات عربیة حتى یضمن استمرار المحرقة باحتواء أکبر لردود الأفعال وبتغطیة على مجرم الحرب وإدانة للضحیة.

هذا الضجیج على حماس والقضیة الإنسانیة التی تبتز صور الشهداء وقد ساهمت فی التحریض على إحراقهم إنما یخرق مبدأً إنسانیا شهده العالم مراراً فی تاریخه، وهی معادلة بسیطة فی ترکیبها عمیقة فی أصولها متجذّرة فی تاریخ الإنسانیة المقاومة مقابل الاحتلال ولم تکن المقاومة فی یوم من الأیام مماثلة أو قریبة فی قوتها من عدوها بل کانت أضعف منه وهی من یُقدّم الشُهداء، ولکنها تنطلق من توازن الرعب الذی یُجرد المحتل من القدرة على استقراره ویفرض علیه برنامجا مضطربا من خلال الآلة المقاومة الأضعف هکذا حتى یهتز الاحتلال ویندحر.

وهی کانت کذلک فی فیتنام وکانت فی الجزائر وکانت فی جنوب أفریقیا لإزالة النظام العنصری ووقع هذا الخلل فی التوازن لدى المقاومة الفرنسیة ضد النازیین والقائمة طویلة, لکنها هنا لیست تُقبل ولا یُعترف بها رغم أنّ التاریخ سجلها کحقیقة لأن قلب الحقیقة هنا هو أحد أسلحة العدو ومن المهم أن یکون بلسان عربی.

وللتذکیر فإن حالات الاجتیاح الصهیونی متکررة منذ سلطة عرفات ومن أعقبه ومجزرة جنین، فهل کانت حماس تحکم الضفة حینها؟ إنه برنامج الصهاینة وعدوانهم والمطلوب فقط هو أن تتنازل حماس عن قضیتها وهویتها لا غیر، وهی قضیة الأمة ولیست قضیتها فحسب.

ومنطق الأمم والتاریخ هو أن صاحب الحق لا یتنازل عن قضیته ولو عظُم البلاء واصطفى الله من یشاء لا لقلة شأن الشهداء والجرحى والتضحیات بل هی أعظم وأجل من أن تُقارن بما یألم العدو فقتلاه قتلى المعتدی وقتلا غزة قتلى المظلوم المنتصر والشهید المضحی، ولکنها عاقبة المقاومین ضد الغزاة والطغاة عرفتها الإنسانیة وأکرمت شهداء الحق فهم من صنعوا النصر، ولذا لا یرید الإعلام أن یثبت الجریمة على الجانی لیهزم الضحیة ولو کانت ملقاة فی الشارع.

بقی السؤال الأهم أین مسؤولیة الأمة فی مواجهة المجزرة وحرب الاجتیاح القادمة, ولقد استغربت من شخصیتین کلیهما یقود حرکة إسلامیة فی عاصمتین على الحدود وهو یناشد ویدعو الأمة.. فیما کان یستطیع عملا شعبیا بالإمکان أن تفعله حرکته إن کانت ترى القضیة مرکزیة.

ومن ذلک أن یدعو إلى مسیرة شعبیة إلى حیث الحدود تباشر الدخول السلمی عبر الضغط الشعبی ولو کلّف ذلک فهو لیس انقلابا ولا عصیانا مسلحا, وقس على ذلک موقف من یُصدّر الدعم الاقتصادی إلى من یدعم المشروع الصهیونی أو یصله منه هو ذاته، فهل فعلت حرکة ضاغطة من هنا وهناک لتطبیق أو إصدار تهدید جدی بفرض حصار على مجرمی المحرقة، هذه الرسائل هی التی یفهمها العدو إضافة للتضامن الإغاثی والإعلامی وغیره.

ولسنا نقلل من کلمة حق تعلن للتضامن وإنما نقصد القادرین على الفعل لذا ما لم تتحرک برامج الدعم المیدانیة خاصة عند مواقع الحصار فستُصبح الکلمات سلّة جدیدة من خُطب لا تُسمن ولا تغنی من جوع، ولو کان الأمر فقط بالقول والخُطب لتحررت فلسطین منذ زمن ولکن الأصل فی العمل، فإن غلبت مصالح هذه الجماعات والهیئات والشخصیات واکتفت بالضجیج وانتهى الأمر.. فهی ستدخل إذن فی الشراکة مع أولی الأمر.

ن/25

 


| رمز الموضوع: 141299







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)