الثلثاء 15 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

فراغ الحوار الفلسطینی

عبد الستار قاسم

الحوار الفلسطینی الفلسطینی مستمر منذ عام 1996، ولم یوصل الشعب الفلسطینی حتى الآن إلى حالة استقرار داخلی على الرغم من أنه أنتج اتفاقین: اتفاق القاهرة عام 2005، واتفاق مکة عام 2007. یدور الحوار فی فراغ، وکأنه حوار طرشان، ویکتفی المتحاورون بإسماع شعبهم والأمة العربیة عبارات جمیلة تدعو إلى تفاؤل لا یلبث أن یتحول إلى إحباط. تستمر وسائل الإعلام ببث التقاریر، ویستمر استنزاف الشعب الفلسطینی على کافة المستویات.

من الناحیة العلمیة والمنطقیة، یدعو الفشل صاحبه إلى إعادة التفکیر فیما یقوم به من نشاطات سواء على المستوى الفکری أو المنهجی. قد یکون سبب الفشل فکری أو عائد إلى المنطلقات الأساسیة للنشاط، وقد یکون ناجما عن أسلوب العمل ووسائله. غیر العاقل هو الذی یرى الفشل أمام عینیه ویصر على الاستمرار بدون مراجعة للمضمون والشکل، ومن یصر على الاستمرار فی الطریق الموصلة إلى الفشل إنما یصر على الفشل. والخشیة على الساحة الفلسطینیة أن تستمر الفصائل فی الحوار لیس بهدف الوصول إلى نتیجة إیجابیة، وإنما لئلا یقال عنها إنها لا ترید الحوار.

من المهم الانتباه إلى نقطتین هامتین فی هذا الشأن إذا أرادت الفصائل التوصل إلى نتیجة وهما تتعلقان بأسباب محنة الشعب الفلسطینی الآن: الاتفاقیات مع إسرائیل، والمشاحنات الفصائلیة التی انتهت إلى اقتتال دموی. الشعب الفلسطینی یعانی بصورة متصاعدة داخلیا وخارجیا منذ تم توقیع الاتفاقیات مع إسرائیل، وهو یعانی أیضا من الخلافات الفصائلیة. تدهورت الأوضاع المعیشیة والاجتماعیة والاقتصادیة والأخلاقیة فی الضفة الغربیة وغزة، وتصاعدت إجراءات الاحتلال الهادفة إلى تهوید الأرض وتصفیة القضیة الفلسطینیة. أما الصراعات الفصائلیة فرفعت من منسوب الأحقاد الداخلیة والبغضاء والکراهیة ومزقت الشعب وأضعفته أمام نفسه وأمام الآخرین.

السؤال الآن هو: هل یمکن إقامة حوار فلسطینی یعزل الحیاة المدنیة والیومیة للشعب الفلسطینی عن مآسی الخلافات الفصائلیة وعن الاتفاقیات مع إسرائیل؟ إذا کان حل الخلافات الفصائلیة غیر ممکن الآن، فعلى الأقل، هل بالمقدور تجنیب الشعب کل هذه المصائب التی ما زالت تحل به وتلاحقه فی حیاته الیومیة؟

أرى أن ذلک ممکن فقط من خلال البحث عن معادلة تعود بالشعب إلى الوراء فیعود انسجامه الداخلی إلى مستویاته السابقة، وتعود مقارعته للاحتلال على أسس من الوحدة الوطنیة الشعبیة. هذا یمکن أن یتأتى من خلال مداولات بین مثقفین وأکادیمیین ومفکرین فلسطینیین بتفویض من الفصائل الفلسطینیة. الفصائل لیست مؤهلة للبحث فی هذه المعادلة لأنها لا تستطیع عزل نفسها عنها، أما من هم من خارج الفصائل یملکون هذه القدرة بصورة موضوعیة لأنهم لیسوا فصائلیین. لکن المشکلة تبقى فی الإرادة الفصائلیة التی ما زالت تفرض نفسها على الشعب وتجبره على دفع أثمان الصراع والاقتتال.

ربما یکمن الحل فی إزاحة الفصائل عن إدارة شؤون الشعب الفلسطینی الیومیة والمدنیة، وتجنیب الأطفال والنساء والمدارس والمستشفیات والجامعات آثار ما یترتب على خلافات سیاسیة. من الممکن أن یتم هذا من خلال إنشاء مجلس إداری فلسطینی یشرف على الحیاة الیومیة والمدنیة للشعب فی الضفة وغزة، ودون أن تکون له صلاحیات سیاسیة أو أمنیة ذات علاقة بإسرائیل. یقوم هذا المجلس بإعادة ترتیب مختلف الأوضاع الإداریة فی الضفة وغزة ویوحد الناس فی هذین القطاعین، ویکتفی بالإشراف على جهاز الشرطة الذی من المفروض أن یحافظ على الأمن المدنی الفلسطینی. أما الأجهزة الأمنیة الأخرى فیتم استیعاب أفرادها فی مؤسسات أخرى، ویتم تجمید کافة نشاطاتها.

بالنسبة للأمور السیاسیة، لا ضیر فی أن تنتظر حتى یتم إعادة تشکیل منظمة التحریر الفلسطینیة على أساس میثاق فلسطینی جدید وبطریقة یشارک فیها الجمیع. المنظمة، بعد إعادة تشکیلها، تتولى الإشراف على شؤون الشعب الفلسطینی فی کافة أماکن تواجده بما فی ذلک الضفة وغزة، ویبقى المجلس الإداری أحد أدواتها التنفیذیة. المنظمة فی حینه تستطیع أن تقرر کیف ستعمل من الناحیة السیاسیة، ومن ناحیة التعامل مع الاحتلال. ربما تقرر أن المقاومة هی الطریق الصحیح لتحقیق آمال الشعب الفلسطینی، وربما ترى أن المزج بین المقاومة والعمل السیاسی هو الطرق الأسلم، لکن المهم فی کل الموضوع أن المنظمة الجدیدة ستکون معبرة عن الإرادة الفلسطینیة العامة وتعمل وفقها.

هذا حل یحول الصراعات الفلسطینیة إلى صراعات بین الفصائل فقط، وغالبا یضعها فی موقف حرج بحیث تکتفی بإبقاء هذا الصراع صراعا لفظیا خارجا عن منطق استعمال السلاح. لکنه حل قد یغضب إسرائیل لأنها دائما تصر على التنسیق الأمنی وتربط أموال الدعم بقدرة السلطة الفلسطینیة على ملاحقة من یسمون بالإرهابیین. وبالتأکید ستعترض الولایات المتحدة وستطلب من الدول المانحة عدم صرف رواتب الموظفین. لا شک بأن الصعوبات واردة، لکن من المفروض أن نسأل: أیهما أقسى الإبقاء على حالة التدهور الفلسطینی الداخلی أم الصبر على قسوة القوى الخارجیة؟ أیهما له الأولویة: إرضاء الآخرین، أم التوافق الداخلی الفلسطینی؟

تارخیا، قوة الشعب بصلابته الداخلیة، وعندما یتوحد تتطور قدرته على مواجهة مختلف التحدیات والصعاب. وفی کل الأحول، لا یمکن التوصل إلى توافق فلسطینی بناء على تلبیة متطلبات خارجیة.


| رمز الموضوع: 141252







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)