إسرائیل تخذل حلفاءها العرب
/بقلم. عبد الستار قاسم
لم تستطع إسرائیل أن تقضی على المقاومة اللبنانیة فی حرب تموز، فجربت حظها فی حرب الکوانین ضد المقاومة الفلسطینیة فی غزة، لکنها فشلت فی تدمیر المقاومة أیضا. کان الهدف واضحا، وکانت الآمال معقودة على الجیش الإسرائیلی للتخلص من المقاومة المحیطة بإسرائیل والتی تشکل عقیبة کأداء أمام جهود تصفیة القضیة الفلسطینیة، لکن مجرى القتال لم یجر وفق ما اشتهت إسرائیل ومن انتظروا منها النصر المبین من العرب وغیر العرب. جیش إسرائیل فشل فی تحقیق أهداف دولته التی قزمت أهدافها فی نهایة الحرب إلى اتفاق مع دول أخرى من أجل منع تهریب السلاح إلى غزة.
قدمت أنظمة عربیة عدة دعمها المعنوی والاستخباری لإسرائیل أثناء الحرب على المقاومة اللبنانیة، وقدمت دعما أکثر وضوحا وتشعبا أثناء الحرب على غزة، لکن الحصاد لم یکن سوى الخیبة. هذه الأنظمة وأعوانها لم یجدوا فی الفشلین فرصة لإعادة التفکیر فی تحالفهم مع إسرائیل، وإنما طفقوا یبحثون یائسین عن مبررات لإقناع الناس بأن مقاومة لبنان وفلسطین قد هزمتا، وأن إسرائیل هی التی انتصرت. بدلا من مواجهة الحقیقة ما زالوا یصرون على الإمعان فی استنزاف معنویات الناس والتأکید على أن طریق المفاوضات هو طریق لقمة الخبز حتى لو غابت الحریة وضاعت الحقوق. کانت هناک فرصة وما زالت للم الشمل العربی على قاعدة الإصرار على الحقوق، لکن لا تلوح فی الأفق آمال أو إشارات.
تشیر الحقیقة الموضوعیة إلى أن قدرة إسرائیل القتالیة آخذة بالانحسار، بینما قدرة المقاومة آخذة بالصعود. کانت إسرائیل تقوم بعملیات عسکریة جویة وبریة متزامنة، وکانت حروبها نزهة. الآن تخشى إسرائیل الزج بقواتها البریة معتمدة فی البدایة على القوات الجویة لتمهید الطریق للزحف البری. ومع ذلک فشل زحفها البری فی لبنان، وحزب الله ما زال موجودا فی القرى والمناطق اللبنانیة الحدودیة، وفشل فی غزة من حیث أن المقاومة موجودة على الأرض ویستمر تهدیدها للتجمعات السکانیة الیهودیة. إسرائیل لم تعد قادرة على القیام بما کانت تقوم به فی السابق، وکذلک الولایات المتحدة، وواضح أن زمن "الهریبة" العربیة من أرض المعرکة قد انتهى، ویبدو أن زمن الجندی العربی الذی یضع یدیه فوق رأسه مستسلما للیهودی قد ولى. الآن هی مرحلة صمود، وقریبا ستکون مرحلة هجوم، وستتحول حروب المقاومة من حروب ساکنة إلى حروب متحرکة.
إذا کانت إسرائیل تفشل بزحفها البری الآن، فماذا هی فاعلة إذا امتلکت المقاومة العربیة مضادات فعالة للطیران؟ ماذا إذا استطاعت المقاومة إسقاط الطائرات الإسرائیلیة؟ وقناعتی أنها ستستطیع. هل سیبقى جیش إسرائیل فی مکانه، أم أنه سیتقهقر إلى الخلف؟ جیش إسرائیل سیندحر فی المرات القادمة بخاصة على الجبهة اللبنانیة، وهذا یعنی أن بعض مستوطنات إسرائیل فی الشمال مرشحة للسقوط أسیرة.
میزان القوى فی المنطقة العربیة الإسلامیة قد تغیر، وکل یوم یطرأ علیه تغیر جدید. صحیح ان قوة إسرائیل تزداد، لکن التسارع فی تصاعد قوة المقاومة یفوق الزیادة فی القوة الإسرائیلیة.
إسرائیل تمتلک کل یوم المزید من القوة التدمیریة، لکن الطرف الآخر یکتسب کل یوم قدرة على امتصاص الضربات وإفشالها. میزان القوى فی المنطقة العربیة الإسلامیة قد تغیر، وهو لا مفر سیفرض علاقات جدیدة على مختلف المستویات. کل میزان قوى یفرض نوع العلاقات المتناسبة معه، والمنطقة تشهد الآن تحولات، وستشهد المزید مستقبلا.
إسرائیل لم تعد الدولة التی یُعتمد علیها فی التأدیب والتهدید والاحتلال، ولم یعد قادتها أولئک القادة، ولا جیشها ذلک الجیش، ولا شعبها ذلک الذی هاجر وصبر وتحمل وأقام الدولة. إسرائیل تناقش الآن کیفیة تغییر استراتیجیاتها العسکریة، وتغییر التکتیکات العسکریة التی اتبعتها حتى الآن علّ وعسى أن تفلح فی حروب قادمة. کما أن عددا من الکتاب الإسرائیلیین قد أخذوا یتساءلون عن قدرة إسرائیل على الصمود والاستمرار. طبعا لا أرید بهذا الکلام ان أقول بأن إسرائیل قد انتهت، وإنما أقول بأن نجمها قد بدأ یخفت وأن العد التنازلی لوجودها قد بدأ.
کان بإمکان إسرائیل أن تجتاح دولا عربیة فی زمن قیاسی وتبعا لسرعة الدبابات الإسرائیلیة القصوى، لکنها الآن لم تستطع السیطرة على قطاع غزة الذی تبلغ مساحته 362 کم2 فقط، واکتفت بحصاره بالتعاون مع الأنظمة العربیة. فی أی حرب قادمة ستستشرس إسرائیل بالمزید، وستقتل من المدنیین الآلاف، وستدمر القرى والمدن، وربما ستستعمل القنابل النوویة التکتیکیة، لکنها لن تنتصر.
الرهان على إسرائیل خاسر، کما أن الرهان على أمریکا لن یکون رابحا، ومن یراهن علیهما من العرب سیجد نفسه مع الخاسرین. إنه من المهم أن نرى الحقیقة ونعود إلى أنفسنا، لنکون معا فی مواجهة الأعداء واستعادة الحقوق. انحیاز أنظمة عربیة لإسرائیل یزید الأوضاع الداخلیة العربیة سوءا، ولا یشکل ضمانة للأنظمة العربیة بأن المقاومة العربیة ستختفی وسیزول تأثیرها. الإنسان السوی هو الذی یراهن على قدراته الذاتیة، وعلى سواعده وإرادته الحرة الصلبة، أما الذی یراهن على العدو فلن یحصد سوى الذل والعار.
قد یختلف أحد مع حزب الله ومع حماس والجهاد وکتائب الشهید أبوعلی مصطفى وکتائب شهدا الأقصى وکتائب جبریل والمقاومة الشعبیة وألویة الناصر، لکنه اختلاف یبقى داخل البیت، أما التحالف مع العدو فهو اختلاف على البیت لن یؤدی فی النهایة إلا إلى اقتتال داخلی یکون العدو هو الرابح الوحید فیه. ولا یظنن أحد أنه إذا قرر التخلی عن حقوقه أو التنازل عن بیته، أن الشعب سیجری خلفه بائعا ومتنازلا؛ ولا یظنن أن مال الدول المانحة کفیل بإتلاف ذاکرة لم تتلفها السنین الطوال.
م/24
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS