لماذا تهاجمون الشیعة
لماذا تهاجمون الشیعة؟
من المؤسف أن ینزلق الشیخ یوسف القرضاوی إلى هذه الهجمة التی تشن على المذهب الشیعی وان یکون جزءا من هذه الحملة غیر المسبوقة التی تشن على أتباع هذا المذهب الذی هو فی النهایة مذهب إسلامی له من الامتداد الزمنی مثل ما للمذهب السنی ویقر بان لا إله إلا الله وان محمد بن عبد الله هو رسول الله إلى العالم.
عندما نقول نأسف لهذا الوضع ذلک أن الشیخ القرضاوی هو أحد أبرز وجوه علماء السنة، کما أن المنصب الذی یتقلده کرئیس للاتحاد العالمی لعلماء المسلمین یفرض علیه أن یتسامى وان یترفع عن الدخول فی هذه المناکفات خاصة فی ظل هجمة یتم تأجیجها من قبل أعداء هذه الأمة بسنتها وشیعتها وکل مکوناتها بما فی ذلک المکونات التی لا تدین بالدین الإسلامی، هجمة نعتقد بأنها تستهدف نهوض الأمة وتقدمها ووحدتها وترمی إلى إبقائها فی القاع مفککة مفسخة وتعیش حالة من التنافر وعدم الانسجام، کما لا نعتقد بأنه قد غاب عن الشیخ القرضاوی بأن هذه الموجة أو "الموضة" من الهجوم على المذهب الشیعی وأهل هذا المذهب وهذه "الهجمة" من التجاذب الإعلامی والمناکفات الإعلامیة التی أصبحت بدون توقف قد برزت بشکل لافت بعد الحرب التی قامت بها الولایات المتحدة الأمریکیة على العراق ومن ثم احتلال هذا البلد، وقد تصاعدت خلال السنوات الأخیرة بشکل ملحوظ خاصة مع بروز القوة الإیرانیة کقوة إقلیمیة یحسب حسابها وترغب أو ربما تعمل من اجل أن تشکل حالة من توازن " الرعب أو الردع" مع قوة الکیان العبری.
لا نعتقد بأن الخوف على المذهب السنی الذی أبداه الشیخ القرضاوی مبرر أو فیه الکثیر من الإقناع وخاصة عندما یقول عن الشیعة "خطرهم یکمن فی محاولتهم غزو المجتمع السنی، وهم یهیئون لذلک بما لدیهم من ثروات بالملیارات"، هذا الحدیث بهذه الطریقة یصبح ممجوجا من شیخ کالقرضاوی خاصة وان لا أحد یمنع أهل السنة بان یقوموا بنشر مذهبهم وهم لدیهم من الملیارات أکثر بکثیر مما لدى أهل الشیعة وهم أکثر عددا بکثیر من أتباع المذهب الشیعی، هذا عدا عن أن أحدا لا یضع سیوفا على رؤوس العباد من اجل اتباع هذا المذهب أو ذاک، بمعنى أن من حق الشیعة کما من حق السنة أن یحاولوا نشر مذهبهم أینما شاءوا ولا نعتقد بان هنالک مشکلة فی ذلک إلا إذا اعتبر الشیخ القرضاوی إن هؤلاء یدعون إلى دین آخر غیر الدین الإسلامی.
کذلک فان اعتبار نشر المذهب الشیعی عملیة "تبشیر" کما وصفها الشیخ القرضاوی فیه محاولة لتشبیه ذلک أو ربطه بما فی أذهان " العالم" عن حملات التبشیر التی تقوم بها الفرق المسیحیة فی "مجاهل إفریقیا" وغیرها وهذا باعتقادنا محاولة للتنفیر من المذهب الشیعی بشکل أو بآخر عدا عن انه محاولة للإیحاء المبطن - لا وجود فیه هنا لحسن النیة- بان المذهب الشیعی دین مختلف تماما عن الإسلام، خاصة وان هذا التعبیر – تبشیر- بالذات مرتبط فی الأذهان بشکل غیر جید أو مستساغ، ونعتقد بان محاولة الإیحاء هذه غیر مقبولة ولا تنم عما اتصف به الشیخ القرضاوی من حنکة وبعد نظر.
أما فیما قاله الشیخ القرضاوی حول "أن المجتمع السنی لیست لدیه حصانة ثقافیة ضد الغزو الشیعی" فنعتقد بان ما سماه بالغزو فیه من التلمیح ما هو غیر مقبول وهو کأنما یقول بأن هنالک غزوا ثقافیا مختلفا ولا علاقة له بالإسلام وان أفکاره تتعارض والإسلام، هذا عدا عن هذه لیست مشکلة الشیعة بقدر ما هی مشکلة السنة وعلماء أهل السنة من أمثال القرضاوی نفسه، حیث إن هؤلاء العلماء لم یحاولوا إذا تحصین أتباع المذهب السنی وهو برأینا اعتراف صریح بتقصیر هؤلاء العلماء وهو إدانة لهم أکثر منه لوم لأتباع المذهب الشیعی، أما وقد صار الحدیث عن غزو شیعی وتخویف من هذا المذهب بعد أن تم احتلال العراق تحدیدا فإننا "نستکثر" أن ینجر الشیخ القرضاوی إلى ذلک وکنا نتمنى ألا یفعل مثلما سارع کثیرین من علماء السنة لفعله.
نستغرب أن یرفض الشیخ القرضاوی أن یقال عنه بأنه طائفی ویقوم بالرد بشکل عنیف على من نعتوه بذلک، لکن ماذا کان یتوقع أن یتم وصفه به، هل کان یعتقد بان یقال له من أتباع المذهب الشیعی "بارک الله بک یا شیخ قرضاوی على ما قلت وصرحت به"، الحقیقة إننا نعتقد بان هذا الذی صرح به الشیخ القرضاوی فیه من الطائفیة الکثیر بل هو موغل فی الطائفیة وفیه الکثیر من التجنی على أتباع المذهب الشیعی الذین هم فی النهایة وکما اشرنا سابقا جزء لا یتجزأ من امة الإسلام، وهم أتباع رسول الله وسنته إلا إذا أخرجهم الشیخ القرضاوی من دین الإسلام کما فعل غیره من علماء السنة الذین کفروهم وأخرجوهم من الملة ووضعوا أنفسهم قیمین على الإسلام والمسلمین مخالفین بذلک ما یقوله رب العالمین من أن من یشهد بان لا اله إلا الله وان محمدا رسول الله هو مسلم.
أن یقول الشیخ القرضاوی فی تصریحاته بأنه "یؤمن بوحدة الأمة الإسلامیة بکل فرقها وطوائفها ومذاهبها" یتناقض مع ما یقوله ویخوف به من مد شیعی وخوف على المذهب السنی، ولا نعتقد بان هذا یبتعد کثیرا عما قیل خلال العامین الماضیین من قبل کثیر من المحللین والسیاسیین وکذلک القادة فی المنطقة الذین حذروا من مد شیعی وهلال شیعی وغیر ذلک من التوصیفات خاصة بعد أن فشلت إسرائیل فی القضاء على المقاومة اللبنانیة فی حرب تموز 2006 وعلى رأسها حزب الله "الشیعی".
أن یتحدث الشیخ عن خطوط حمراء أو صفراء لا یجوز تجاوزها ومنها کما قال "سب الصحابة ونشر المذهب الشیعی فی البلاد السنیة الخالصة" فیه محاولة للتحریض واضحة على أتباع المذهب الشیعی، فقصة سب الصحابة قد تمارس من قبل أناس مهووسین فی المذهب الشیعی ومن قبل بعض الجهلة والمتخلفین. من الواضح هنا بأن الشیخ لا یعرف المجتمعات المختلطة بین الشیعة والسنة حیث یتم النسب والتزاوج ولا فرق بین شیعی وسنی وکل هذا الذی یقول، وعلیه أن یذهب إلى العراق لیرى بنفسه بان العائلة الواحدة منقسمة إلى شیعة وسنة وان العشیرة الواحدة تجد نصفها من هذا المذهب ونصفها الثانی من المذهب الآخر.
إننا فی الحقیقة نعتقد بان هناک محاولة من قبل الشیخ القرضاوی للقفز على حقیقة لا بد هو یعلمها، القضیة یا سیدی لیست الثروات الهائلة التی تتحدث عنها وتقول بأنها متوفرة أو موجودة لدى أتباع المذهب الشیعی- والإیمان على أی حال لا یشترى بالمال- الموضوع یا سیدی هو أن هنالک تیارا مقاوما فی لبنان حقق انجازا تاریخیا کان کما الحلم بالنسبة لأمة العرب والإسلام ولشبابها بالتحدید، هذا الانجاز هو أن هذا التیار استطاع برغم قلة إمکانیاته أن یقف فی وجه احد أکثر الدول قوة فی العالم ولیس فی المنطقة وحسب، ومن هنا أخذ جماهیریة لم تتحقق لأی قوة من قبل – ربما کانت بدایات الثورة الفلسطینیة بعد هزیمة حزیران یونیو عام 1967 مشابهة لکن اقل زخما-، وفی هذا السیاق فإننی أطالب الشیخ الجلیل بان یحاول العودة إلى بعض الاستفتاءات التی أجریت حول حزب الله وسید المقاومة اللبنانیة وشیخها، کما أطالبه بان ینزل إلى الشارع فی اللحظة التی یتحدث فیها السید حسن نصر الله على شاشات التلفزة وان یقارن ذلک عندما یکون الشیخ نفسه هو المتحدث أو أن یکون المتحدث الشیخ أیمن الظواهری أو حتى أحد الزعماء للبلدان السنیة الخالصة کما وصفها، وبإمکانه أن یعلم أی شعبیة یتمتع بها سید المقاومة، ونحن عندما نطلب منه أن ینزل إلى الشارع فإننا لا نطالبه بان ینزل فی شوارع المنطقة الجنوبیة من بیروت أو فی مدن شیعیة بل أن ینزل فی شوارع المدن التی یعتبرها هو سنیة خالصة.
خلاصة القول أن الشیخ القرضاوی یحاول تخویفنا نحن أهل السنة من خطر لا نعتقد بأنه موجود، ونعتقد بأنه خطر وهمی، وان قضیة الشیعة والسنة لا تتم إثارتها بهذا الشکل، وإنها لا تثار إلا عند الحدیث عن المقاومة أو عند الترویج للمقولة التی أصبحت ممجوجة والتی مفادها أن إیران خطر على المنطقة وأنها تحاول الهیمنة على الدول الخلیجیة التی ترتع فیها القوات الأمیرکیة وغیر الأمیرکیة، وان هذا الخطر الإیرانی أصبح أکثر خطورة مما تشکله إسرائیل، هذا الکلام لم یعد مقنعا للشباب العربی والمسلم بشکل عام، وأن یرى الشیخ أن أصل المذهب الشیعی "غیر صحیح" کما قال فهذا موضوع بالنسبة لنا طبیعی لأنه لو لم یکن یره بهذه الطریقة لربما أصبح شیعیا، لکن من قال للشیخ بأننا سوف نقتنع بقوله هذا؟ وأننا نعتبر أن أصل هذا المذهب غیر صحیح؟ ولماذا یفترض بأننا سنأخذ ما یقول على انه مسلمات لا نقاش فیها؟.
إننا نقول للشیخ انه بهذا الذی یقول إنما لا یبتعد کثیرا عن مروجی السیاسة الأمیرکیة وان أمیرکا قَدَر العالم وسیدة الکون، أما أن یحاول استثارة من "أحبوا أو وقفوا" مع صدام حسین من خلال الحدیث عن الطریقة التی اعدم بها صدام، فهذه أیضا لن تنطلی على أحد، ولا بد هنا من القول للشیخ بأننا نعرف الکثیر من إخواننا الشیعة الذین عارضوا إعدام صدام بتلک الطریقة، هذا عدا عن إننا نستغرب تحمیل المذهب الشیعی وزر ما قامت به مجموعة شیعیة بعینها، وهل هذا یعنی انه إذا ما قامت مجموعة سنیة ما بعمل "مشین" یتحمل أهل السنة نتائج هذا العمل ویصبح المذهب السنی بعامة سیئا أو مسئولا عن هذه المجموعة "الضالة" إذا جاز القول؟، یا شیخ قرضاوی نعتقد بان الأمة بحاجة إلى تصریحات تلم وتجمع لا تفرق وتمنع لان حال الأمة "مایل" وبحاجة إلى من هم بمثل موقعک لکی یوقفوا هذا الانحدار نحو الهاویة. أخیرا لا بد من تذکیر الشیخ القرضاوی بأن صحیفة الریاض قدمت اعتذارا یوم الخمیس الماضی على صدر صفحتها الأولى لأنها نشرت تصریحاته والتی اعتبرتها مسیئة للمسلمین الشیعة وهذا یعنی أننا لسنا الوحیدین الذین نعتبر مثل هذه التصریحات مسیئة فهلا اقتنعت یا شیخنا بأنک أسأت من خلال تلک التصریحات وأننا لسنا بحاجة إلى صب مزید من الزیت على نار الفرقة.
( بقلم الکاتب والباحث الفلسطینی رشید شاهین )
ن/25