سوءُ تفاهُمٍ حَضَاریٍّ

سوءُ تفاهُمٍ حَضَاریٍّ..!

اتّخذت أغلبُ الزعاماتِ العربیّةِ مفاهیمَ "الانفتاح على الآخر" و"الحوار معه" و"تجسیر العلاقات مع الغرب" شعاراتٍ لهذه المرحلة من عُمُرِ السیاسة العالمیّةِ یتغیُّونَ منها کسبَ ودِّ الدُّولِ الکبرى والمراهنةِ على صداقتِها لضمان أمنهم الشخصیّ بما هو جلوسٌ آمنٌ على رِقابِ شُعوبِهم وممارسةِ "الحقِّ" السیاسیّ علیهم فى إلزامهم، رغم أُنوفِهم، بتصوُّراتٍ عن الدّیمقراطیّة لا تمتُّ بصلةٍ لهم تتساوق وأشراطَ الظروفِ التى تَسِمُ هذه المرحلةَ الدَّقیقةَ من حیاةِ الإنسانیّة.

وقد استنّوا لذلک أدواتٍ لوجستیّةً مثل الحرسِ الجمهوریّ، والدَّرکِ الوطنیّ "هذا یُخْفى یقینَهم فى وجود دَرَکٍ غیر وطنیٍّ قد ینقلِبُ علیهم فى أیّ لحظة کما حصل فى موریتانیا، وجمهور القوّادین المدنیّین، وبعض المرتزقة من شرکات المخابرات الغربیّة" وأدواتٍ أفهومیّةً مثل الدّیمقراطیّةِ وحریّةِ التعبیر "وفقَ معاییرَ یُمْلیها الأعلونَ فیکتُبُها السَّفَلَةُ السُّفْلیّون" والخَوْصَصةِ لتحقیق التنمیة المستدامةِ وتمکین الشرکات الأجنبیّة من إعادة إعمارِ الخرابِ الاقتصادیّ والاجتماعیّ وتصنیعِ نُخْبةٍ ثقافیّة لا تُجیدُ سوى المدحِ، فإنْ قدحتْ فى أمرٍ، فاعلَمْ بأنّها مأجورةٌ لتنفیذِ ذلک.

خلال لقاء فکریٍّ نُخبویٍّ ضمَّ مجموعةً من المُفکِّرین والساسةِ الخبراءِ بشؤوننا العربیّة، تمحورَ حول البحث عن طرائقَ إجرائیّة لسدِّ الهُوّةِ بین العربِ والغربِ أحدَثَها ما یُسمّى صراعُ الحضاراتِ وصراعُ الهُویّاتِ وصراعُ الاقتصاداتِ وصراعُ الثقافاتِ، رأینا السید أحمد ماهر وزیر الخارجیّة المصریِّ الأسبَقِ "أو المخلوعِ بعبارة غسّان سلامة التى قالَها فى إطار فذلکةٍ للتفکُّه السیاسیّ" یتحدّثُ عن رأیِه فى صراعِ الحضاراتِ انطلاقًا من تجرُبتِه السیاسیّة "التى حقّق خلالَها مجموعةً من التفاهماتِ مع أمریکا کان بیعُ الإسمنتِ لإسرائیل لبناء الجدار العازل وبدایةُ الاتفاق على تزویدها بالغاز لمنع الإضاءة عن قطاع غزّة نتیجتَیْن مباشِرَتَیْن لها والله أعلمُ بالخفایا"، فأکّد أنّ الصراعَ الحالیّ بین العربِ والغربِ لیسَ إلاّ نتیجةً لمجموعة من تراکماتِ سوءِ الفهمِ بن الحضارتَیْن، ودعا إلى ضرورة الانفتاح على الغرب والتحاور معه لإعادة ثقتِه فینا ومن ثمّة تجاوز سوءِ الفهمِ هذا وینتهى صراعُ الحضاراتِ...

إذا کان السید أحمد ماهر یُسمّى صراعَ الحضاراتِ فى مستواه الفکریّ "سوءَ تفاهم بسیطٍ"، فماذا بالله علیکم، سیُسمّى تدمیرَ العراق واغتصابَ فلسطین وإشعالَ نارِ الفتنة بلبنان وقتلَ الإنسان العربیّ وزرعَ الطائفیّةِ بین فئات الشعبِ وتجویعه سیاسیًّا وثقافیًّا واقتصادیًّا فیما صرنا نسمّیه ثورةَ الرَّغیفِ، أو رغیفَ الثورةِ ؟

( بقلم عبد الدائم السلامی )

ن/25