الحوار الفلسطینی بین المصالح الضیقة والمصلحة الوطنیة
یمکن القول أن الدعوة التی أطلقها الرئیس الفلسطینی محمود عباس قد فاجأت البعض أو الکثیرین فی الساحة الفلسطینیة من حیث التوقیت والتغیر فی اللهجة على الأقل، هذه الدعوة التی قیل أنها أقلقت الدوائر الإسرائیلیة کما الأمیرکیة بحیث تم تسریب أخبار مفادها أن رایس اتصلت بالسید أبو مازن لتتحرى أبعاد دعوته للحوار وقیل بأنه رد علیها بأنه لم یغیر من شروطه التی کان قد أعلن عنها فی أکثر من مناسبة فیما یتعلق بالمصالحة والتی على رأسها تراجع حرکة حماس عن "انقلابها العسکری" أو "حسمها العسکری" کما یطلق البعض علیه. کما تردد بأن أحد أهم أهداف زیارة الوزیرة الأمیرکیة لمنطقة کانت لوضع العصی فی دوالیب الحوار الفلسطینی والتلویح بجزرة المساعدات وعصا الحصار فیما لو ذهب أبو مازن بعیدا فی حواره مع حرکة حماس وبالتالی رأب الصدع الفلسطینی. طبعا عدا عن الأهداف الأخرى سواء المعلنة منها أو غیر المعلنة.
بغض النظر عن دقة تلک الأخبار أو التقاریر أو عدم دقتها إلا أن الحقیقة التی لا بد للسید أبو مازن ومن خلفه حرکة فتح إدراکها - ونحن نعتقد بأنهم مدرکون لها- بأنه کان لتلک الدعوة تفاعلات فی الشارع الفلسطینی اقلها أنها بعثت الأمل فی نفوس الکثیر من أبناء الشعب الفلسطینی من أن " الغمة" إذا جاز أن نسمیها هکذا- برغم أننا نعتقد بأنها کانت کارثة أو إعصار ضرب القضیة الفلسطینیة فی الصمیم– سوف تنتهی أو على الأقل قربت نهایتها برغم أننا نعتقد بان وضع حد لنهایتها لیس بالأمر الهین – ولا نرید هنا أن نکرر الأسباب لذلک والتی کنا قد تحدثنا عنها فی مقال سابق والتی على رأسها أن إسرائیل وأمیرکا وکل أعداء الشعب والقضیة الفلسطینیة بما فی ذلک الأطراف الفلسطینیة التی تورطت بالدم الفلسطینی لن یقفوا مکتوفی الأیدی أمام محاولة اعادة الوحدة-.
أن یعلن السید أبو مازن عن رغبة فی الحوار وأن تعلن حرکة حماس عن رغبة أو قبول لتلک الدعوة لیس بالأمر الشاذ ولا المستهجن ولا غیر الطبیعی، لکن على حرکتی فتح وحماس الإجابة على الکثیر من الأسئلة التی لا بد أنها تتلاطم أو تتزاحم فی رؤوس العالم- وهنا نقصد الفلسطینیین- أسئلة لا بد من إجابات شافیة وکافیة ولا یکفی ولن یکفی الإجابات الدبلوماسیة أو "الغمغمة والمغمغة" التی لا تقنع المستمع، إجابات تقنع السائلین بدون مواربة وبدون لف أو دوران، خاصة وان الذی حدث لم یؤثر فقط على حرکتی فتح وحماس فقط، بل هو جر القضیة الفلسطینیة إلى مجاهل ومتاهات دفع ثمنها الکثیر من أبناء الشعب الفلسطینی کما واثر على القضیة الفلسطینیة بشکل عام، ولا اعتقد بان أحدا کان سیتساءل فی العمق لو أن الأمر اقتصر على الفصیلین فقط،- لیس لأن أمر الفصیلین لا یهمنا ولکن لأن ضرره سیکون محصورا بهما فقط، وبالتالی تکون الأمور أکثر أو أسهل وقابلة للعلاج والتعامل معها- ولم یؤثر على مجمل القضیة بشکل عام، حیث أن هذا هو شانهم، أما أن یتم أخذ القضیة رهینة خلافاتهما وتنافسهما فهذا غیر مقبول ولا یمکن ولا یجب أن یمر هکذا مرور الکرام أو بتبویس اللحى.
لیس هذا فقط لا بل یجب أن یتم توضیح موضوع الدعوة فی ظل بعض التصریحات التی صدرت عن بعض الشخصیات القریبة من أبو مازن والتی قالت بان شروط الحوار لم تتغیر وأنها باقیة کما هی، وهذا الأمر ینطبق على حرکة حماس حیث أشارت بعض التقاریر أن هنالک من لدیهم تحفظات فی الحرکة على موضوع التهدئة، وفی هذا الإطار لا بد من موقف واحد وحید موحد من قبل الطرفین، ولا نعتقد بأن هنالک مبررا لوجود أکثر من ناطق یتحدث عن الموضوع لان فی ذلک إرباک للناس غیر مبرر ولا مفهوم المقاصد.
کذلک فانه لا بد من أن تکون الفصائل الفلسطینیة لاعبا أساسیا فی قضیة الحوار الذی یجب إن یکون شاملا وان لا تقبل أن تکون شاهد زور أو أن تبقى فی الظل، خاصة – کما أشرنا أعلاه- ان الموضوع لا یعنی الفصیلین المتنازعین بل هو یؤثر على مجمل القضیة الفلسطینیة لا بل واثر علیها وأساء إلیها کما لم یسئ أی خلاف من قبل، ودفع الشعب الفلسطینی والقضیة ثمنا باهظا له، وعلى هذا الأساس فانه لا بد من أن یکون الحوار شاملا یعالج المسائل کافة ویشترک الکل الفلسطینی- الفصائل المنضویة فی أو خارج منظمة التحریر- فی وضع التصورات والآلیات لمنع تکراره والانطلاق بالقضیة الفلسطینیة کقضیة عامة تخص الشعب الفلسطینی ولیس قضیة هذا الفصیل أو القائد.
الوضع الفلسطینی لا یمکن أن یسر الصدیق - إن کان ثمة أصدقاء حقیقیین لا زالوا حریصین على الشعب الفلسطینی - فهو اقرب ما یکون إلى الهاویة خاصة فی ظل حالة الانقسام التی یراهن البعض على استمرارها، وبالتالی ترسیخ هذا الانقسام لیتحول إلى واقع مریر یتشکل فیه ومن خلاله ما یشبه الکیان فی قطاع غزة، لیتم بعد ذلک الانفراد بالضفة الغربیة التی نجحت إسرائیل فی تقطیعها کما خططت من خلال کل هذه الکتل الاستیطانیة والجدار الذی یتلوى فی أحشاء الضفة فیزید من حالة السوء عدا عن عملیة التهوید المستمرة لمدینة القدس التی من المفروض أن تکون مدینة عربیة إسلامیة تهم جمیع المسلمین فی العالم.
حیث أن الوضع الفلسطینی لا یمکن أن یکون بمعزل عن المنطقة أو الإقلیم وحیث ان الجمیع یرى ان الأخطار المحدقة بفلسطین هی أخطار جمة فإننا نعتقد أن على الجمیع ان یحاول کل الجهد الممکن من اجل الوصول بالوضع الحالی الى الوضع الأفضل أو إلى وضع أفضل على الأقل، کما أن على القیادات الفلسطینیة وعلى رأسها الرئیس محمود عباس أن لا یغفل بعض الجهات أو الدول التی یعلم الجمیع أن لها تأثیرها فی الساحة الفلسطینیة والتی على رأسها کل من سوریا بحکم وجود قیادات الفصائل الفلسطینیة هناک وإیران التی تتمتع بعلاقات حمیمة ومتینة یعلمها الجمیع مع حرکة حماس والجهاد الإسلامی بشکل خاص عدا عن علاقاتها بکل الفصائل الفلسطینیة بشکل عام، وحیث لا یمکن أن یفهم أی محاولة لاستبعاد تلک الدول إلا من خلال عدم الجدیة فی الدعوة للحوار، کما أن القضیة الفلسطینیة هی قضیة ذات أبعاد عربیة وإسلامیة وبالتالی فان من غیر المعقول التعامل مع الوضع القائم بعیدا عن ذلک.
أخیرا لا بد من أن یبتعد الطرفان المتنازعان عن حسابات الربح والخسارة الضیقة للفصیل، خاصة وأننا ندرک أن لکل حساباته، فالسید عباس وفتح یعلمان بأن الأوضاع فی ظل الحصار المفروض على القطاع أصبحت کارثیة وهذا ما یمکن أن یسبب إحراجا لحماس التی لم تستطع تحسین الأوضاع فی قطاع غزة فی ظل الحصار الظالم خلال عام من الانقسام، وهی قد تکون معنیة بالوصول الى إعادة اللحمة "بدون أن تبدو وکأنها فی حالة استعجال أو تهالک حتى لا یحسب هذا علیها" من اجل عدم مواجهة المزید من الإحراج أمام الجماهیر الفلسطینیة فی القطاع، والرئیس عباس کذلک یرید أن یقوی جبهة الداخل الفلسطینی من خلال الوصول الى المصالحة وبالتالی أن – یستقوی إذا جاز التغبیر- وأن یقطع الطریق على من یتذرعون بهذا الواقع الانقسامی، وحماس تدرک ذلک بالتأکید، کما أن حماس ترید مزیدا من الاعتراف بها على المستوى المحلی والإقلیمی والدولی وهی تعلم أن ما تقوم به مصر وغیرها خاصة فی - موضوع التهدئة والمعابر وإنهاء الحصار- إنما یصب فی هذا الاتجاه، وهذا ما قد یجعلها "غیر مستعجلة أیضا من هذه الزاویة تحدیدا" على إنهاء الوضع حتى تتحقق شروطها، هذه الحسابات التی نعتقد بأنها إذا ما ظلت قائمة فهی لن تقود إلا إلى مزید من التشظی والانقسام. ومن هنا فان الجمیع بما فی ذلک لا بل وفی المقدمة فتح وحماس أن یتوقفوا عن حساباتهم الضیقة التی لن تتقدم أماما بالمسالة الفلسطینیة بشکل عام.
( المقال للکاتب والصحفی الفلسطینی من بیت لحم رشید شاهین )
ن/25