qodsna.ir qodsna.ir

ماذا ربح المطبّعون.. غیر الإرهاب؟

الرئیس الموریتانى محمد ولد سیدى الشیخ عبد الله تبرأ من العلاقة التى عقدها سلفه ولد الطایع مع إسرائیل وجاء فى تصریحاته اعتراف ضمنى بأن تلک العلاقة جلبت الویلات على بلاده ولم تستفد منها شیئا یذکر.

والحقیقة أن موریتانیا التى تعتبر نموذجا لصفاء الانتماء العربى الإسلامى والتمسک بالهویة القومیة، ورطها حاکمها السابق فى تطبیع مجانى مع إسرائیل لم تربح منه غیر حملات إعلامیة عربیة ضد هذا التمشی، فضلا عن استثارة ظاهرة الإرهاب وإعطائها مبررات لتطل برأسها وتخرق هدوء البلد الآمن واستقراره وتجانسه...

موریتانیا الاعتدال والتسامح والأصالة أصبحت الآن مسرحا للعملیات الإرهابیة والمواجهات المسلحة، ولا شک أن المسؤولین الموریتانیین یلعنون الیوم الذى جاء فیه السفیر الإسرائیلى ویلعنون الضغوط الأمریکیة التى تجعلهم إلى الآن مترددین فى قطع العلاقات الدبلوماسیة "لیس هناک علاقات اقتصادیة ولم تستفد نواکشوط مالیا أو اقتصادیا أو سیاسیا، إنها حقا علاقة مجانیة".

وفیما تتبرأ موریتانیا من لعنة التطبیع، استقبلت قطر مساء الأحد وزیرة الخارجیة الإسرائیلیة تسیبى لیفنی، ومن المقرر أن تلتقى أهم المسؤولین القطریین بمن فى ذلک أمیر البلاد.

وتأتى الزیارة فى سیاق منتدى "الدیمقراطیة والتنمیة"، وهذا واحد من عشرات المنتدیات والملتقیات التى احتضنتها قطر وبعض الدول الخلیجیة الأخرى وفتحت عبرها تطبیعا مجانیا مع إسرائیل، والعالم کله یعلم أن الشعارات التى ترفعها کل تلک المنتدیات، هى شعارات کاذبة وأن أول من یدوس علیها هم الأمریکیون الذین یرعونها ویشترطون وجود الإسرائیلیین فیها.

ماذا فعلت أمریکا بأکاذیب الدیمقراطیة والتدریب على حقوق الإنسان، أو الزعم بالعمل على إنجاح مشاریع الإصلاح فى المنطقة العربیة؟

هذه الشعارات البراقة غزت بها العراق وصفق لها بعض السذج من المثقفین العرب المحسوبین زورا وبهتانا على اللیبرالیة العربیة ودعوا صراحة إلى تعمیمها على الدول العربیة!

فإذا الدیمقراطیة الأمریکیة فى العراق قتل وتدمیر وفوضى ومأساة إنسانیة، وفساد وسرقات واحتیال فى وضح النهار..

أمریکا فرضت، أیضا، على دول عربیة حضور مؤتمر أنابولیس والجلوس مع إسرائیل على طاولة واحدة، رغم أن الأخیرة لم تقدّم أى تنازل ولم تلتفت مجرد الالتفات للمبادرة العربیة التى حاول العرب "المعتدلون" تسویقها لدى حکومة أولمرت..

إن الهرولة العربیة العلنیة "وهناک هرولات سریة کثیرة" نحو التطبیع مع إسرائیل تشبه إلى حد ما الانتحار دون سبب، فهناک زعماء أخذوا على عاتقهم مهمة التفویت فى الحقوق العربیة، دون مقابل..

یریدون فرض السلام بالمنظور الأمریکى على فتح وحماس، سلام یعنى التخلى عن أراضى 48 وعن حق العودة وعن القدس والأقصى، وحین رفض الفلسطینیون الضغوط العربیة "المعتدلة" تکفلت بعض الدول العربیة بحصارهم ومنع القوت عنهم واعتقال من یتجرأ منهم على تحدى هذا الحظر ثم الزعم بأنهم یفکرون فى المصلحة العلیا للشعب الفلسطینی!

ومن المهم التأکید على أن الحصار على الفلسطینیین لا یقف عند خنق حماس، ففتح تتعرض لحملة من التشکیک ومحاصرة قیاداتها التاریخیة وتهمیش دورها فى حکومة فیاض، وهناک حدیث عن أن الأخیر سیکون الرئیس القادم، أى أن فتح ستکون خارج الرئاسة لتترکها لجیل ولاؤه الأول لأمریکا والعلاقة الحمیمة مع إسرائیل.

ونعتقد أن الرسالة الموریتانیة کفیلة بأن تعید بعض الوعى لبعض الزعماء والشخصیات التى تزعم الاستقلالیة فى الظاهر وتغرق فى التطبیع سرا، وهذا یخص بعض المثقفین والفنانین والإعلامیین الذین اشترى اللوبى الصهیونى ضمائرهم وجیوبهم وحولهم إلى أدوات هدم.

الأمة اتضحت أمامها الکثیر من الحقائق، ولم یبق إلا أن تتحرر من وهم الصداقات المجانیة وتلتفت إلى الفعل والتفکیر فى المستقبل، فبهذا الوضع الکارثى "سیاسیا واقتصادیا وحضاریا" لا یمکن أن نغادر دائرة الارتهان والتبعیة، ولا یمکن أن نتحدث عن تنمیة أو مستقبل فى وقت یتحکم الآخرون فى قوتنا الیومى ورغیف الخبز.

( المقال افتتاحیة العرب اللندنیة )

ن/25


| رمز الموضوع: 140968