الجمعه 11 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

غزة تفرض معادلة جدیدة

 کتب البروفیسور عبد الستار قاسم فی مقال استلمته وکالة  قدسنا :

 صنعت غزة حدثا تاریخیا بارزا ستخلده صفحات التاریخ على أنه من ألمع ما قام به شعب فلسطین، ومن أکثر المواجهات الجماهیریة شجاعة وجرأة وإقداما. سیکتب التاریخ عن یوم الأربعاء 22/کانون ثانی/2008 بإسهاب على أنه یوم مشهود فی التاریخ الفلسطینی وفی المواجهة ضد الصهاینة الغزاة، وسیسجل لجماهیر شعبنا فی غزة أوسمة من الإباء والتضحیة دفاعا عن الحق وعن النساء والأطفال التی کادت أن تضیق بهم الأرض. وسیکتب أنه کان یوما فاصلا فتح الطریق نحو تحولات حیویة وکبیرة فی معادلة الصراع ضد الغزاة الصهاینة، وفی تطور فکر المواجهة لدى الفلسطینیین والعرب.

لم أبالغ عندما کتبت قبل الحدث أن إسرائیل ستخسر الجولة إذ أن الظروف الموضوعیة التی تمر بها قوى الصراع فی المنطقة، والأوضاع الداخلیة فی غزة تشیر إلى أن مسارب جدیدة قد أخذت تنفتح أمام القضیة الفلسطینیة، وأن مآزق إسرائیل ستتسع. لم یکن اندحار إسرائیل فی جنوب لبنان عام 2000 بلا تأثیرات، ولم تکن هزیمة إسرائیل عام 2006 على ید حزب الله بلا أثقال وأحمال وتبعات على مستوى المنطقة ککل. اکتسیت فصائل فلسطینیة معرفة قتالیة أفضل، وأصبحت أکثر قدرة على التعامل مع النشاط السیاسی وحشد الجماهیر، کما أن الساحة الفلسطینیة، على الرغم من الخلافات الواسعة التی تجتاحها، قد أصبحت أکثر عمقا فی فهم جدلیة الصراع ومتطلباته، وأکثر قدرة على تطویر الوسائل والأسالیب.

لم تعد فکرة حصار غزة بعد 22/1/2008 ذات جدوى کبیرة لأنها انهارت. کان الهدف من الحصار هو استعمال أحزان الناس وآلامهم علّ وعسى أن یخرج الناس ضد حماس فتنهار وتتخلى عن إدارة غزة.

هناک من وقفوا ضد حماس بقوة وحملوها مسؤولیة الحصار ومسؤولیة تجویع الناس ونقص الأدویة ومواد الغذاء، لکن قوتهم لم تکن کافیة وانهاروا أمام القوة الأخرى التی صبت غضبها على الاحتلال. لقد جربوا الحصار على مدى سنتین تقریبا وقطعوا الأموال عن الشعب الفلسطینی، وثم حاصروا غزة بعد أن أفرجوا بعض الشیء عن الضفة، وأتاهم فی النهایة الخبر الیقین.

ثورة غزة على الحصار حدثت هذه المرة عندما وصل السیل الزبى، لکن الناس لن ینتظروا الزبى فی المرات القادمة. المرة الأولى هی الأکثر صعوبة، وبعد ذلک یبدأ سقف الانفجار فی الانخفاض. أی أن شعب غزة سینفجر مع کل مرة یشعر فیها بالضیق ولن ینتظر الظلام الدامس وإغلاق المعابر بصورة کلیة. وأظن أن إسرائیل ومن یعاونها من العرب قد تعلموا الدرس، ولا بد أن یستخلصوا العبر. کان من الأجدى منذ البدایة أن یعرف الجمیع أن للضغط حدودا، وبعدها ینقلب على الضاغط.

تنتهی الأحزان أحیانا بنتائج حمیدة، ولولا الأحزان لما کان للنتائج أن تتبلور. المعنى أنه لو لم یکن هناک حصار لبقیت فکرة الحصار عبارة عن عصا تلوح بها إسرائیل وتهدد بها الناس فی غزة، أما الآن فلم یعد هناک عصا من هذا القبیل. وما دامت عصا الحصار قد تهشمت فإنه من المتوقع أن یطرأ فکر إسرائیلی وأمریکی جدید فی کیفیة التعامل مع فصائل المقاومة الفلسطینیة. الفکر الجدید لن یکون بذات الحدیة التی سادت سابقا، وسیأخذ التطورات القائمة بعین الاعتبار وعلى أنه قوة للخصم وضعف له. ستطرأ تحولات على السیاسات الأمریکیة والإسرائیلیة، کما ستطرأ تحولات على الساحة الفلسطینیة تضع قوة الشعب بعین الاعتبار ولیس فقط قوة الفصائل.

لم تضع الفصائل الفلسطینیة قوة الشعب بعین الاعتبار، وبعضها اعتبر الشعب مادة للبیع والشراء والتلاعب بعواطفه ومشاعره، أو حتى شراء ذممه ومواقفه. على مدى سنوات وهناک محاولات لتحویل الشعب الفلسطینی إلى مجرد "هتیفة" یهتفون لهذا الفصیل أو ذاک، أو لهذا القائد أو ذاک، وإلى متسولین یستعطون فی المحافل الدولیة. الآن ظهرت قوة الشعب کما ظهرت قوته جزئیا فی بدایات الانتفاضات، ولا أظن أن الفصائل أو بعضها ستغمض عیونها عن هذا الأمر وتعود إلى سابق العهد. الشعب هو القوة الحقیقیة حتى لو لم یکن مسلحا، وهو الرصید القوی والدائم فی مواجهة العدوان وفی مد الأحزاب والتنظیمات بالقوة العنفوان والاستمراریة.

من المفروض أن یعید الجمیع حساباتهم، وأن یفکروا فی ینبوع القوة، وکفى هروبا من التعامل العلمی مع المعطیات الموضوعیة والذاتیة، ومن المتغیرات التی تفرض على الأعداء موازین ومعادلات جدیدة.

ن/25


| رمز الموضوع: 140884







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)