أنابولیس وترجماته العملیة إسرائیلیاً
وأکثر من مرة قلنا لهؤلاء العرب والفلسطینیین، وکما یقول المأثور الشعبی"إللی بجرب المجرب عقله مخرب"، ولکن لا حیاة لمن تنادی، فالإنسان عندما یفقد الإرادة ویتعامل مع نفسه على انه مهزوم، فإنه یستحیل علیه التقدم ولو خطوة واحدة نحو تحقیق الهدف الذی یصبو إلیه.. وأذکر انه فی ندوة أقامتها اتحاد لجان المرأة الفلسطینیة فی قاعة جمعیة الشابات المسیحیة فی القدس على أبواب انعقاد انابولیس وشارک فیها الأساتذه مهدی عبد الهادی وعبد اللطیف غیث وحاتم عبد القادر عن الموقف الفلسطینی من أنابولیس،ایجابیات وسلبیات الحضور أو عدمه، قلت فی مداخلة لی، انا سأکون من أشد المؤیدیین لحضور أنابولیس، لو حقق إیجابیة صغیرة، لیس لها علاقة لا بالحقوق المشروعة لشعبنا، ألا وهی إطلاق سراح الأسرى القدماء، بل وأقل من ذلک لو یضمن تحریر الأسرى القادة والوزراء والنواب المختطفین والمعتقلین فی السجون الإسرائیلیة، فهذا المطلب الصغیر سیجعلنی ویجعل غیری من الفلسطینیین غیر المؤمنیین بواقعیتکم وعقلانیتکم أن ننضم لهذه المدرسة وننظر لها.. ولکن ما حدث بعد ان انتهى مولد أنابولیس والتقطت الصور التذکاریة والعلاقات العامة، بل وعشیة عقد المؤتمر، بدأ قادة إسرائیل فی ترجمة رغبتهم، وما یسمونه تنازلاتهم المؤلمة للسلام على الأرض.. فرئیس الوزراء الإسرائیلی "أولمرت" قال بشکل واضح إسرائیل غیر ملتزمة بأیة مواعید لإقامة الدولة الفلسطینیة، ووزیرة خارجیته "لیفنی" معشوقة الزعماء العرب، قالت أمن إسرائیل فوق السلام والدولة الفلسطینیة، ووزیر الدفاع الإسرائیلی"بارک" سارع للبحث عن طریقة یواصل فیها إقامة المستوطنات وتوسیعها فی الأراضی الفلسطینیة، بل وحتى شرعنة البؤر الاستیطانیة والمسماة فی عرفهم لا شرعیة، من خلال خصخصة الاستیطان، وهجوم استیطانی واسع على مدینة القدس، من أجل أسرلة سکانها وتهویدها أرضاً، وعبر إقامة المزید من الأبنیة الاستیطانیة فی مستوطنة أبوغنیم، حیث استدرجت عروض وعطاءات لإقامة أکثر من 307 وحدات سکنیة إضافیة فی تلک المستوطنة، وأعلن عن رغبة إسرائیل فی اقامة حی استیطانی جدید فی شمال القدس، منطقة قلندیا أکثر من عشرة الاف وحدة سکنیة استیطانیة..
والمسألة لم تقف عند هذا الحد، بل ان القیادة الإسرائیلیة تتبجح، بأن ما تقوم به على الأرض من ممارسات لا یتعارض ورغبتها فی السلام، فمسلسل القتل والاغتیالات الیومیة بحق الشعب الفلسطینی، وکذلک الاعتقالات والحصار والتجویع، هذه الممارسات کلها لخدمة العملیة السلمیة، وانا لا اعرف إن کان هناک فلسطینی له دماغ ویفکر به، ویبقى لدیه أدنى قناعة بأن ما یجری، لیس أکثر من مشاغلات ومبادرات کلامیة لن تفضی إلى أیة نتیجة تجاه تحقیق الشعب الفلسطینی لحقوقه المشروعة عبر هذه البوابة.. ویا سبحان الله کل القیادات الأمریکیة والأوروبیة، بعد أن تخلی أو تجبر على التخلی عن مواقعها ومراکزها الرسمیة، تصبح أکثر إنسانیة وتفهم لحقوق واحتیاجات الشعب الفلسطینی، بعد أن تکون قد أوغلت کثیراً فی الدم العربی والفلسطینی، وأنا لا أفهم أو أؤمن بان من یمارس أو مارس القتل والتجویع بحق أطفال أفغانستان والعراق ولبنان وفلسطین، سیتحول إلى حمامة سلام ومرشح أو حائز على ما أصطلح على تسمیته بجائزة نوبل للسلام، من أمثال الرؤساء الأمریکیین کارتر وکلینتون ورئیس الوزراء البریطانی السابق بلیر وغیرهم، والانکى من ذلک أنهم فی عواصمنا العربیة یستقبلون استقبال الأبطال والفاتحین، والویل لمن یتظاهر أو یهتف ضدهم بأنهم قتلة وإرهابیین، فالیوم المعادلة مقلوبة وهناک من یطالب بمحاکمة واعتقال قادة المقاومة العربیة والفلسطینیة، واعتبارهم "إرهابیین" فهل هناک أحط وأرذل من هذا الزمن العربی؟
وبالعودة إلى أنابولیس فما أود قوله، انه علینا کعرب وفلسطینیین، أن لا نبیع شعوبنا الأوهام والسراب على أنها إنجازات وانتصارات.. فالتجارب علمتنا جیداً، انه قبیل او بعد مثل هذه المؤتمرات، هناک مسلسلات للذبح العربی والإسلامی، فمؤتمر مدرید سبقه موسم ذبح الشعب العراقی ومن ثم احتلاله بصمت وتواطؤ عربی وإسلامی، والیوم مؤتمر أنابولیس یجری الإعداد لموسم ذبح عربی وإسلامی جدید، یطال کل حلقات المقاومة والممانعة والمعارضة العربیة والإسلامیة.. ولذا مطلوب توحید وتحشید العرب والمسلمین خلف المواقف الأمریکیة والأوروبیة الغربیة، ولحین تحقیق أهدافهم من هذا التحشیید والتجییش، فإنهم سیرکلون کل العرب والمسلمین إلى مزابل التاریخ.
ونحن لسنا ضد التفاوض مع العدو من أجل إحقاق حقوق شعبنا، بل التفاوض المستند إلى قرارات الشرعیة الدولیة المطلوب تنفیذها، وفق جداول زمنیة والتزامات واضحة، ولیس التفاوض من أجل التفاوض، وفق ما ترید القیادة الإسرائیلیة، لیس الحالیة فقط، بل وعبّر عن ذلک کل زعماء إسرائیل بمختلف ألوان طیفهم السیاسی، فمن "بیرس" حمامة السلام إلى"لیبرمان وایفی إیتام" صقور الیمین الإسرائیلی.
وأنا على قناعة تامة أنه إذا ما استمر البعض فی الساحة الفلسطینیة، على تعنته ورفضه لکل المبادرات الداعیة إلى رأب الصدع الفلسطینی، وإعادة اللحمة والوحدة للبیت الداخلی الفلسطینی، وأستمر فی المراهنة على الوعود الأمریکیة والأوروبیة الغربیة، فأن ذلک لن یقود إلا إلى المزید من ضیاع الحقوق الفلسطینیة، بل لربما یصل الأمر حد تبدید کل المنجزات والمکتسبات التی حققها وعمدها شعبنا بشلالات الدم والتضحیات الجسام، وعلى الجمیع أن یعی ویدرک، أن الموقف الفلسطینی، یقوى ویتصلب من خلال الوحدة فقط، وبقدر توحدنا بقدر ما نحقق ما نصبو إلیه من حقوق واهداف، وعدونا یلعب على وتر فرقتنا، ویستغل ذلک من أجل الاستمرار فی تحقیق أهدافه على الأرض، وعندما نصحو یکون قاد فات القطار، ولم یتبقى لا أرض ولا قضیة.
( المقال للکاتب والنقابی الفلسطینی راسم عبیدات )
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS