ویفعلها اولمرت استیطانا واجتیاحا
قال عباس وقالت واشنطن ویفعلها اولمرت استیطانا واجتیاحا!
کثیرون هم الذین تحدثوا عن أنابولیس کتابة وتحلیلا.. عن مقدماته وانعکاساته.. لکن ثمة موقف لفظی خرج به السید محمود عباس یکرر معظم التحذیرات والتحلیلات والانعکاسات،واحدة من التکریرات اللافتة للنظر هی تلک التی کان فریق عباس یتهم اصحابها بالتهویل واللاواقعیة، فقد خرج علینا ببعض ما جرى من حیث محاولة الغاء وجود أکثر من 1،5 ملیون فلسطینی داخل الخط الاخضر وشطب حق العودة.. ببساطة شدیدة هذه واحدة من نتائج المطالبة بالاعتراف بدولة الاحتلال کدولة "یهودیة".. ولا ندری ان کانت تصریحاته تنم عن رسم صورة بطولیة للمفاوض الفلسطینی أم مجرد وصف للعقبات التی نؤمن بأنها لن تزال طالما عقلیة عباس وفریقه تشتغل بالسیاسة من زاویة المناکفة أو على الطریقة الارتجالیة.. فالرجل وبدون شک یتحدث باستمرار عن "شروط" للتفاوض، لکن مع طرف فلسطینی آخر.. ویستعد للالتقاء باولمرت بدون ایة شروط حتى لو استمرت حکومة الاحتلال بقتل ابناء شعبه فی غزة والضفة والاعلان الصریح عن مواصلة الاستیطان فی القدس المحتلة غیر آبهة بما تشکله خطوتها من احراج یبدو أنه أقلع عنه السید عباس وفریقه التفاوضی..
واشنطن التی تدعی ما تدعیه من سعی لاقامة السلام المزعوم لم تجد هی الاخرى فی الخطوة الصهیونیة سوى الطلب من "اسرائیل" بتوضیحات حول خطوتها لیس إلا..
وقد نسمع بعضا من التندید لرفع الحرج عن وجه السیاسة العربیة المؤمنة بکذبة "الوسیط النزیه".. لا یمکن لواشنطن التی تحاول التدخل بکل صغیرة وکبیرة فی العالم العربی وفق تصنیفات تحدد المعتدل من المتطرف أن تتصرف لا قولا ولا عملا مع الخطوات الصهیونیة وخرقها للقانون الدولی واتفاقیة جنیف التی تحرم على الاحتلال الاقدام على ایة خطوات تغیر من واقع الارض المحتلة... فلو تعلقت المسألة بدولة عربیة او غیر عربیة لسمعنا کیلا من الاکاذیب والتبریرات لاقناع "المجتمع الدولی" بخطر یتهدد السلم الدولی..
ولا یبدو أن المفاوض الفلسطینی الذی یلتزم بمواعیده مع الجانب الصهیونی لدیه مسببات التوقف عن قضیة التفاوض لاجل التفاوض او حتى وضع شروط واقعیة من وجهة نظره الملتزمة التزاما ملتبسا حتى للبعض الغربی والیهودی الرافض للاحتلال عداک عن اغلبیة الشعب الفلسطینی.. فالاجتیاحات فی غزة والقتل والاغتیال والاعتقال فی الضفة ومحاصرة الوجود الفلسطینی فی القدس المحتلة وقائمة الممارسات المستهزئة اصلا بمن تفاوضهم قبل غیرهم کلها لا تثیر لا عند السید عباس ولا قریع وعبد ربه ولا کل هؤلاء المحتکرون لقرار الاستمرار بالحلقة المفرغة من التفاوض المفرغ من مضامینه مع تلک الممارسات المترافقة من الجانب الصهیونی..
إن الأمر بات أکثر من محیر وأکثر من مستغرب.. بل تعدى کل الشکوک والظنون.. فلا منطق فی اللامنطق الذی ینتهجه المفاوض الفلسطینی الذی یسمع کل التهدیدات بحق قطاع غزة والممارسات التی ذکرنا بعضها ویستمر فی حضور حفلات التصویر الاسرائیلیة والتسویق الصهیونی لنفسه اعلامیا ودیبلوماسیا بینما یقف المفاوض الفلسطینی فی حالة المتهم غیر قادر على التأثیر لا الاعلامی ولا الدیبلوماسی على الساحة الدولیة.. ففی اللغة التفاوضیة لا نسمع من مفاوضینا کلمات مثل : کفى یعنی کفى.. بل ویا للمسخرة یرددها کل مسؤول ومتحدث صهیونی مهما کان حجمه حین یتحدث للاعلام الدولی فی مسلسل قلب الحقائق وتصویر الضحیة معتدیا والاحتلال مجرد متورط فی "عملیة دفاع عن النفس".. فالنفس السیاسی الرسمی الفلسطینی الذی یمارس السیاسة وکأنه غیر آبه لکل الدماء الفلسطینیة التی یسفکها الاحتلال، بل بعض المتحمسون لسیاسة السلطة لا یترددون فی التعبیر عن رضاهم على واقع الحال المشرذم وحتى بکل الاعتداءات التی یتعرض لها قطاع غزة من حصار قاتل وضرب شبه یومی واستهداف للمقاومة فی الضفة.. مبررین الأمر على خلفیة قرارات السید فیاض بالطلب من کل الاذرع المسلحة ان تحل نفسها..
غزة تواجه کارثة.. والمفاوض یستمر بالتفاوض على وتر یختاره الاحتلال.. بل إن أکبر کارثة تواجه الشعب الفلسطینی تکمن فی استمرار عقلیة التمزیق والتشرذم ورفض الدخول فی التفاوض الداخلی واشراک کل القوى فی مواجهة التحدیات بدل احتکارها واختصارها فی التفاوض مع اولمرت ولیفنی.. والمعسکر الصهیونی یعلن دون تردد عما یراه مناسبا له ویمارسه دون نتائج من نظیره الفلسطینی الرسمی ومن الشرعیة التی تکرر یوما بعد یوم انها المسؤولة عن واقع ومستقبل الشعب والارض الفلسطینیة.. وما عاد یکفی الکلام طالما ان المسؤولیة باتت محصورة فی شیء واحد لا غیر... مناکفة ثم مناکفة ثم مراهقة سیاسیة مترافقة مع هذه الکوارث التی ستؤدی الى تراکمات یدفع ثمنها الشعب الفلسطینی ومستقبل فلسطین کلها..
على کل لیس لدى واشنطن سوى دلو ماء بارد لترشه على رأس ووجه العرب والفلسطینیین الذین تهون علیهم کرامتهم حتى باتوا أکثر من عاجزین عن فرض شروط للاستمرار فی همروجة "عملیة السلام" التی تتبع التطبیع.. والحقیقة المرة أن السید عباس لا یراهن على قدرات شعبه وعوامل القوة الذاتیة بعد أن صارت مسألة الالتقاء باولمرت واحدة من العادات التی لا رجعة عنها مع التوقف الکامل عن قراءة الخطوات الصهیونیة من منظور ما یفهمه الشعب الفلسطینی، أکان لجهة الاستمرار فی سرقة الارض أو القتل والتدمیر المنهجی الیومی لقطع الطریق على ما یسمى مفهوم الدولة الفلسطینیة أو لجهة الکذب على العرب الرسمیین اللاهثین وراء علاقات رسمیة وعلنیة معه بالرغم من الاستهزاء السیاسی بهم !
ترى هل یجرؤ السید عباس على قول الحقیقة التی یطالب بها الشعب الفلسطینی، الحقیقة التی تطالب بالتوقف عن ایة لقاءات او مفاوضات قبل تلبیة الشروط الفلسطینیة؟
هو سؤال برسم القائمین على الحالة الفلسطینیة الرسمیة ومنهم هؤلاء الذین یدعون تفویض الشعب الفلسطینی لهم للتفاوض على حاضرهم ومستقبلهم.. وهل یمکن لهؤلاء أن یقولوا لواشنطن ما یقولونه فی الحماسة الخطابیة؟
( المقال للکاتب والصحف ناصر السهلی )
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS