لماذا تحتاج یهودیة "إسرائیل" إلى اعتراف الفلسطینیین؟
وفی معادلة الصراع العربی ـ الإسرائیلی تنقلب الحقائق، ویحاول الجلاد "إسرائیل" أن یستولی لیس على أرض فلسطین "الضحیة" وحقوقها فحسب، بل ویحصل حتى على خطاب منها على أنه هو من یحتاج إلى اعتراف الآخرین. ولا تعود المسألة، مسألة الحقوق الوطنیة للفلسطینیین فی بناء وطنهم على أرضهم الفلسطینیة التی تحتلها القوات الإسرائیلیة والتی تقضمها یومیاً من خلال التوسع الاستیطانی، وهذا التوسع الذی تعتبره "إسرائیل" حقها فی الأرض الفلسطینیة، لأن هذه الأراضی حسب المفهوم الإسرائیلی "أراض متنازع علیها" أی إنها لیست للفلسطینیین الذین یحق لهم أن یبنوا وطنهم علیها. وتصبح المشکلة لیست الاحتلال الإسرائیلی، بل المشکلة الأساسیة أن الفلسطینیین والعرب لا یریدون الاعتراف بیهودیة دولة "إسرائیل". أی قلب للحقائق أکثر من ذلک! مطلوب من الضحیة لا أن تعترف بالدولة التی قامت على أنقاضها فحسب، بل مطلوب منها، أن تعترف أن هذه الدولة ضحیة للفلسطینیین ولیست جلاداً لهم.
تُطالب الدول بأن یتم الاعتراف بها کدولة، بوصف الدول هی التی یتشکل المجتمع الدولی، وبالتالی أی عضو ینضم إلى المجتمع الدولی یحتاج إلى الاعتراف به کدولة. ولذلک لا یمکن اعتبار حرکات التمرد، وحتى لو کانت تسیطر على جزء من الدولة التی تنتمی إلیها دولة. ولا یمکن الاعتراف بها کدولة، إلا إذا استکملت انفصالها عن الدولة الأم، وتم الاعتراف بها کوحدة دولیة. و"إسرائیل" رغم عدم الاعتراف بها من الدول العربیة، فإنها عضو فی الأمم المتحدة ودولة معترف بها من المجتمع الدولی، وإن کان ینقصها الاعتراف العربی بحکم الصراع القائم معها، وما یحتاج إلى اعتراف وبناء هو الدولة الفلسطینیة. وفی هذا الإطار من المفهوم أن تطالب "إسرائیل" بالاعتراف بها کدولة، لأن أغلب الدول العربیة لا تعترف بها، ولا تقیم معها علاقات دبلوماسیة. ولکن أن تطالب "إسرائیل" بالاعتراف بها کدولة یهودیة، فهذا غریب عن العلاقات الدولیة. فالولایات المتحدة أو فرنسا لا تطالب الآخرین بالاعتراف بها کدولة مسیحیة، والدول الإسلامیة لم تطالب الاعتراف بها کدول إسلامیة، بل کدول مستقلة، أما کیف تحدد الدولة طبیعتها الداخلیة فهذا شأنها. والتاریخ الحدیث، لا یجیز بناء الدولة على أسس دینیة، لأن الدولة لا یمکن أن تکون موحدة بالکامل فی هذا الإطار، والتنوع سمة من سمات الدولة الحدیثة، لذلک تعرف نفسها بانتماء المواطنین لها کمواطنین، ولیس کمتدینین بهذا الدین أو ذاک.
المطلب الإسرائیلی بالاعتراف بیهودیة الدولة، هو مطلب جدید، فقد کانت المطالب الإسرائیلیة السابقة من العرب الاعتراف بـ"دولة إسرائیل" ولم تطالب "إسرائیلً لا بمفاوضات کامب المصریة ولا بمفاوضات کامب دیفید الفلسطینیة بالاعتراف بیهودیة الدولة. إن التأکید على یهودیة الدولة من قبل النخبة الإسرائیلیة ومطالبة الفلسطینیین والعرب بالاعتراف بها، یعود إلى الحدیث عن "الخطر الدیموغرافی" الفلسطینی کما تراه "إسرائیل" فی السنوات الأخیرة. وهذا ما برر به کل من أرییل شارون وأولمرت تغییر مواقفهما السیاسیة فی خطاب الثقة بحکومتیهما أمام الکنیست عندما قال أولمرت: "شخصیاً، لا أزال أؤمن بفکرة أرض "إسرائیل" الکاملة کأمنیة، وأؤمن بحق شعب "إسرائیل" التاریخی على کل أرض "إسرائیل". لکن التمنیات ومعرفة الحقوق لا تشکلان خطة سیاسیة... علینا المحافظة على غالبیة یهودیة مستقرة وصلبة فی دولتنا". وعاد لیؤکد علیه فی مقابلة مع صحیفة یدیعوت أحرنوت الإسرائیلیة قبل أیام عندما قال: "منذ ینایر 2003 قلت إذا ما انهار فی یوم من الأیام حل الدولتین واضطررنا إلى مواجهة نزاع على الطراز الجنوب أفریقی حول التساوی فی حق التصویت (بین الفلسطینیین والإسرائیلیین)، فستنتهی دولة "إسرائیل" فور ذلک..." إن المطالبة بالاعتراف بیهودیة الدولة تنطلق من هذه الأقوال لأولمرت والتی نجد عند کل الطیف السیاسی الإسرائیلی أقوالاً تشبهها. وهذا لیس تأکیداً على یهودیة الدولة، بل المعنى العمیق للاعتراف بهذا الأمر، هو إخراج غیر الیهود من نطاق هذه الدولة، بالتالی لیس إخراج الفلسطینیین فی الضفة الغربیة وقطاع غزة فحسب، بل وإخراج فلسطینیی "إسرائیل" من هذه الدولة، مما یفتح الباب أمام إمکانیة تبادل سکان کما عبر عنه أکثر من مسؤول إسرائیلی، ویتم نقاش التخلص منهم أو تخفیض عددهم بشکل علنی، بإعطاء منطقة المثلث مع سکانها للسلطة الفلسطینیة فی إطار تبادل الأراضی.
إن یهودیة الدولة فی "إسرائیل" هی عنصریتها المعلنة فی مواجهة العرب الذین یعیشون فیها. وعلى خلفیة مقاومة هذه العنصریة طرح الفلسطینیون داخل "إسرائیل" شعار "دولة لمواطنیها". وبالتأکید لیس على الفلسطینیین والعرب الاعتراف بما یستبعد أشقاءهم الذین یعیشون على أرضهم من وطنهم على قاعدة أنها دولة "یهودیة"، والمشارکة فی الجریمة العنصریة التی تمارسها "إسرائیل" ضد سکانها العرب، مما قد یشرع طردهم بحجة یهودیة الدولة.
( المقال بقلم الکاتبة الفلسطینیة فاطمة شعبان )
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS