عام على سقوط الفرعون: مصر تعیش بدایاتها
عام على سقوط الفرعون: مصر تعیش بدایاتها
سمیة علی
یشعر کثیرون من أبناء الثورة فی مصر أن الزمن توقف فی 25 ینایر. هذا التوقف لا یُعنى به الجمود، لقد حمل هذا التاریخ بدایة حلم التغییر لملایین اجتمعوا فی میدان التحریر وفی رأسهم أمر واحد: فلیسقط الفرعون. شکّل ذلک التاریخ نهایة لزمن تملؤه رائحة العفن السیاسی والقمع الأمنی والتواطؤ مع کیان العدو مما أخرج مصر من دائرة الصراع العربی الإسرائیلی بعد أن کانت جزءاً أساسیاً فیه. بات تاریخ 25 ینایر خارج سطوة النسیان، هو جزء من ذاکرة جماعیة بلون دماء مئات الشهداء الذین یحضرون بعد مرور عام على الثورة لطرح السؤال الأهم: ماذا حققت الثورة المصریة وما الذی لم تحققه حتى الآن؟
عقب سقوط مبارک فی 11 شباط/فبرایر، دخل الثوار فی صدام مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة متهمین أعضاءه وعلى رأسهم المشیر حسین طنطاوی بالمراوغة ومحاولة الإستیلاء على الحکم واتباع القمع کوسیلة لإسکات مطالب المعتصمین فی میدان التحریر، حیث شهد المیدان وشوارع القاهرة مواجهات بین قوى الأمن والمتظاهرین أشبه بتلک التی سادت أیام حکم النظام. ثم بدأت الإنتخابات التشریعیة فی 28 تشرین الثانی/ینایر على وقع غضب الشارع الذی لوّح بخیار الفوضى فی حال لم یلب العسکر مطالبه. انطلقت العملیة الإنتخابیة التی انتهت أواخر الشهر الحالی بفوز کاسح للإسلامیین الذین سیطروا على 70% من مقاعد المجلس وبإعلان المجلس العسکری، الذی سلّم سلطتی التشریع والرقابة للمجلس، انتهاء حالة الطوارئ فی البلاد وأن "کل مرحلة انتقالیة لا بد أن تعترضها بعض العراقیل".
داخلیاً، لا تزال مصر قید ما یسمى المرحلة الإنتقالیة التی لن تکتمل إلا بانتخاب رئیس للبلاد فی شهر حزیران المقبل، أما على الصعید الخارجی، فالتحدی الأول أمام هذه الثورة یتمثل فی إخراجها من قفص التدجین واتخاذها نهجاً مغایراً فی ما یخص القضیة الفلسطینیة والصراع مع "اسرائیل". السؤال یکمن فی مدى استطاعة الإسلامیین ترتیب البیت المصری والإبقاء على ثقة المصریین، وإعادة مصر إلى دورها العروبی، فهل سینجحون فی خوض غمار السیاسة بما یحفظ شعبیتهم، أم أن التغییر على مستوى السیاسة الخارجیة لیس من أولویاتهم حالیاً ، کما سبق أن أکد نائب المرشد الأعلى للأخوان خیرت الشاطر ما مفاده أن الجماعة ملتزمة بمعاهدة السلام مع "اسرائیل".
بعض أهداف الثورة بحاجة لمزید من الوقت والبحث فی اتفاقیة السلام مستبعد حالیاً
کنوع من التقییم المقتضب لما حققته الثورة المصریة وما لم تحققه حتى الآن. یقول الصحافی فی جریدة الأهرام المصریة أحمد علیبة إن "الثورة منذ قیامها نجحت فی تحقیق العدید من الأهداف على رأسها القضاء على مشروع توریث الحکم لنجل الرئیس السابق حسنی مبارک، کما أحالت الکثیر من ملفات الفساد أیام النظام السابق إلى التحقیق. وتمکنت هذه الثورة من تشکیل مجموعة من القوى الجدیدة التی تتمتع بشعبیة والتی تتنافس من أجل الوصول إلى الحکم على قاعدة انتخابات حرة ونزیهة".
وفی حدیث مع موقع المنار، یضیف علیبة أن" الثورة أدّت إلى تحول فی الوعی الجماعی المصری قائم على تبنی الثقافة الدیموقراطیة تقدیم مشروع نهضة لمصر بعد حالة الجمود التی أصابتها على مدار عقود طویلة من الزمن، کما قامت الثورة بالقضاء على فکرة استئثار شخص واحد بالسلطة والحکم، وأصبح هناک شکل لإطار مؤسسی یدیر شؤون الدولة على أساس القاعدة القانونیة ولیس على أساس المحسوبیات.
وعن ما لم تحققه الثورة حتى الآن، أوضح علیبة أنه "حتى الآن نستطیع القول إن ما لم تحققه الثورة یأتی أولاً فی إطار استکمال الإنتخابات الخاصة لمجلس الشورى، کما سیکون هناک انتخاب لرئیس الجمهوریة على أساس القاعدة الدیموقراطیة، وهناک مخاوف من الجمود الذی أصاب محاکمات رأس النظام السابق ومعاونیه. هناک أیضاً مخاوف من التباطؤ فی تقدیم حقوق الشهداء وفی اجتثاث الکثیر من مواطن الفساد الذی یحتاج وقتاً أطول لإنجازه. إضافة إلى ذلک هناک السیاسة الخارجیة لمصر تحدیداً العلاقة مع "اسرائیل" التی اعتبرتها الثورة عدواً لقیامها عقب سقوط مبارک بالتجسس على مصر واستغلال المصالح الإقتصادیة الممنوحة لها من قبل النظام السابق کاتفاقیات الغاز وغیرها. کما أن هناک مخاوف تتمثل فی إحساس العسکر فی بعض الأوقات أنهم قد یکونوا ورثة هذا الحکم على اعتبار أنهم حماة الثورة وإن حاولوا من وقت إلى آخر تقدیم البراهین على أنهم سیسلمون السلطة بوعد من القوى الأقوى حالیاً أی الأخوان المسلمین".
کما تحدث علیبة عن التحدیات المستقبلیة التی تواجه الثورة، قائلاً إن الأمر "یتمثل فی کیفیة استیعاب العملیة الدیموقراطیة بعد عهود طویلة من الفساد والبیروقراطیة، بما یتضمن مشارکة الأقلیات فی الحکم والحؤول دون النزاع بین المسلمین والأقباط، وذلک بحاجة إلى وقت طویل. وعلى مستوى التحدیات الخارجیة، فإن الأعداء أکثر من الأصدقاء هذا یستدعی وضع خطة لمعرفة کیفیة التعاطی مع هذا الملف بطریقة أکثر وعیاً، لأن هناک من یرید تدجین الثورة خدمة لمصالحه کالولایات المتحدة الأمیرکیة، کما أن "اسرائیل" تتخوف من أن یتعارض أداء الثورة مع مصالحها، هذا یتطلب التعامل بمرونة وبطریقة لا تتعارض مع الوضع الراهن فی المنطقة لکن أعتقد أنه سیتم الحفاظ على معاهدة السلام، لأنه خلال المرحلة الإنتقالیة هناک حرص على عدم الخوض فی أی نزاع سیاسی أو حرب. لن یکون هناک رئیس لمصر یعطی تطمینات لاسرائیل أو یعمل وفقاً لمصالحها بعد الآن".
وشرح علیبة الأسباب الکامنة خلف النفوذ الکبیر للإسلامیین فی مصر مشیراً إلى أن "لجماعة الأخوان المسلمین رصید کبیر على المستوى الخدماتی وأن له تجارب سیاسیة فی برلمانات سابقة. إن هذه الجماعة کانت الأکثر تنظیماً والأکثر خبرة فهی موجودة منذ عقود طویلة فی مصر، کما أن الدین متجذر فی ثقافة المصریین الذی قرروا إعطاء صوتهم لمن یحمل برأیهم الثقافة الإسلامیة".
لقد بلغت الثورة عامها الأول، لا تزال تزاول "ضبابیة" البدایات بانتظار ولوج مرحلة من النضج لجهة رؤیة سیاسیة تتعدى رغیف الخبز إلى لعب دور محوری دولیاً واقلیمیاً. هو دور لن یحدده سوى الإسلامیین، محرکی المرحلة المقبلة، الذین حملت جلستهم الأولى فی مجلس الشعب خلافاً حول إضافة عبارة "بما لا یخالف شرع الله" إلى نص الیمین الدستوریة.
المصدر: موقع المنار