محللون: خطاب عباس یقوم على فلسفة الضعف فی مخاطبة العالم وهو أمر غیر مریح بالنسبة للمقاومین

بالرغم من اللغة العاطفیة التی تحدث بها رئیس السلطة محمود عباس خلال خطابه أمام الجمعیة العامة للأمم المتحدة، إلا أنه لم یغادر - بحسب محللین فلسطینیین - مربع مواقفه المعروفة من التمسک بخیار المفاوضات کخیار وحید ورفض المقاومة واعتبارها إرهابًا.وقال الدکتور عبد الستار قاسم، أستاذ العلوم السیاسیة بجامعة النجاح، فی تصریحات خاصة : إن خطاب عباس یقوم على فلسفة الضعف فی مخاطبة العالم وهو أمر غیر مریح بالنسبة للمقاومین. وأضاف أن "عباس خاطب الأمم المتحدة وفق منطقه وتوجهه الذی یقوم على فلسفة الضعف، حیث یخاطب العالم: "نحن ضعفاء ویجب أن تقفوا معنا" مشددًا على أنه بعد أن عکس فلسفة الضعف انتهى بالتوجه إلى الاعتراف بالدولة.
ورأى قاسم أن هذا الخطاب بالنسبة للمقاومة غیر موفق، معتبرًا أنه کان الأجدر بعباس ألا یغلق خیاراته إزاء المقاومة المسلحة، وعلى الأقل کان بإمکانه الحدیث عن خیارات أو بدائل أخرى. وأشار قاسم إلى أن عباس أخفق فی حدیثه عن قضیة اللاجئین، وهی القضیة التی بحاجة أن توضع فی المقدمة وأن یکون هناک إصرار على العودة ولیس وفق مشروع المبادرة العربیة الفاشل الذی یتحدث عن حل عادل متوافق علیه، معتبرًا أن هذا لا ینسجم مع القرار 194.
وبالرغم من هذا التقییم السلبی المجمل للخطاب، اعتبر قاسم، أن خطاب عباس وبالنظر لتوجهاته وفلسفته القائمة على الضعف والتمسک الزائد بمسیرة التسویة والمفاوضات یعتبر جیدًا، ورأى أن حدیثه أنه لا یوجد ضمیر أو وجدان لکل من یرفض الاعتراف بالدولة وهو الکلام الموجه إلى واشنطن تعبیر شجاع جدًّا.
تـنازل مجانی
أما الکاتب والمحلل السیاسی مصطفى الصواف، فقد وصف خطاب عباس بالمرافعة السیاسیة العاطفیة التی جلبت التصفیق الحار فی القاعة، ولکنه تصفیق قد لا یترجم إلى نتائج على أرض الواقع. ورأى الصواف أن أخطر ما فی خطاب عباس هو تأکیده على التنازل عن 78% من فلسطین التاریخیة عندما قال إن طلبه المقدم إلى الأمین العام هو الدولة الفلسطینیة على حدود عام 67، محذرًا بأنه یترتب على ذلک الکثیر من المخاطر على القضیة الفلسطینیة وحقوقها وثوابتها. وشدد على أن عباس لا یملک تفویضًا لتقدیم هذا التنازل عن ثوابت وحقوق الشعب الفلسطینی.
ولفت إلى أن الخطاب تضمن تناقضات واضحة، عندما تحدث عن فشل المفاوضات على صخرة التعنت الصهیونی ثم یعود لیؤکده تمسکه بخیار المفاوضات واستعداده للعودة إلى طاولة المفاوضات فورًا بناءً على مرجعیة للتفاوض ووقف الاستیطان والتفاوض حول دولة فلسطینیة على حدود 67.
ورأى الصواف أن عباس لن یعود لتنفیذ اتفاق المصالحة سریعًا؛ لأنه "سیبقى یماطل لمعرفة نتائج التوجه إلى الأمم المتحدة والتحرکات الدولیة فی اتجاه العودة إلى طاولة المفاوضات، لأن کل خطوات عباس تهدف إلى العودة لطاولة المفاوضات خاصة أنـه سیعمل على قبول المبادرة الفرنسیة".
وشدد الصواف على أنه لم یعد لدى عباس ما یمکن أن یلعب به من أوراق بعد رفض الطلب (وهو النتیجة المتوقعة سواء من خلال عدم توفر الأصوات اللازمة لتمریره أو رفضه بالفیتو الأمریکی)، ولا یوجد أمامه من خیارات سوى العودة إلى طاولة المفاوضات وفق الرؤیة الأمریکیة الصهیونیة وسیبرر هذه العودة کما لو أنه أختار هذا الخیار، أو الانسحاب من الساحة السیاسیة الفلسطینیة".
استراتیجیات خاطئة
من جهته، رأى المحلل السیاسی إبراهیم المدهون، أن خطاب عباس یختلف عن خطاباته السابقة ویعتبر خطوة للأمام فی سیاسته تجاه التعامل مع الاحتلال، مشیرًا فی نفس الوقت إلى أنه ما زال یقع ببعض الاستراتیجیات الخاطئة ومنها نبذه للعمل المسلح ضد الاحتلال والاکتفاء بالتحرکات السمیة، واستمرار تمسکه بالمفاوضات رغم أنه تحدث عن فشلها بسبب التعنت الصهیونی. وقال المدهون : "إن عباس استطاع شرح جزء من معاناة الفلسطینیین والترکیز علیها وإیصال صوته للعالم، وکان سیکون أقوى وأکثر تأثیرًا لو ذهب للأمم المتحدة بصف فلسطینی موحد، وبمنظمة تحریر قویة ومنتخبة".
وأضاف: "سیکون أقوى وأفضل لو استشار أیضًا المؤسسات والفصائل الفلسطینیة وعلى رأسها حماس، فذهابه بهذه الصورة الانفرادیة أضعف موقفه وشتت الجهود الفلسطینی، والتی کان یمکن لها أن تتوحد فی هذا الظرف التاریخی تحت خیار مقبول عربیًّا وفلسطینیًّا دون تقدیم أی تنازل کبیر ومؤلم کما قال السید أبو مازن". وتابع: "کنت أتوقع من أبی مازن أن ینبذ المفاوضات بعد عقم دام 18 عامًا منذ أوسلو إلا أنـه أبقى الباب مواربًا وهذا أمر مؤسف".وأشار إلى أن الاحتلال لم یعجبه خطاب عباس لأنه تعود منه أن یکون خطابه ضعیفًا فیه تنازلات غیر محدودة متمنیًّا "أن لا تکون مواقف عباس عبارة عن مناورات لیس إلا لاستئناف المفاوضات العبثیة".
ن/25