اللوبی الصهیونی والسیاسة الخارجیة للولایات المتحدة
تعرف الموسوعة البریطانیة کلمة "اللوبی" بأنها مجموعة من العملاء النشطاء الذین لهم مصالح خاصة، ویمارسون الضغوط على الموظفین الرسمیین خصوصا المشرعین، وذلک للتأثیر علیهم أثناء ممارسة عملهم.
أما الطبعة الدولیة من قاموس "ویبستر" فتعرف اللوبی بأنه مجموعة أشخاص یترددون على ردهات المجلس، أو أشخاص لیسوا أعضاء فی المجلس التشریعی ولا یحملون صفة رسمیة أو یشغلون مناصب حکومیة.
الکتاب: اللوبی الإسرائیلی والسیاسة الخارجیة للولایات المتحدة للکاتبان: جوم جی میرشایمر، وستیفن م. والت
فصول الکتاب المختلفة تصف حالة اللوبی الصهیونی فی الولایات المتحدة وقدرته على استمالة مواقف الإدارات الأمیرکیة لدعم إسرائیل مالیا وسیاسیا ودبلوماسیا وعسکریا أیضا.
کان للوبی الصهیونی المنظم عبر منظماته المختلفة فی الولایات المتحدة آثارا واضحة فی الإبقاء على العلاقة الإستراتیجیة الاستثنائیة بین الولایات المتحدة وإسرائیل، حیث بات المتابع لتلک العلاقة یرى إسرائیل وکأنها ولایة أمیرکیة بامتیاز خاص.
صیاغة السیاسة الخارجیة الأمیرکیة :
یؤکد الکاتبان جوم جی میرشایمر وستیفن م. والت أن الولایات المتحدة تصوغ سیاستها الخارجیة بناء على مصالحها الوطنیة. واللافت أن العلاقة الإستراتیجیة بین إسرائیل والولایات المتحدة کانت حجر الزاویة لسیاسة الأمیرکیین تجاه الشرق الأوسط منذ حرب یونیو/ حزیران 1967.
إن الاندفاع الکلی لسیاسة الولایات المتحدة فی المنطقة مرده سیاستها الداخلیة، وعلى نحو خاص نشاطات اللوبی الصهیونی، حیث استطاعت جماعات الضغط الخاصة الأخرى توجیه السیاسة الخارجیة الأمیرکیة نحو مصالحها، لکن أیا منها لم یستطع صرف السیاسة الخارجیة الأمیرکیة بعیدا عن المصلحة الوطنیة المفترضة، مع اقتناع الأمیرکیین فی الوقت نفسه أن مصالح إسرائیل والولایات المتحدة متماثلة من حیث الجوهر.
لقد اعتمد الکاتبان فی فهم قوة اللوبی وتأثیره فی الولایات المتحدة على شهادات من بعض أعضاء اللوبی الصهیونی نفسه، فضلا عن شهادات لسیاسیین عملوا معهم.
التزام أمیرکی تجاه إسرائیل
یشیر الکاتبان إلى أنه بالاعتماد على نشاط لجنة العلاقات العامة الإسرائیلیة الأمیرکیة (إیباک)، فإن الولایات المتحدة وإسرائیل صاغتا شراکة فریدة لمواجهة التهدیدات الإستراتیجیة فی الشرق الأوسط، حیث یقدم هذا الجهد التعاونی منافع هامة للطرفین.
وقد شرح الکاتبان مسارات الدعم الأمیرکی وتغیر القیمة الإستراتیجیة لإسرائیل بین فترة وأخرى، وأظهرا فی ذات الوقت تجاهل إسرائیل للکثیر من المطالب الأمیرکیة والذهاب إلى أبعد من ذلک، حیث برز إلى السطح أکثر من مرة رغبات إسرائیلیة للتجسس على الدولة التی تحمیها، وهذا یطرح بحد ذاته مزیدا من الشکوک حول قیمة إسرائیل الإستراتیجیة فی إطار المصالح الأمیرکیة الشرق أوسطیة.
لقد أوضح الکاتبان أن المساعدات الأمیرکیة لإسرائیل بمثابة نموذج خاص للعلاقة بینهما، إضافة إلى الدعم الأمیرکی الدبلوماسی لإسرائیل عبر إسقاط أی مشروع قرار فی الأمم المتحدة یدین ممارستها التعسفیة ضد الفلسطینیین.
وتقدم الولایات المتحدة مساعدات مالیة سنویة تصل إلى ثلاثة ملیار دولار، منها 60% مساعدات عسکریة و40% مساعدات اقتصادیة. کما تهب الولایات المتحدة لإنقاذ إسرائیل فی زمن الحرب وأثناء الأزمات الاقتصادیة، وتقف إلى جانبها حین تخوض مفاوضات سلام مع أطراف عربیة.
حجج أخلاقیة متضائلة
وفی سیاق عرضهما للحجج المختلفة التی تدفع الولایات المتحدة لتأیید ودعم إسرائیل فی مستویات مختلفة، یشیر الکاتبان إلى أنه وبمعزل عن القیمة الإستراتیجیة المزعومة لإسرائیل، یجادل مؤیدو إسرائیل فی کونها تستحق تأییدا أمیرکیا غیر مقید للأسباب التالیة:
1- أن إسرائیل ضعیفة ومحاطة بالأعداء.
2- أنها دولة دیمقراطیة، أی النمط المفضل أخلاقیا من الحکومات.
3- أن "الشعب الیهودی" عانى من الجرائم فی الماضی وهو یستحق معاملة خاصة.
4- أن تصرف إسرائیل کان أکثر أخلاقیة من سلوک خصومها.
ومن جهتهما یؤکد الکاتبان أن فحصا دقیقا لتلک الحجج یظهر هشاشتها، والنظرة الموضوعیة لسلوک إسرائیل فی الماضی والحاضر تدل على أنها لم تقدم أساسا أخلاقیا یمنحها امتیازا على الفلسطینیین.
وفی هذا السیاق یمکن إضافة الکثیر إلى النظرة الموضوعیة التی أظهرها الکاتبان تجاه الممارسات الإسرائیلیة التی تجعل منها دولة الإرهاب المنظم فی العالم، حیث القتل الیومی المتعمد للأطفال والنساء والشیوخ فی قطاع غزة والضفة الغربیة، ناهیک عن تدمیر المنازل واقتلاع الأشجار وجرف آلاف الدونمات من الأراضی الزراعیة الفلسطینیة.
ویؤکد الکاتبان أن الجیش الإسرائیلی اغتال مئات من أسرى الحرب المصریین فی حربی 1956 و1967، وطرد عام 1967 نحو 260 ألف فلسطینی من الضفة الغربیة وقطاع غزة، کما طرد 80 ألف سوری من هضبة الجولان المحتلة.
وأیضا کان الجیش الإسرائیلی مشارکا فی مجزرتی مخیمی صبرا وشاتیلا التی سقط ضحیتها 700 من الفلسطینیین العزل عقب غزو لبنان صیف عام 1982.
وفی هذا السیاق أکدت لجنة التحقیق الإسرائیلیة فی المجزرتین لاحقا أن رئیس الوزراء السابق أرییل شارون یتحمل مسؤولیة شخصیة عن الأعمال الوحشیة ضد العزل الفلسطینیین فی مخیمی صبرا وشاتیلا.
مکامن قوة اللوبی الإسرائیلی
یصف الکاتبان قوة ونشاط اللوبی الإسرائیلی لجهة استمالة المواقف الأمیرکیة إلى جانب التوجهات الإسرائیلیة، حیث یؤکدان أن قوته تکمن فی قدرته على أداء لعبة سیاسات مجموعة المصالح.
ففی العملیات الأساسیة لیس ثمة فوارق بین اللوبی الإسرائیلی وبین مجموعات المصالح الأخرى مثل لوبی المزارعین وعمال النسیج والفولاذ وبقیة اللوبیات العرقیة، بید أن تفرد اللوبی الإسرائیلی ینبع من فاعلیته الاستثنائیة.
ویقوم الأفراد والمجموعات التی یتشکل منها اللوبی فی معظم النشاط بما تقوم به مجموعات المصالح الأخرى وإن بطریقة أفضل. إضافة إلى ذلک فمجموعات المصالح الموالیة للعرب ضعیفة إلى الحد الذی تکون فیه عدیمة الوجود، ما جعل مهمة اللوبی الإسرائیلی أکثر یسرا لتحقیق مصالحه المرسومة بقوة تنظیمه المدعوم مالیا.
وفضلا عن ذلک ولتحقیق أهدافه العلیا یسیر اللوبی الإسرائیلی بإستراتیجیتین واسعتین معا لتعزیز دعم الولایات المتحدة لإسرائیل، حیث یؤثر بشکل کبیر عبر الضغط على مجلسی النواب والشیوخ وعلى السلطة التنفیذیة لتأیید إسرائیل على طول الخط.
وأیا تکن وجهات نظر صناع القرار والمشرعین الأفراد، یحاول اللوبی جعل تأیید إسرائیل هو الخیار السیاسی الذکی، کما یحاول تهیئة الظروف لجعل الخطاب العام الأمیرکی إلى جانب التصورات الإسرائیلیة.
ویرى الکاتبان أن أحد أسباب نجاح اللوبی فی تعامله مع الکونغرس وجود أعضاء من الصهاینة المسیحیین أمثال دیک أرمی الذی قال فی سبتمبر/ أیلول 2002 "إن أهم أولویاتی فی ما یتعلق بالسیاسة الخارجیة هو حمایة إسرائیل". ویستطرد الکاتبان بأن أهم أولویات أی عضو فی الکونغرس حمایة أمیرکا، لکن أرمی لم یقل ذلک.
وبهذا یعتبر موظفو الکونغرس الموالون لإسرائیل مصادر قوة اللوبی، وکذلک الأیباک نفسها هی شکل من أشکال القوة للنفوذ الإسرائیلی فی الکونغرس، حیث لها قدرة مالیة کبیرة على استمالة أعضاء الکونغرس إلى توجهات الإسرائیلیین.
مصاعب أمام اللوبی الیهودی
یؤکد الکاتبان أن الأیباک التی تعتبر وکیلا فعلیا لحکومة أجنبیة، تمسک بخناق الکونغرس الأمیرکی. کما یتعزز موقف اللوبی بنفوذه البارز داخل السلطة التنفیذیة فی الولایات المتحدة حیث للناخب الیهودی أثر کبیر على الحملات الرئاسیة رغم قلة مجموع الیهود فی الولایات المتحدة (أقل من3%) من مجموع السکان.
لکن رغم النفوذ الکبیر للوبی الإسرائیلی برزت مصاعب کثیرة أمامه تمثلت أساسا فی عدم القدرة على إخماد النقاش المتعلق بإسرائیل فی کلیات الجامعات المختلفة، لأن حریة الأکادیمیین تتمتع بقیمة عالیة وجوهریة، ولأنه یصعب على اللوبی تهدیدهم وإخراسهم.
ومع ذلک لم یکن هناک إلا انتقادات معتدلة لإسرائیل فی التسعینیات حین کانت عملیة أوسلو تتواصل، حیث تصاعدت الانتقادات بعد انهیار العملیة ووصول شارون إلى السلطة مطلع العام 2001.
واشتدت هذه الانتقادات على نحو خاص بعد احتلال الجیش الإسرائیلی للضفة الغربیة فی ربیع عام 2002 ومواجهته للانتفاضة الثانیة التی انطلقت من باحات الأقصى مع نهایة سبتمبر/ أیلول 2000.
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS