الجمعه 11 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

الهوان العربی.. من محمد الدرة إلى محمد البرعی

الحدیث عن "الهوان العربی" حدیث طویل ومخزی ودامی وبشع، فقد وصل حال أمتنا إلى درجة لم تصل إلیها فی تاریخها الطویل، فمن غثائیة مطلقة فی أکثر من ملیار مسلم جعلت أمة الکلاب والذباب أکرم منها فی غیرتها وهبتها، إلى دول وحکومات کان من المفروض أنها تحکم العالم بثروات حباها الله بها، غیر أن عقیدة الهوان التی تحکم شعوبنا الآن جعلت هذه الأمة کأنها "أمة قرود" ترقص فی المناسبات لترفه على آخرین دابوا على المضی قدما لسلب قیمها وحضارتها وثرواتها، وتحت عناوین مختلفة ترعاها کتبهم ومقدساتهم وتاریخهم الدموی... أحس بالقرف الشدید... أحس بالغضب... أحس بالثورة تجتاح نفسی... أحس بالأحزان وهی تحتلنی لما أقف على ما آل إلیه حالنا، من الخزی والعار والدیاثة والهزیمة والخنوع والتذلل للجبناء، أبعد هذا نرید أن نتحدث عن هوان فقط مس هذه الأمة ذات التاریخ العریق والحضارة التی أنارت العالم؟...

لو غصنا فی أعماق هذا الذل الإسلامی... الهوان العربی... السقوط الحر لقیم الأنفة والرجولة التی کانت تمیز قبائلنا وهی تتوزع فی الجزیرة العربیة... هو حدیث طویل وشاق ومتعب، لأن فیه التاریخ الضارب فی عمق التحدی، فیه معانی النبل المتجلیة عبر مسارات هذه الأمة المختلفة... فیه صوت الإنسان الذی یرفض أن یسرق إنسانیة الآخرین... فیه نبض روح تتجلى فی أعلى سموها لترفع من قیم الحیاة إلى مدارک التقدیس... فیها وفیها الکثیر جدا، لکن ماذا عسانا أن نفعل؟

أمریکا تقتل صغارنا وتثکل وترمل أمهاتنا فی العراق، وحکام العراق الجدد یتحدثون عن سیادة "دولة" أراد الجیش الترکی أن یستبیح شمالها فی تحرک عسکری تلقى الضوء الأخضر من بیت جورج بوش، لأنه لا ینطلی حتى على الحمقى أن تتحرک أنقرة تجاه عراق تحتله أمریکا وما أدراک ما أمریکا... نعم... السیارات المفخخة تقتل وتمزق أجساد فقراء وفلاحین ساقتهم أقدارهم إلى التسوق بحثا عن خبز یابس فی زمن الجوع والحصار والموت المقنن، وحکام العراق ینتفضون ضد "قاعدة" الله أعلم بأصلها وفصلها ولا أحد تساءل یوما مادور المحتل فی کل ما یحدث؟

یجوع العراقیون النشامى ونفط العراق یسوق إلى أمریکا وإسرائیل، حتى تزود البارجات والطائرات والدبابات بها لتعود وتدک حصون الأعظمیة والفلوجة والرمادی وبغداد المستباحة... أبعد هذا نأتی ونلوم غیرنا ممن ترصد لقوتنا وشعبنا وأمتنا وحکام العراق الجدد یرفضون جدولة إنسحاب المحتلین لأن البلد فی طبعته الإستثنائیة لم یبلغ بعد سن الرشد...

لو بقینا نرثی شأن العراق فی ظل المحتل الغاشم والعملاء الذین تعرت أدبارهم وهم یغطون صدورهم بالحامیات من الرصاص، لما کفانا حبرنا وما إحتوى هذا الکفن کلماتنا ولجف دمعنا وتبخر دمنا بسبب هوان لا یشبهه هوان الفئران فی جحورها عندما تحاصرها القطط الجائعة...

نعم... فی الجزائر یموت الشعب جوعا وتفتک به الأمراض ویحاصره الموت والحکام یتبارون بمستقبله فی أجندة إحتیال سمیناه الإحتیال العابر للقارات، بل یتسابقون على السفارة الأمریکیة یرجون التوجیه والترشید والأوامر وکأن حاکم الجزائر هو السفیر روبرت فورد، والعجب أنه یأتی آخرون ممن أکلوا من المائدة السریة وخضعوا للسین والجیم لیحتجوا على التدخل الأمریکی فی شؤون البلد...

مصر التی کانت أم الدنیا قبل أن تتحول إلى هم الدنیا، یأتی وزیر خارجیتها لیتبجح علنا على قطع أقدام أبناء غزة ان تجرأوا یوما على دخول أراضیها، ورئیسها یستقبل صباح مساء الوفود ومجرمی تل أبیب فی شرم الشیخ لتقدیم طقوس الولاء والرضا على المجازر التی ترتکب فی حق الفلسطینیین، ولکن عتابه الوحید عدم إستشارة محمود عباس فی کیفیة ووسیلة الذبح هل سیکون بشفرة عربیة أو بسکینة من بلاد العم سام؟

لبنان أیضا مستباح لحد لم تتمکن تلک العصابة التی تحسب نفسها مسؤولة على الشعب اللبنانی العریق من تعیین رئیسها، فیصل الولاء والعمالة للخارج بهذه الغربان حد فشلهم فی "إنتخاب" من یقودهم، بل یأتی جنبلاط ویهدد بالحرب التی لن یستطیع أبدا حمل خشبة فیها، لأن ما فیه رجولة المحاربین ولا فرسان المیدان ولا بطولة جنود الخنادق، بل قد ضمن مکانه فی باریس أو واشنطن وفی أفخم الفنادق، والحرب الأهلیة سیدفع ثمنها الشعب البریء والمسکین الذی لا ناقة له ولا جمل، أنا على یقین لو طرد هؤلاء العملاء من البلد لأستقام شأنها إلى الأبد، وما عاد فیها کل ما یحدث من مؤامرات تستهدف دول الجوار والمقاومة الباسلة التی مرغت أنف أولمرت فی تراب معفر بالدماء الزکیة...

کل الأقطار العربیة سقطت فی الرذیلة والهوان والذل... لم یبق للشعوب صوت... ولم یبق للکریم کرامة ولا للعربی نخوة ولا للشهم رجولة ولا للنبیل شرف... لم یبق للکلمات صدى فی قلوب مزقها الظلم والإحتلال الداخلی من أنظمة الفساد والعهر المتواصل والمدعوم من قوى الشر بزعامة جورج بوش، الذی زار بلداننا ورقص مع حکامنا وتسلم بطاقات الود والوفاء بالعهد...

نعم... فی ظل هوان تأتی جامعة تسمى ظلما وتجاوزا جامعة الدول العربیة، ویحدث الشقاق والنقیق والنهیق والشهیق على موعد القمة ومشارکة لبنان بلا رئیس منتخب، حتى وکأن نجاحها مقتصر على إنعقادها فی موعدها وفی مشارکة أغلب "الزعماء العرب" الذین لن یجتمعوا أبدا على ما یفید أمتهم ولا یفید شعوبهم بقدر ما یبحثون فی لقاءات العار التی تجمعهم سبل مکافحة ما یسمى بالإرهاب، وطبعا صار الرأی الآخر إرهابا وصار إنتقادهم وإنتقاد حکمهم من المحظورات التی تفوق قداسة کرامة الرسول الکریم الذی یراد من رسوم کاریکاتوریة تلطیخه والإساءة إلیه...

لقد قتل محمد الدرة على المباشر وإنتفضت الشعوب فی مسیرات تندید وغضب، وهب بابطین الکویت المحتلة لنشر دیوان کامل لشعراء یتحدثون عن خصال الفتى وشهید الأمة، وإستضاف ملک الأردن والده للعلاج، ولکن هل توقف قتل الأبریاء؟ !!

لم یتوقف أبدا ولن یتوقف مادام حکامنا من طینة فاسدة، مادام زعماؤنا لا یجتمعون إلا من أجل نهش أعراض فتیات فی سن الزهور، مادام الوزراء یتنقلون عبر عواصم العالم لأجل العربدة والسکر والزنا والفجور... فهؤلاء أعراضهم مستباحة وبناتهم فی کباریهات لندن وباریس یرقصن ویمارسن الرذیلة وعلى حساب دولهم وأموال شعوبهم الجائعة، ولا أحد کانت له الغیرة على شرفه لأنه صار ینظر إلى التخنث والعری والعلاقات المحرمة کأنها رمز من رموز تحضره وولائه للغرب، أبعد هذا ننتظر ممن زوجته تدخن وتعری بطنها على مرأى العالم أن یغار على عرض إمرأة فی غزة تصرخ بملء فیها وامعتصماه...

أیمکن أن نحتمل هبة الکرماء وزأرة الأسود من حکام لا یهمهم ما یحدث فی فلسطین أو العراق أو غیرها، بقدر ما یهمهم جسد هیفاء وهبی الذی أمنوا علیه من دماء شعوبهم، لأنه من العار أن تتعرض لحادث مرور یکاد أن یذهب برشاقتها المقدسة فی دساتیر العهر العربی... إنهم یفضلون رقص ألیسا أو تغنج نانسی عجرم ولو کلفهم الملاییر على أن یسددوا ثمن الخبز لبنات غزة الشریفات والعفیفات والماجدات...

نعم... لم یقتصر الموت والإغتیال على الدرة بل وصل إلى محمد آخر وهو البرعی الذی هز عروش الطغاة من حکام الذل والهوان العربی، سیظل دمه لعنة تطاردهم أبد الدهر، وسیظل دمه فی أعناق هؤلاء الجبناء من حکام السریر وأحمر الشفاه وحاضنات النهود... وکم هو القدر جمیل فی إختیار محمد کرمز یوحی الکثیر لو فهم العقلاء؟

یا أم محمد لا تنتظری حکامنا فهم مخنثون... ولا تنتظری شعوبنا فهی تحت الإقامة الجبریة والشریف فیهم فی إفراج مؤقت... لا تنتظری کتابنا فهم یتسابقون لنیل رضا البلاط وحدیث الفضائیات... لا تنتظری الصحافیین فأغلبهم – وحاشا الشرفاء الذین یعدون على الأصابع – مشغولون بأخبار الفنانین والفنانات وألوان ألبستهن الداخلیة وعشاقهن وبکاراتهن وزواجهن ولیالی الغرام بین أحضان هذا وصدر ذاک...

 یا أبا محمد لا تنتظرنا فنحن من الهوان صرنا أذلاء... لا تنتظرنا فقد ماتت فینا النخوة... وماتت الغیرة... ومات الکبریاء... هل نلام وحکامنا بین مخنث وفاجر یبدل هکتارات من أرض البلد مقابل أشبار من على صدر الغوانی؟...

 أبا محمد کلنا جبناء... کلنا حمقى... کلنا أذلاء... فلا تنتظر منا أحد أن یهب لینتصر لدمعة أم فقدت صغیرها الذی إنتظرت أن تملأ به حضنها خمس سنوات... أو أن یهب لیکفکف دموع ماجدات غزة اللواتی فضلن الجوع والحصار والظلام على الرکوع للعملاء... لا تنتظر محمود عباس فهو یطالب بوقف الصواریخ على المستوطنات ولم یطالب بوقف المجازر والمحرقة الصهیونیة نکایة فی حماس ورجالها، هکذا هم حکامنا یفضلون الإحتلال على إنتصار معارضة شعبیة لظلمهم وحکمهم وعارهم...

وإن کان الحدیث طویل وشاق إلا أنه وجب أن أختم صرختی هذه أن الهوان العربی إنکشف أکثر من ذی قبل لما أستشهد محمد الدرة، وهاهو ینکشف أکثر وأکثر وأکثر بإستشهاد محمد البرعی، الذی والله تمنیت أن أحمل فوق رأسی "حفاظة ماء" إستعملها من قبل لأنها والله تاج بلا منازع فی ظل حکام نسأل الله لهم الموت على طریقة شارون وفرعون...

( المقال بقلم أنور مالک – کاتب صحفی مقیم بباریس ــ موقع وطن )

  م/ن/25

 

 

 

 


| رمز الموضوع: 140319







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)