الاربعاء 16 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

تفنید نوعی لمزاعم الامریکیین والإسرائیلیین

 

نصر شمالی

 

عقب الجریمة التی ارتکبها الإسرائیلیون ضدّ رکّاب أسطول الحرّیة الأممی، الذین کانوا متوجهین بالمساعدات الإنسانیة إلى غزّة المحاصرة، صرّح بنیامین نتنیاهو قائلاً أنّ الوحید فی قطاع غزّة الذی یستحقّ المساعدة الإنسانیة هو الجندی الإسرائیلی الأسیر جلعاد شالیط.

'هل یعقل أن یصدر عن إنسان طبیعی، ینتمی إلى أی قوم أو دین أو مذهب إنسانی، مثل هذا القول الفظیع الذی أطلقه نتنیاهو؟ إنّ هذا الخزری المتهوّد فی القرن العاشر، والمرتزق فی القرن العشرین، یدّعی زوراً وبهتاناً الانتماء إلى الإبراهیمیة والموسویة وفلسطین. وهو من جهة أخرى متوحش قاتل یتخفّى بمظهر إنسان عادی متحضّر یرأس حکومة عادیة متحضّرة.

'هل یستطیع غیر الوحوش تجاهل الملیون ونصف ملیون فلسطینی المحاصرین فی قطاع غزّة کسجناء، والأحد عشر ألف فی السجون الإسرائیلیة، بل العشرة ملایین المنفیین المعذّبین أشدّ العذاب على مدار الساعة، داخل بلادهم المغتصبة وخارجها، واعتبارهم لا یستحقون الحیاة، بل لا یستحقون مجرّد الذکر؟

'إنّ تصریح نتنیاهو یقطع بأنّه وأمثاله مجرّد وحوش مزوّدة بعقول بشریة. وقد رأى العالم کیف انطلق المستوطنون الصهاینة یحتجّون على تظاهر الحکومة الأمریکیة بعدم الرضا عن فعلتهم الشنیعة ضدّ رکّاب الأسطول الأممی فی المیاه الدولیة، ویردّدون أنّهم لا یفعلون سوى السیر على خطا الأمریکیین الذین أبادوا السکان الأصلیین فی أمریکا الشمالیة. فهل یعقل أن تخطر ببال أحد عاقل إمکانیة الحوار السلمی مع هکذا وحوش؟ لیس حول حقوق الشعب الفلسطینی، بل حول وضع حدّ لمعاناته الرهیبة، بینما هم یجاهرون بقرارهم إبادته؟ '

'وهکذا فعندما یقال أنّ الأوساط الحاکمة الأمریکیة، وفی إمرتها عصابات الاستیطان الإسرائیلیة، تشکّل خطراً جدّیاً یهدّد العالم أجمع بالدمار الشامل فإنّ مثل هذا القول ینهض على أساس واقعی، وقد سمعنا الناس، حتى فی أوروبا وأمریکا، یقولون ذلک فی عهد جورج بوش الابن. غیر أنّ إمکانیة تجنیب العالم مثل هذا الخطر تستند بدورها إلى أساس واقعی، حیث الإرادة الإنسانیة الحکیمة تبقى قادرة على لجم الهمجیة المتوحشة مهما بلغ خبثها ومهما بلغت قوّتها وضراوتها. وبالطبع لا تستثنى من هذه الإرادة الإنسانیة الأممیة إرادة العقلاء والحکماء الکثر من الأمریکیین والیهود.

على مدى العقود الماضیة ارتفعت أصوات إنسانیة کثیرة، فی جمیع القارات، تحذّر من نزعة التدمیر الشامل الأمریکیة الإسرائیلیة. لقد أسهب المفکّر الفرنسی روجیه غارودی فی التحذیر من هذه النزعة، وکذلک الرئیس الکوبی فیدل کاسترو، وأخیراً المفکّر الأمریکی ناعوم تشومسکی الذی انتظرنا طویلاً سماع رأیه ومعرفة موقفه من المأساة الفلسطینیة والإجرام الأمریکی/الإسرائیلی، وهو فعل أخیراً، وأجاد فی أحادیثه قبل أیام عن الخطر الأمریکی الإسرائیلی الذی یهدّد العالم.

'غیر أنّ أیّاً من الناس الکبار فی مختلف أنحاء العالم، الذین هالهم حجم الخطر المتمثّل فی النزعة التدمیریة الإبادیة، الأمریکیة/الإسرائیلیة، لم یقترح إیقاف المقاومة وإلقاء السلاح والتسلیم للمجرمین، ولم یظهر عند أیّ واحد منهم ما ینمّ عن الیأس مهما کان تقدیره للخطر الصهیونی کبیراً، بل العکس.

أثناء زیارته الأخیرة لبیروت فنّد ناعوم تشومسکی ادعاءات الأمریکیین القائلة أنّهم یقومون بدور الوسیط الصادق النزیه بین الإسرائیلیین والعرب. قال تشومسکی أنّ العالم لم یتوصّل إلى حلّ حتى الآن لأنّ الأمریکیین یواصلون مع الإسرائیلیین (منذ إقامة الکیان الصهیونی) عملیة أخذ کلّ شیء من الفلسطینیین: الأراضی والموارد وغور الأردن والقدس..الخ، وأنّ الأمریکیین والإسرائیلیین یریدون أن یترکوا أراض قاحلة، تالفة، یستطیع الفلسطینیون تسمیتها 'دولة فلسطینیة' إن کان یطیب لهم ذلک.

'لقد کان حضور تشومسکی مؤخّراً فی المعمعة الفلسطینیة تحدیداً ضروری جدّاً. وکانت دلالة هذا الحضور، فی حدّ ذاته، مهمّة ومعبّرة، بصدد تطوّر الموقف الأممی فی مواجهة الأمریکیین والإسرائیلیین. وهو ذهب فی أحادیثه البیروتیة إلى أبعد ممّا کنّا نتوقّع بکثیر فعلاً، حیث قال أنّ 'إسرائیل' لیست سوى انعکاس للولایات المتحدة، وأنّهما کلتاهما أبادتا الشعوب الأصلیة واستوطنتا أراضیها، وتستخدمان کلتاهما الخطاب الدینی لتبریر غزواتهما. وإنّها لشهادة صریحة عظیمة الأهمیة، بألف شهادة، طالما انتظرناها من رجل مثل تشومسکی وفی مکانته الفکریة، فهو تحدّث دائماً عن قضایا الإنسان فی کلّ مکان، منحازاً إلى عدالتها، لکنّه کان مقلاًّ جدّاً فی الحدیث عن قضیة فلسطین تحدیداً وقضیة العرب عموماً.

'أمّا عن الوسیلة الأفضل لمواجهة الامبریالیة فقد قال تشومسکی أنّ تحدید هذه الوسیلة یعتمد على ما یرید المقاوم إنجازه، وأنّه إذا أراد تحقیق نتائج إیجابیة علیه العودة إلى التاریخ، والانتباه إلى الوقائع المستجدّة فی العالم، وتحدید نقاط الضعف فی النظام العالمی، ثمّ التفکیر بما یتعیّن القیام به لاستغلال الوقائع ونقاط الضعف وتحقیق النجاحات على الأرض. وقد أشار تشومسکی إلى أنّ وضع العالم أصبح أکثر تعقیداً (فی غیر صالح الأمریکیین والإسرائیلیین) مع صعود قوى استقلالیة، مثل بلدان أمریکا الجنوبیة التی ترید ممارسة سیادتها بعیداً عن جارها الشمالی، حیث (فی واشنطن) تدار عملیة العلاقات الدولیة بطریقة أشبه بقیادة عملیات المافیا، وحیث 'العرّاب' الأمریکی لا یقبل التمرّد، فالصغار یجب أن یطیعوا، لأنّ العرّاب إذا تساهل مع متمرّد فسوف یظهر متمرّد آخر.

'ویضرب تشومسکی مثلاً بما حدث مؤخّراً بصدد الملفّ النووی الإیرانی، وهو الحادث المثیر جدّاً للاهتمام، فالبرازیل وترکیا توصّلتا إلى عرض وافقت علیه طهران، ویمکن أن یغلق هذا الملف، الأمر الذی جعل حکومة الولایات المتحدة تصاب بالذعر، وتحاول على الفور قطع الطریق على الإنجاز الترکی البرازیلی، الغنی بمضمونه، بأن هرعت إلى الأمم المتحدة، واستصدرت قراراً دولیاً فارغاً من أیّ مضمون، لدرجة أنّ روسیا والصین وافقتا علیه على الفور.لقد کان الهدف الأمریکی من استصدار القرار الذی لا یقول شیئاً تحذیر الجمیع: نحن من یدیر العرض، وهؤلاء الدخلاء، کترکیا والبرازیل، لا یمکنهم القیام بمثل هذه المهمة. نحن (العرّاب) وحدنا من یقوم بهذه المهمة (المافیویة).

ن/25


| رمز الموضوع: 139829







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)