الثلثاء 15 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

فی مواجهة طرد وتشرید واستلاب الفلسطینیین ..خلق الحقائق فی الاذهان

بقلم : کارین أبوزید، المفوض العام للأونروا

قبل ستین عاما من الیوم، صوتت الجمعیة العامة للأمم المتحدة على إنشاء هیئة مؤقتة تعرف بوکالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغیل اللاجئین الفلسطینیین (الأونروا). وقد کانت مهمة الأونروا تتمثل فی التعامل مع العواقب الإنسانیة لطرد وتهجیر ما یقارب من ثلاثة أرباع ملیون لاجئ فلسطینی بالقوة نتیجة للحرب التی دارت فی الشرق الأوسط عام 1948 ولیجدوا أنفسهم وقد هجروا عن بیوتهم وابعدوا عن أراضی أجدادهم. وبعد عقدین فقط من الزمان، أحدثت حرب الأیام الستة موجة جدیدة من العنف والتشرید القسری، ونتج عنها احتلال باقی الأراضی الفلسطینیة. والیوم، فإن النفی المؤلم لا یزال نصیب الفلسطینیین واللاجئین الفلسطینیین منهم. فاحتلال الأراضی الفلسطینیة لا یزال مستمرا، ولا توجد هناک حتی اللحظة دولة فلسطینیة إضافة إلى ان حقوق الإنسان والحریات الأساسیة، والتی هی حق للفلسطینیین بموجب القانون الدولی، ما زالت مسلوبة وغیر موجودة.

الاحتلال الاسرائیلی ، والذی أنهی عقوده الأربعة،  قد أصبح راسخا أکثر مع کل انتهاک لحقوق الإنسان وللقانون الدولی فی الأراضی الفلسطینیة المحتلة. الجهات السیاسیة الفاعلة تمتلک بیدها القدرة على تصویب الأوضاع والتحدی لسیاسة الامتهان التی یکابدها الفلسطینیون. ولکن الوضع الحالی مختلف:  فإن توجه الجهات السیاسیة کان ولا یزال، وفی أحسن أحواله، یتوه فی تفصیلات الاحتلال وتجلیاته -- نقطة تفتیش هنا ترفع أو تفرض أو کیس من الاسمنت هناک یمنع دخوله أو یسمح به. وفی أسوأ الأحوال، کان التوجه یتمثل بعدم الالتفات لما یحصل من انتهاکات وأحیانا اخرى السکوت عن أو حتى مساندة ودعم الإجراءات والسیاسات التی تتسبب بمعاناة الفلسطینیین.

ومن وجهة نظری کرئیسة للوکالة المفوضة بمساعدة وحمایة اللاجئین الفلسطینیین، فإنه لمن المحیر والمربک على وجه التحدید رؤیة أن التوجه الدولی السائد یفشل -- أو یرفض-- فی منح قضیة اللاجئین الاهتمام الذی تستحقه. وعلى مدى ستین عاما، فان حالة الطرد والاستلاب لشعب بأکمله فشلت فی من ان تکون فی صلب وجوهر جهود السلام. إن نقطة الانطلاق والتی ینبغی للسلام أن یبدأ منها غائبة عن جدول الأعمال الدولی، ومرکونة جانبا باعتبارها واحدة من قضایا "الوضع النهائی"، أی أنه قد تم اقصائها کقضیة تنتمی إلى مرحلة لاحقة من عملیة المفاوضات. وفیما تستمر حالات التشرید القسری فی مختلف أنحاء الضفة الغربیة، حیث یتم طرد الفلسطینیین من بیوتهم فی القدس الشرقیة، فإننی أطرح سؤالا بسیطا: ألم یحن الوقت بعد لأولئک المنخرطین فی عملیة السلام لحشد الإرادة والشجاعة لمعالجة قضیة اللاجئین الفلسطینیین؟

وفی هذه الذکرى الستین -- ولللأسف-- للوکالة والتی سأغادرها مع نهایة الشهر الجاری، فإننی أود أن أعید ترکیز النقاش حول من تم تشریدهم وطردهم ، وأن أضع اللاجئین أنفسهم فی صلب جهود صنع السلام. ولا یظن البعض أننی مخطئة فی ذلک: لیس هناک أی نزاع واحد فی العصر الحدیث قد تم حله، ولم یتم التوصل إلى سلام دائم فی أی مکان على وجه الکرة الأرضیة ما لم یتم الاستماع لأصوات ضحایا ذلک النزاع وما لم یتم الاعتراف بالخسائر التی تکبدوها والثمن الغالی الذی دفعوه وما لم یتم مواجهة الظلم الذی تعرضوا له. إن سوابق جهود صنع السلام الأخیرة والمنهجیة التی تم اتباعها فی حل النزاعات المعاصرة تؤکد على أن إعطاء الأولویة القصوى لحل مشکلة الطرد والتشرید واستلاب الحقوق واستیعاب محنة اللاجئین لهی ضرورة، والتزام دولی وواجب إنسانی.

إن المواجهة الفلسطینیة-الإسرائیلیة معقدة وفریدة. ومن بین أبعادها التی لا تعد ولا تحصى، والتی بمجملها تتطلب الاهتمام، فإن قضیة اللاجئین والتی لم تجد طریقها للحل تعد واحدة من القضایا الأکثر ارتباطا وتعبیرا عن حالة عدم الیقین فی الحالة الإقلیمیة والوضع السائد وبمسألة استمرار النزاع. وبالتالی، فإن معالجة تلک القضیة هی شرط ضروری ولا غنى عنه فی سبیل إحراز تقدم نحو أی حل تفاوضی. إن الفشل فی التعامل مع قضیة اللاجئین والقائها جانبا لم یخدم سوى محاولة التنصل من وتبدید محوریة وأهمیة اللاجئین کمجموعة لها دور مفصلی فی توفیر السلام واستدامته. لقد خلق هذا الاهمال لقضیة اللاجیئین لدى الکثیرین حالة من الشک والاحباط حیال عملیة السلام برمتها، مما أدى بالتالی إلى تعزیز مواقف أولئک الذین یجادلون ضد مفهوم السلام ذاته.

وأیا کان، فإننی أرفض أن انهی خدمتی فی منصب المفوض العام للاونروا بنظرة متشائمة. وعوضا عن ذلک، فإننی ألح على أن نقوم باتخاذ الخطوات العملیة المطلوبة من أجل إشراک الفئات المهمشة. دعونا ندحض دعاوی المتشائمین والمشککین؛ دعونا نخلق واقعا بدیلا لنزع أسلحة أولئک الذین یفضلون العنف. إننی أناشد صانعی السلام بالاعتراف، فی خطاباتهم وتصریحاتهم، والأهم فی سیاساتهم الفعلیة بالحاجة لمعالجة حالة الطرد والتهجیر والاستلاب والتشرید الفلسطینیة. افسحوا المجال للمضمون الحقیقی بأن یحل محل الرمزیة والبلاغة الکتابیة واللفظیة. وفی الذکرى السنویة الستین للأونروا، فإننی أدعو المجتمع الدولی وأطراف النزاع للاعتراف بستین عاما من الظلم الذی حل بالفلسطینیین وذلک کخطوة أولى نحو معالجة عواقب ذلک الظلم. دعونا نقوم ببناء الحقائق فی أذهاننا من أجل خلق حقائق لسلام عادل ودائم على أرض الواقع.

ن/25

 


| رمز الموضوع: 139743







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)