غزة .. تکافیء أولمرت وتعاقب مصر
لایوجد أحد یشعر بالسعادة الآن أکثر من رئیس الحکومة الإسرائیلیة إیهود أولمرت ، ففی الوقت الذى تظاهر فیه الآلاف من الإسرائیلیین أمام الکنیست للمطالبة باستقالته على خلیفة تقریر فینوجراد ، فوجیء الجمیع بأحداث مؤسفة على الحدود بین مصر وقطاع غزة وبعملیة استشهادیة فی مدینة دیمونا لایمکن وصفها إلا بهدیة مجانیة قدمت
لأولمرت فی الوقت المناسب وکالعادة على حساب الدماء الفلسطینیة والعربیة .
وکانت الحدود المصریة مع قطاع غزة قد شهدت فی 4 فبرایر اشتباکات بین قوات الأمن المصریة وعشرات الفلسطینیین مما أدى إلى مقتل فلسطینی وإصابة 42 آخرین بینهم 38 جندیا مصریا .
وأشارت تقاریر صحفیة إلى أن الأحداث المؤسفة بدأت حینما نظم عشرات الفلسطینیین اعتصاماً عند بوابة صلاح الدین احتجاجا على قرار مصر إغلاق معبر رفح وعندما حاول هؤلاء اختراق البوابة للجانب المصری استخدمت القوات المصریة قنابل الغاز المسیلة للدموع لتفریقهم وتطور الأمر لاحقاً إلى اشتباکات استخدم فیها الفلسطینیون الحجارة، مما أدى إلى استخدام حرس الحدود المصری الرصاص الحى ورد الفلسطینیون على إطلاق النار بنفس الطریقة.
وکانت سلطات الأمن المصریة قد شرعت فی 3 فبرایر فی إغلاق الحدود مع قطاع غزة والتى کانت قد فتحت لأکثر من أسبوع إثر تمکن مسلحین فلسطینیین من تفجیر الجدار الذی یفصل رفح الفلسطینیة عن رفح المصریة فی 23 ینایر الماضی، وسماح الحکومة المصریة بعبور آلاف الفلسطینیین إلى الجانب المصری للتزود باحتیاجاتهم الأساسیة فی محاولة لتخفیف الحصار الخانق الذی تفرضه إسرائیل على سکان القطاع .
واستخدمت السلطات المصریة الأسمنت والأسلاک الشائکة لإغلاق الجدار الحدودی مع قطاع غزة، کما أجبرت قوات الأمن المصریة العالقین فى مدن العریش والشیخ زوید على الرحیل فورا إلى غزة ، وقامت دوریات مکثفة بتمشیط الطرق والأزقة والمقاهى وسؤال العابرین عن بطاقتهم للتأکد من جنسیتهم.
والإجراءات تلک لم تکن کما یعتقد بعض الفلسطینیین إذعانا من مصر للضغوط الأمریکیة والإسرائیلیة لإغلاق معبر رفح وتشدید الحصار على غزة للإسراع بإسقاط حماس وإلا لما کانت سمحت بعبور الفلسطینیین من الأساس .
لقد جاء قرار إغلاق الحدود فی إطار حرص مصر على حمایة أمنها القومى من جهة وحمایة حقوق الفلسطینیین من جهة أخرى، فإسرائیل وفی رد فعل غاضب على قرار مصر الشجاع فتح الحدود سارعت إلى تنفیذ مخطط جدید یهدف إلى التنصل من مسئولیتها کدولة احتلال والتی تلزمها بتوفیر الغذاء والطاقة لسکان غزة وسعت لتصدیر الأزمة إلى داخل سیناء أو بالأحرى إلى داخل مصر ، عبر تلمیح عدد من مسئولیها إلى احتمال قطع کافة صلات إسرائیل بالقطاع .
وهذا معناه تحویل إدارة غزة إلى مصر کما کان الوضع قبل حرب یونیو 1967، وهو مایترتب علیه ترحیل کافة مشکلات القطاع إلى مصر ومن ثم تحمیلها المسئولیة الأمنیة عن تحرکات المقاومة فیها ضد إسرائیل، خاصة ما یتعلق منها بإطلاق الصواریخ على البلدات الإسرائیلیة ، وبالنظر إلى أن هذا المخطط یحمل فی طیاته مخاطر لاحصر منها احتمال تسلل عناصر إرهابیة إلى مصر وإشعال مواجهات لاحصر لها بین الفلسطینیین ومصر وتحقیق حلم إسرائیل بتوطین الفلسطینیین فی سیناء ، جاء الموقف المصری رافضًا له جملة وتفصیلا.
وأعلن الرئیس مبارک أن مصر لن تسمح بتجویع الفلسطینیین لکنها فی الوقت نفسه تصر على ضرورة خضوع معبر رفح للاتفاقیة المنظمة لقواعد العمل به وهی الاتفاقیة التی وقعتها السلطة الفلسطینیة فی العام 2005، وتسمح لإسرائیل بمراقبة المعبر عبر دوائر تلیفزیونیة والتحکم بقرار إغلاقه وفتحه.
وبعد أن فوت الرئیس مبارک بتلک التصریحات الفرصة على إسرائیل لتنفیذ مخططها ، بدأ فی إجراء اتصالات للبحث عن حل دائم من شأنه تخفیف الحصار على غزة والالتفاف على قرار إسرائیل إغلاق کافة المعابر مع القطاع ، حیث استضافت القاهرة منذ 30 ینایر محادثات بین مصر وحماس ومصر والسلطة الفلسطینیة للتوصل لاتفاق حول آلیة لإدارة معبر رفح، ولجمع الأخوة المتناحرین على طاولة الحوار المباشر.
إلا أن ماحدث على الحدود فی 4 فبرایر جاء بمثابة انتکاسة کبیرة لجهود مصر سیکون المتضرر الوحید منه فی النهایة سکان غزة ، فمصر أعلنت صراحة أنها لن تسمح بتکرار فتح الحدود ، وذکرت بأنها تغاضت عن الاقتحام الجماعى للحدود والأراضی المصریة من قبل مواطنی غزة، تقدیرا لمعاناة السکان وتفهما بأن هذه المعاناة تأتی کرد فعل مباشر للحصار الذی یفرضه الاحتلال الاسرائیلی على القطاع.
وهذا ما جاء على لسان المتحدث الرسمی باسم رئاسة الجمهوریة سلیمان عواد حینما قال :" إن مصر دولة محترمة وحدودها غیر مستباحة، کما أن جنودها لایرشقون بالحجارة، وأن أحدا لم یقدم دعما وتضحیات للقضایا العربیة والفلسطینیة کما قدمتها مصر"، مشدداً على أن مصر لن تسمح أبدا بتکرار ماحدث لأن لها حدودا وأرضا وسیادة ومن حقها وواجبها أن تحفظها.
وتلک التصریحات تؤکد أنه لابدیل عن المحادثات لإنهاء أزمة الحصار ، أما إذا تواصلت محاولات اختراق الحدود من قبل الفلسطینیین فإن هذا یخدم فی النهایة مخططات إسرائیل التی ستجد الفرصة مواتیة لإعادة ترویج مزاعمها حول فشل مصر فی ضبط حدودها مع غزة بعد فشلها فی تصدیر الأزمة إلیها.
والتصریحات التى خرجت من داخل إسرائیل بعد العملیة الاستشهادیة فی دیمونا تسیر فی هذا الاتجاه ، وکانت عملیة استشهادیة قد استهدفت فی 4 فبرایر مرکزا تجاریا قدیما بمدینة دیمونا جنوبی إسرائیل مخلفة ثلاثة قتلى على الأقل بینهم منفذا العملیة ونحو عشرة جرحى .
وتبنت کتائب شهداء الأقصى (الجناح العسکری لحرکة فتح) ، وأبو علی مصطفى (الجناح العسکری للجبهة الشعبیة) وتنظیم ثالث یعلن عنه للمرة الأولى هو سرایا المقاومة الموحدة ، مسئولیة العملیة فی البدایة ثم أعلنت حماس بعد ذلک مسئولیتها .
ورغم أن "شبکة فلسطین" الإخباریة ذکرت أن منفذی العملیة انطلقا من مدنیة رام الله بالضفة الغربیة ولم یأتیا عبر الحدود المصریة ، زعمت الشرطة الإسرائیلیة أن الاستشهادیین تسللا عبر الحدود بعد أن خرجا من قطاع غزة حینما کانت الحدود مفتوحة طوال الأیام الماضیة بین قطاع غزة ومصر .
وتلک المزاعم لاتخلو من مغزى واضح وهو أن أولمرت قد یستخدم التوتر على الحدود والعملیة الاستشهادیة ذریعة لشن حملة عسکریة بریة یقوم خلالها بإعادة احتلال بوابة صلاح الدین ومعبر رفح وبالتالی إغلاق آخر وسیلة للاتصال بین القطاع والعالم الخارجی وتحقیق إنجاز یغطی على تقریر فینوجراد عبر أطلال غزة.
( المقال لجهان مصطفى فی محیط )
م/ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS