الجمعه 11 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

أمریکا وإسرائیل .. من یقود الآخر؟

لا یخفى أن حجم الولایات المتحدة الأمریکیة ودورها العالمی, یفرض علیها نوعًا من العلاقات التی تملیها أهدافها الاستراتیجیة, أولاً, وتتحدد بموجبها مصالحها الحیویة وغیر الحیویة. وفی ضوء ذلک تنظر إلى العالم ومنه "إسرائیل".

لکن المتتبعین لسجل العلاقات الأمریکیة "الإسرائیلیة" یثبتون خصوصیة تلک العلاقة وثباتها على الانحیاز الدائم والدعم غیر المحدود للمواقف "الإسرائیلیة", مهما أحرجت الولایات المتحدة, أو عارضت توجهاتها, على الأقل فی العلن, حتى لا ینکشف الکیان الصهیونی من ذلک الغطاء؛ کما نبه غیرُ واحد من المحللین إلى عضویة تلک العلاقة وارتدادها إلى معتقدات دینیة مشترکة.

ولیس أدلّ على مقدار التماهی بین السیاستین من هذا الذی یجری فی فلسطین على ید هذا الکیان الإجرامی, منذ خطواته الأولى, وحتى الآن. وما کان له أن یتجرأ على تلک الجرائم الوحشیة, لولا الغطاء, بل التفویض الأمریکی, والصمت العربی المضمون.

ولا أدلّ على مقدار العنایة الأمریکیة بتفوق" إسرائیل" العسکری, والاقتصادی من نسبة الدعم الذی تحظى به, بالمقارنة مع حجم المساعدات الخارجیة السنویة المقدمة من الولایات المتحدة الأمریکیة إلى العدید من دول العالم، فإن "إسرائیل" تستحوذ على نحو 25% من إجمالی تلک المساعدات. منها نحو (60%) هی قیمة المساعدات العسکریة، و(40%) قیمة المساعدات الاقتصادیة.

لکن التساؤل یبقى عن مساحة ذلک الائتلاف, المکانی والزمانی, ففی حین یُبرز بعض الباحثین دور جماعات الضغط الیهودی فی الطبقة السیاسیة الأمریکیة, ولا یکاد یعترف بسیاسة أمریکیة خاصة تنبع من الاستراتیجیة الأمریکیة تجاه العالم, والبلاد الإسلامیة, یرى طرف آخر فی "إسرائیل" الدولة الوظیفیة المرهون وجودها وفعالیتها بتلک المهمة التی أُنیطت بها. وهی مهمة تعاقدیة نفعیة بوصف "إسرائیل" ثروة استراتیجیة، أو قاعدة عسکریة, وحارسًا للمصالح الغربیة. وهی بحسب هذه النظرة وسیلة, لا غایة.

من الناحیة النظریة یمکن القول: إن المنطلقات والمحددات والدور والمخاوف التی تحتکم إلیها الاستراتیجیة الأمریکیة فی العالم والبلاد الإسلامیة, لیست تمامًا مثل مثیلاتها فی الجانب "الإسرائیلی".

السؤال الجوهری: هل ثمة اتفاق بین ما ترید أمریکا من "إسرائیل" أن تکون وبین ما ترید "إسرائیل" أن تکونه؟

ثم إن کان الجواب بالنفی: فکیف تتعامل أمریکا مع ذلک الخروج, أو المحاولات التی تتلبس بها "إسرائیل"؟

وسؤال آخر یتعلق بقدرة أمریکا على تحجیم الکیان الصهیونی, أو رغبتها فی ذلک.

وقبل الاقتراب من الإجابة لا بد من ملاحظة أمر, وهو أن الانحیاز إلى أحد الرأیین السابقین وتغلیبه على الآخر لا یعنی الاطمئنان إلى حالة سکونیة ثابتة؛ لأن المتغیرات الفکریة والسیاسیة التی تحیط براسم السیاسة الأمریکیة, وصانع قرارها تؤثر سلبًا أو إیجابًا, فالإدارة الحالیة التی تتبنى فکر المحافظین الجدد, والتی لم تمهلها أحداث 11 سبتمبر قد صارت ملزمة فی حدود أوسع من التماهی مع الأهداف "الإسرائیلیة"؛ حتى حَکَم بعض المحللین على الحرب الأمریکیة على العراق بأنها حرب عن "إسرائیل" بالوکالة, وکذا الحرب على الإسلام ومناهجه؛ بالرغم من أن الإحاطة تقتضی ملاحظة الخطط الأمریکیة السابقة لأحداث برجی التجارة العالمیة تجاه إحکام السیطرة على العراق والمنطقة.

الواضح أن الأمر متوقف على النطاق الذی یحدث فیه ذلک الاختلاف؛ إذ نجد أن أمریکا على تعاقب سیاسیها قد تساهلت مع الکیان الصهیونی فی فلسطین, وترکت لحلمه الکامل فیها أن یتمادى... ومواقفها باتت واضحة ومعلنة من الاستیطان والقدس الموحدة، حتى إنها اقتربت من أکثر الاتجاهات الصهیونیة یمینیة وتطرفًا, من المنادین بفکرة "الوطن البدیل". وأطلقت ید الکیان المجرم, فی فلسطین وما حولها, تحقق حلمها, أو لا تحققه, قتلاً مشتهى, وحقدًا مریضًا...

وأما خروجها عن نطاق فلسطین فهو من منطلق الصفة الوظیفیة التی تطلع بها "إسرائیل" فإن أمریکا تسمح لها ببعض الامتیازات والمکاسب, مقابل خدمات تؤدیها, کما فی العراق, ولکنها لا تسمح لها بتجاوزها, أو حتى الشراکة معها.

لکن, مهما بلغ التعاطف مع الیهود من مدى بحسب الإدارة الممسکة بالقرار الأمریکی؛ هل یمکن أن تسمح دوائر القرار الأمریکی بالرغم مما یقال عن اللوبی الیهودی والمنظمات الأمریکیة الیهودیة, " إیباک" هل یمکن أن تسمح أمریکا لنفسها بالاستلاب والانقیاد للأجندة "الإسرائیلیة"؟! وهی ترى الحرکة العمیقة للأمة الإسلامیة تتجه نحو الانعتاق من النفوذ الأجنبی, وعلى رأسه الأمریکی, وهی ترى کذلک کیف تحولت صورتها فی العالم, وفی العالم الإسلامی على وجه الخصوص, وکیف تطور عداؤها معه لیصبح مکشوفًا وعسکریًا مباشرًا!!

ارتفعت فی الولایات المتحدة مؤخرًا أصوات مفکرین وراسمی سیاسة من الطبقة السیاسیة الشاملة, تنتقد التأیید المطلق الذی تبدیه الإدارات الأمریکیة لـ"إسرائیل", وباعثهم إلى ذلک الانتقاد الآثارُ السلبیة التی یجنیها من الدور الأمریکی فی العالم, ومنه العالم الإسلامی الذی تنامى فیه الکُرْه للولایات المتحدة؛ فتأثرت مصالحها, وتعسرت مشاریعها, وأضحت عالیة الکلفة.

ومن أولئک المنتقدین بریجنسکی فی کتابه: «الفرصة الثانیة: ثلاثة رؤساء وأزمة القوة الأمریکیة العظمى» وهاجسه فیه الدور الأمریکی العالمی. فی کتابه هذا یتناول سیاسة کلینتون, و یشیر إلى أسلوبه الانتهازی فی صناعة القرار, وقیادة أمریکا من وسیط أمین فی الصراع العربی "الإسرائیلی" إلى متحدث باسم "إسرائیل".

ویرى أن سیاسة أمریکا. قد انحرفت تحت کلینتون من "سیاسة متوازنة" إلى منحازة لـ"إسرائیل". وقد جرى تجنید طاقم کلینتون من مراکز تفکیر ومعاهد موالیة ومؤیدة لـ"إسرائیل". ویظهر بریجنسکی انشغاله بالدور العالمی للولایات المتحدة, وإیثاره له فی تقییمه لأداء کلینتون, حین یقول: "على الرغم من نجاحات کلینتون فی العدید من الملفات وبخاصة الاقتصادیة إلا أنه لم یترک بصمة واضحة تاریخیة على العالم".

ویوجه انتقادًا کذلک إلى بوش الأب والابن اللذین قربا المحافظین الجدد... یقول: "جاءت استراتیجیة بوش کمزیج من الصیاغات الإمبریالیة التی وردت فی وثیقة الأمن الوطنی لعام 1991 والتی أعدها مسئولو الدفاع آنذاک فی إدارة بوش الأب (الکثیر منهم عادوا فی إدارة بوش کمستشارین) والأفکار الصدامیة الهجومیة فی نظرة المحافظین الجدد الذین یوجد لهم هوسه فی الشرق الأوسط. وقد سمیت بـ "الحرب على الإرهاب" عاکسة بذلک الهموم الإمبریالیة القدیمة حول السیطرة على ثروات الخلیج, وکذلک رغبة المحافظین الجدد فی تعزیز أمن "إسرائیل" من خلال القضاء على نظام صدام حسین".

ویرجع بریجنسکی معاداة المسلمین لأمریکا إلى دورها الداعم لـ"إسرائیل" واستمرارها على النهج الاستعماری لأسلافها البریطانیین: "إن معاداة أمریکا فی العالمین العربی والإسلامی لیست بسبب کره المسلمین للحریة کما قال بوش وإنَّما لتماهی سیاسة أمریکا مع الماضی الإمبریالی البریطانی وحاضر السیاسة "الإسرائیلیة". وبالتالی انتقد بریجنسکی أن فکرة الدیمقراطیة هی الحل لمعضلة أمریکا فی الإقلیم."

ویطالب کارتر فی کتابه "فلسطین.. سلام لا فصل عنصری" بدور أمریکی أکثر نزاهة واعتدالاً؛ من أجل اتقاء الخطاب الناجح للقوى "الرادیکالیة والمتطرفین" الذین سیسعون لتقویض مکاسب السلام, وحتى لا یتصاعد "الإرهاب العالمی" الموجه للولایات المتحدة, معتبرًا أن التساهل الذی تبدیه الإدارة الأمریکیة إزاء سیاسات المصادرة واستعمار الأراضی الفلسطینیة تعزز تلک المخاطر.

کما ینطوی تقریر بیکر هاملتون- الذی قام علیه جمهوریون ودیمقراطیون من ساسة کان هاجسهم مأزق أمریکا فی العراق, وما یسببه ذلک من أثر سلبی على موقع أمریکا وهیبتها العالمیة- على دلالات, ولو تلمیحیة, إلى ما تمثله "إسرائیل" من عنصر معیق للأهداف الأمریکیة الطامحة فی استقرار یضمن لها دوام مصالحها فی المنطقة ووجودها فیها. وکان جیمس بیکر قد صرح بأن على "إسرائیل" أن تتخلى عن حلمها فی دولة "إسرائیل" الکبرى, حین کان وزیر خارجیة أمریکا أیام بوش الأب.

وأما الدکتور هنری کیسنجر, الیهودی المتعاطف مع الصهیونیة, فقد نصح "إسرائیل" مؤخرًا بقبول حل الدولتین بسرعة؛ لأن هناک متغیرات دولیة قد تضرها کثیرًا؛ لأن استمرار الوضع الحالی غیر ممکن؛ لأنه یزید رقعة العنف والإرهاب وهو یمکن أن یجعل أوروبا وأمریکا تشعران بأن "إسرائیل" سبب فی هذا الأمر, ومن ثم فهی عبء على الحضارة الغربیة .

ولم یکن ما یجری فی الولایات المتحدة من توجهات ربما تبدو جدیدة تجاه "إسرائیل" بعیدة عن أعمال مؤتمر "مرکز تخطیط سیاسات الشعب الیهودی" الذی حضره بالإضافة إلى قادة "إسرائیل" رؤساء الجالیات الیهودیة، ومفکرون ورجال أعمال یهود من جمیع أرجاء العالم، للتباحث فی المشاکل التی تواجه الوجود الیهودی فی العالم. وانتهى بتاریخ 12 یولیو 2007. فقد ناقش المؤتمر جملة التحدیات الاستراتیجیة التی تواجه الیهود فی العصر الحالی، وکان من أبرزها التداعیات الخطیرة للجدل الذی یدور حول دور الولایات المتحدة فی العالم، سواء خارج أمریکا وحتى داخلها، وإمکانیة أن یحدث تغییر فی توجه الولایات المتحدة العالمی، وتحدیدًا فی الشرق الأوسط، حیث تشیر دراسة إلى أن "إسرائیل" ستکون أکثر الدول التی ستضرر من ذلک.

کما أبدى المؤتمر قلقه من تعاظم الهجمات على الجالیات الیهودیة فی الولایات المتحدة وعلى شرعیة "إسرائیل" فی الوجود کدولة یهودیة، مما یؤدی إلى تردی النفوذ السیاسی جماعات الضغط الیهودیة.

فهل سینجح الکیان الغاصب فی الاحتفاظ بأفضلیته؟ بما یستخدم من شعارات الدیمقراطیة والعالم الحرّ العقلانی الذی یعتبر نفسه جزءًا منه, فی مقابل عالم إسلامی یحفل بـ"التطرف" و"الإرهاب" و"التخلف" وغیر ذلک من خطاب یستهدف استدرار عواطف الشعب الأمریکی والأوروبی, علمًا أن الإحصاءات التی کشفت عن رؤیة الأوروبیین, مثلا, لـ"إسرائیل" لا تدل على کبیر نجاح لتلک الشعارات التی لا یتوقف الکیان الصهیونی عن عَلْکها.

وهل ستبقى أمریکا قادرة على هذا الانحیاز المطلق لکیان العدو فی ظل متغیرات تحیط بمکانة الولایات المتحدة الدولیة, وانشغالها الکبیر بمصالحها المهددة, وفی ظل صعود نسبی لقوى سیاسیة کروسیا واقتصادیة کالصین والهند, ومع أوضاع غیر مستقرة فی العالم الإسلامی, ولأنظمته الحاکمة, وفی ظلّ تجاذبات فی غیر بلد من بلدان المنطقة وجوارها, وعدم قدرة أمریکا على حسمها؟!

من الواضح أن الکیان الصهیونی الهشّ, لم یبلغ أن یتوسع بقدراته الذاتیة, وقصارى ما یطمح به أن یزج الولایات المتحدة فی صراعات مع دول المنطقة, وقد واتتها فرصة بعد هجمات 11 سبتمبر فخاضت أمریکا على أفغانستان والعراق عدوانًا, لم یکن دافعه الوحید الأهداف" الإسرائیلیة" و لا تسمح تلک المعطیات التی تضافرت حینها بتعمیم حالة من الاستلاب الأمریکی لصالح" إسرائیل" على صعید القضایا العالمیة, وقضایا العالم الإسلامی, ویبدو من الإمعان فی الأحلام الحدیث عن دولة "إسرائیل" الکبرى التی تمتد من النیل إلى الفرات, بعد أن أرغمت أمریکا الأعظم منها قوة على خفض سقف الأهداف التی صحبها خطاب یستعدی کل قوة لیست معها...

ولا ریب أن اتساع العلاقة وقوتها , أو الهامش الممنوح لـ"إسرائیل" أمریکیا متأثر بالطبقة السیاسیة الأمریکیة المتشکلة والعقیدة السیاسیة للإدارة المتنفذة؛ المتأثر بدوره, بحرکة الأمة الإسلامیة وصعود حرکات المقاومة فیها والتغییر.

المصدر: (  المقال للدکتورأسامة عثمان (فلسطین ) فی الإسلام الیوم )

م/ن/25


| رمز الموضوع: 139404







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)