الجمعه 11 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

العلاقات الإسرائیلیة ــ السعودیة

یبحث هذا المقال فی آفاق العلاقات السعودیة الإسرائیلیة، خصوصاً بعدما أشیع فی وسائل الإعلام من عقد لقاءات سریة بین مسؤولین إسرائیلیین وآخرین سعودیین.

لقاءات عام 2006 وأهدافها

فی شهر أیلول/ سبتمبر من عام 2006، نشرت وسائل الإعلام الإسرائیلیة تقاریر عن لقاءات رفیعة المستوى بین مسؤولین إسرائیلیین وسعودیین. وأشارت التقاریر إلى أن تلک اللقاءات کانت ذات طبیعة سیاسیة، على خلاف اللقاءات السابقة التی عقدت بین شخصیات سعودیة وإسرائیلیة، بشکل مباشر أو غیر مباشر، بهدف تبادل المعلومات الاستخباراتیة أو عقد صفقات اقتصادیة. وذکرت بعض هذه التقاریر أن أولمرت التقى فی الأردن بمسؤول سعودی کبیر قد یکون الملک عبد الله نفسه. کما ذُکر أیضاً أن لقاءات عدة جمعت مسؤولین إسرائیلیین بالأمیر بندر بن سلطان. لکن الجهات الرسمیة السعودیة التی طالما تجاهلت مثل تلک التقاریر، عاجلت هذه المرة إلى نفی ما ورد فی الإعلام الإسرائیلی، وکان الأمیر سلطان بن عبد العزیز، وزیر الدفاع السعودی، الصوت الأعلى فی إصدار مثل تلک التصریحات، معتبراً أنه من الغباء الاعتقاد بأن أی سعودی قد یلتقی بأی إسرائیلی، ناهیک عن لقاءات بین مسؤولین من الطرفین.

وعلى الرغم من النفی السعودی لأی لقاءات مع أطراف إسرائیلیة، وهو نفی یحمل رسالة موجهة إلى داخل السعودیة، فإن المصادر تؤکد حصول عدة لقاءات خلال عام 2006 وبدایة عام 2007 بین الأمیر بندر ومسؤولین إسرائیلیین؛ فی حین تنفی المصادر ما أشیع عن لقاء بین أولمرت والملک عبد الله، إذ إن هذا الکلام یعبر عن آمال وتطلعات إسرائیلیة، أکثر مما یعبر عن فهم إسرائیلی للدینامیکیات السیاسیة السعودیة. فالسعودیة لا یمکن أن تقدم على مثل هذه الخطوة الکبیرة ما لم تکن متأکدة من تحقیق نتائج مهمة من ورائها. ففی بدایة عام 2007 نشرت دوریة سعودیة معارضة تصدر فی لندن، تقریراً قالت فیه أن السفیر السعودی فی الولایات المتحدة الأمریکیة، ترکی الفیصل، اجتمع برئیس الموساد الإسرائیلی مائیر داجان. فی حین لم یؤکد الأخیر الخبر أو ینفیه، ویرجح أن یکون ما ورد فی التقریر قد جاء على خلفیة الصراعات الداخلیة التی تعیشها الطبقة السعودیة الحاکمة.

وتقول مصادر مطلعة أن الشأن الفلسطینی هو الذی طغى على المحادثات التی جرت بین الأمیر بندر والمسؤولین الإسرائیلیین. إذ حاول الطرف السعودی تغییر وجهة نظر إسرائیل تجاه مبادرة السلام العربیة التی أطلقها الملک عبد الله فی مؤتمر القمة العربیة الذی عقد فی بیروت عام 2002. فی حین لم یتم التطرق إلى القضایا الأخرى المهمة فی الأجندة السعودیة مثل الوضع فی العراق، والبرنامج النووی الإیرانی، إذ لا یرى السعودیون فی الإسرائیلیین الطرف المناسب للتحدث معه فی مثل هذه المواضیع. إلا أن المحادثات بین الطرفین توقفت فی بدایة عام 2007، بسبب التطورات التی شهدتها الساحة الفلسطینیة ورعایة السعودیة للمصالحة بین فتح وحماس وما تبعها من تشکیل حکومة وحدة وطنیة فلسطینیة کانت المملکة تأمل بأن تشکل نقطة قوة تسبق بلورة مفاوضات جدیدة بین الإٍسرائیلیین والفلسطینیین. وهی فرصة ضاعت من ید السعودیة بعد تطورات الأحداث على الساحة الفلسطینیة وسیطرة حرکة حماس على قطاع غزة. وبسبب هذه التطورات على الساحة الفلسطینیة وربما بسبب عدم رغبة السعودیین بتوسیع دائرة الحوار مع الإسرائیلیین لتشمل ما هو أکثر من الشأن الفلسطینی، علقت اللقاءات بین الطرفین. الجدیر ذکره هنا، أنه منذ سیطرة حماس على قطاع غزة وإقامة حکومة بدیلة فی الضفة الغربیة، تمسک السعودیون بضرورة توحید الصف الفلسطینی واستمروا فی محاولات رأب الصدع بین الطرفین الفلسطینیین المتناحرین.

الموقف السعودی من إسرائیل

شهد الموقف السعودی من إسرائیل تطورات کثیرة. فمنذ منتصف الخمسینیات وحتى أواخر السبعینیات، تمسک السعودیون برفض حق إسرائیل فی الوجود. ثم تغیر الموقف السعودی من إسرائیل بعد اغتیال الملک فیصل عام 1975. وبعد مبادرة السادات للسلام عام 1977، لم تعد طرفاً محوریاً فی الصراع العربی الإسرائیلی، وحلت محلها أطراف عربیة متطرفة هی سوریا وبغداد. وبسبب علاقاتها الممیزة مع الدول الغربیة، لم ترغب السعودیة فی أن تخضع لهذه القیادة المتطرفة. وفی عام 1981، قدم ولی العهد السعودی آنذاک، الملک فهد، مبادرة من ثمانیة بنود، رأى فیها أن السلام فی المنطقة یتطلب أن تنسحب إسرائیل إلى حدود عام 1967 وتقیم دولة فلسطینیة مستقلة عاصمتها القدس. ومن بین البنود الثمانیة التی اشتملت علیها المبادرة لم تتطرق مبادرة الملک فهد إلى الانسحاب من الجولان سوى فی بندین، أما الستة الباقیة فکانت مخصصة للصراع الإسرائیلی الفلسطینی. وبعد عشرین عاماً، أی فی عام 2002، قدم الأمیر عبد الله، ولی العهد السعودی آنذاک، مبادرة جدیدة، لم تخرج عن إطار المبادرة التی قدمها الملک فهد، سوى فی کون، ولی العهد السعودی حینها، الملک عبد الله، عکس فی مبادرته التطورات والمتغیرات التی شهدها الصراع العربی الإسرائیلی خلال عشرین عاماً.

وبناء على مبادرتی الملک فهد والملک عبد الله، بذل السعودیون جهوداً حثیثة خلال السنوات الماضیة من أجل التقدم باتجاه إیجاد حل للمشکلة الفلسطینیة، وهی جهود ظهرت جلیة فی المحادثات التی أجریت بین المسؤولین السعودیین ونظرائهم فی الولایات المتحدة والاتحاد الأوروبی بهذا الخصوص؛ کما ظهرت جلیة أیضاً فیما بذله الأمیر بندر بن سلطان من مساعٍ من أجل مساعدة الرئیس الأمریکی جورج بوش الأب على عقد مؤتمر مدرید عام 1991، حین کان یشغل منصب سفیر السعودیة فی الولایات المتحدة؛ أو فی مساعیه لإقناع الرئیس الفلسطینی یاسر عرفات بقبول مبادرة باراک. وحتى هذا الیوم ما زال بندر بن سلطان یصف رفض عرفات لمبادرة باراک بأنه "جریمة".

لم یرَ السعودیون أنفسهم، فی أی مرحلة من المراحل بأنهم وسطاء بین السوریین والإسرائیلیین، بل کانوا یعدّون أنفسهم وسطاء بین الفلسطینیین والأمریکیین، حیث بذلوا جهوداً کبیرة فی السبعینیات من أجل أن تعترف الولایات المتحدة الأمریکیة بمنظمة التحریر الفلسطینیة. وفی السنة الماضیة، أصبح السعودیون وسطاء بین الفلسطینیین وإسرائیل. وعلى الرغم من الجهود السعودیة فی مجال الوساطة بین الفلسطینیین وإسرائیل، إلا أنها تعکس تقدماً فی الدبلوماسیة السعودیة وفی موقفها من دولة إسرائیل. وهذه الرغبة السعودیة فی لعب دور الوسیط بین الطرفین، یجب دفعها إلى الأمام، ولکن بحذر، مع فهم القیود الداخلیة وأثرها على التحرکات السعودیة ومنعها حتى الآن قیام حوار علنی مفتوح بین السعودیة وإسرائیل. وبالتالی فإن المحادثات التی جرت بین الأمیر بندر بن سلطان والإسرائیلیین فی عام 2006، کان من ناحیة، استمراراً للموقف السعودی الذی رأى أن المعضلة الفلسطینیة هی النواة الصلبة فی الصراع العربی الإسرائیلی؛ ومن ناحیة أخرى محاولة للتفلّت من القیود الداخلیة المفروضة على مثل هذا الحوار.

وعلى الرغم من التقدم الذی شهده الموقف السعودی الأساسی من إسرائیل، فإن المملکة رفضت عقد محادثات مباشرة مع إسرائیل، فی حین لعبت أدواراً أخرى فی دفع القضیة الفلسطینیة قدماً. وقد رأى المحللون فی الثمانینیات هذا الموقف بأنه خوف سعودی من العناصر الإرهابیة الفلسطینیة، کما رأوا فی تمویل السعودیة لبعض الجهات فلسطینیة مختلفة على أن المملکة تشتری بذلک أمنها من أجل ضمان استقرار واستمراریة النظام الحاکم فیها. کان الخوف السعودی على الناحیة الأمنیة فی تلک السنوات مبرراً، ولکن بعد عقد مؤتمر مدرید، ثم المحادثات المباشرة بین الإسرائیلیین والفلسطینیین فی التسعینیات، رضی السعودیون بطلب الولایات المتحدة وأرسلوا ممثلین رسمیین لهم إلى المحادثات المتعددة الأطراف. کما أبدى أمراء سعودیون، منهم الأمیر بندر بن سلطان، رغبتهم بلقاء شخصیات إسرائیلیة غیر رسمیة کدلیل على حسن النوایا والرغبة فی بناء الثقة بین الطرفین. طبعاً هذه اللقاءات کانت بعیدة عن الأضواء ولم تحظ بالتغطیة الإعلامیة.

إن القلق السعودی من تسرب الأخبار عن اللقاءات مع الاتصال بالإسرائیلیین لا یشیر بالضرورة إلى القلق من الساحة العربیة أو الفلسطینیة، بل من السیاسة الداخلیة السعودیة. فهذا القلق تثیره ثلاثة عوامل لها تأثیر مباشر على السیاسة ونظام الحکم، کما على البنیة الاجتماعیة فی المملکة. وهذه العوامل هی:

أولاً: الموقع المهم الذی تحتله المؤسسة الدینیة فی السعودیة، وتأثیرها على مختلف مناحی الحیاة فیها، ومقاربتها السلبیة تجاه الیهود. علماً أن النظام الحاکم فی السعودیة یعتبر هذه المؤسسة الدینیة شریکاً استراتیجیاً له، وجزءاً أساسیاً من التحالف الحاکم، وبالتالی فإن العائلة الملکیة مجبرة على أخذ آراء هذه الطبقة بعین الاعتبار، بما فی ذلک مقاربتها للیهود ودولة إسرائیل.

ثانیاً: المقاربة المحافظة التی تتبناها قطاعات واسعة من المجتمع السعودی، بتأثر من المؤسسة الدینیة، وهذه القطاعات لیست کلها موالیة للعائلة الحاکمة، بل إن منها من هو معارض لها أیضاً.

ثالثاً:  الصراع من أجل البقاء فی السلطة، فالعائلة المالکة السعودیة التی تحتکر الحکم، تجهد کثیراً من أجل إبقاء الوضع على ما هو علیه، وبالتالی فإنهم یعرضون عن أی خطوة من شأنها أن تثیر معارضة لهم، خاصة من المؤسسة الدینیة والعناصر المحافظة فی المجتمع. ولهذا السبب بقیت سیاسة العائلة الحاکمة لسنوات طویلة سیاسة محافظة. ونتیجة لذلک ابتعد العدید من القادة والأمراء السعودیون عن إقامة علاقات مفتوحة ومباشرة مع المسؤولین الإسرائیلیین. حتى الأمیر بندر بن سلطان الذی شارک بفعالیة فی قمة کامب دیفید عام 2000، ظلت مشارکته من وراء الکوالیس؛ ولذلک لا یمکن استغراب موقف والده الأمیر سلطان الذی أنکر فیه بشدة حصول أی اجتماعات مع مسؤولین إسرائیلیین عام 2006.

احتمالات عقد حوار مفتوح بین السعودیة وإسرائیل

على الرغم من الرغبة السعودیة المتزایدة فی تبنی دور فعال فی إیجاد حل للصراع العربی الإسرائیلی، فإن السعودیة ما زالت تتمسک بوجهة نظرها بأن القضیة الفلسطینیة، التی یکمن حل معضلتها بإقامة دولة فلسطینیة مستقلة عاصمتها القدس، هی النواة الصلبة والأساسیة فی الصراع العربی الإسرائیلی. إن التحول المهم الذی حدث فی الاقتصاد السعودی، وخاصة بعد ارتفاع أسعار النفط فی السنوات الأخیرة یقلل من سلطة العناصر الرادیکالیة فی العالم العربی، ولکن ذلک، لم یدفع السعودیة إلى لعب دور علنی ومفتوح فی حل القضیة الفلسطینیة، بل هی تستمر فی البحث عن دعم عربی لمبادرة الملک عبد الله، حتى ولو کان ذلک مقتصراً على الدول العربیة المعتدلة. إن بنیة النظام الحاکم فی السعودیة، وبتحدید أکثر التحالف المتین والإستراتیجی بین المؤسسة الدینیة والعائلة المالکة، هو الذی یحول دون دور رائد للملکة العربیة السعودیة فی القضیة الفلسطینیة والصراع العربیة الإسرائیلی، وطالما استمر هذا التحالف على الشکل الحالی الذی هو علیه، وطالما بقیت المؤسسة الدینیة على موقفها المعادی للیهود ولدولة إسرائیل، فإن المرجح أن تبقى السیاسة السعودیة المترددة تجاه إسرائیل هی السائدة، بما فی ذلک قلق الجهات المعنیة من الحوار المفتوح والتعاون بین الطرفین السعودی والإسرائیلی. وهذا یعنی أنه لن یکون هناک تحسن وزیادة فی التعاون بین السعودیة وإسرائیل فی القضایا ذات الأهمیة الإستراتیجیة، مثل الطموح الإیرانی، والوضع فی العراق؛ إلا أنه من المتوقع أن یستمر الحوار السری بین الطرفین بخصوص القضیة الفلسطینیة. إن توسیع التعاون السیاسی بین السعودیة وإسرائیل، سوف یصبح متاحاً فقط حین یحدث تغییر فی الائتلاف السعودی الحاکم، یخف معه تأثیر المؤسسة الدینیة على الحکومة والمجتمع، ویزداد فیه تأثیر القوى المحلیة التی تتطلع إلى تعزیز اللیبرالیة وتحقیق قدر أکبر من الانفتاح تجاه العناصر غیر الإسلامیة فی الدولة.

( المقال لا یعبر بالضرورة عن رأی الموقع )

( المصدر : العنوان الأصلی:  The Israel – Saudi Relations: What Lies ahead? للکاتب: أنات کورز Anat Kurz   ــ دوریة  Strategic Assessment الصادرة عن مؤسسة دراسات الأمن القومی الإسرائیلی The Institute for National Security Studies، العدد 2، مجلد رقم 10)

ن/25

 

 

 

 


| رمز الموضوع: 139387







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)