الجمعه 11 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

باسم المظلومین والبؤساء

 

 بقلم سلیم الحص رئیس وزراء لبنان الأسبق

 

باسم المواطن المُعذّب،

باسم ذاک الذی لا یجد قُوتاً لأطفاله،

باسم ذاک الذی لا یملک ثمن الدواء لأهله،

باسم ذاک الذی لا قدرة له على الوفاء بإیجار منزله،

باسم ذاک الذی لا یستطیع تحمّل تکلفة تعلیم ابنه،

باسم ذاک الذی یلهث وراء العیش الکریم له ولعائلته،

باسم من غادر وطنه وبارح أهله وخلاّنه إلى أقاصی الأرض

سعیاً وراء الرزق الحلال والعیش الکریم والأمل الضائع،

باسم المعذب فی أرض لبنان، لغیر ما ذنبٍ اقترفه،

باسم البائسین الأبریاء، نتوجّه إلى اللاعِبین على حلبة الســــــیاسة فی لبنان بکلمة فنقول:

ارحموا هذا البلد، ارحموا هذا الشعب، ارحموا هذا الوطن. ارحموا الفقیر الذی یشقى، فهو یسعى إلى الرزق الحلال فلا یجد فرصة للعمل الشریف، ویتطلّع إلى مَن یأخذ بیده فیجد من ینعمون بثروات خیالیة وبینهم مَن هُم منشغلون بترفهم ورفاههم وترحالهم فی أصقاع الدنیا.

ارحموا المواطن الذی بات یفتقد أبسط مقوّمات العیش الکریم، یفتقد الاستقرار الأمنی والاجتماعی والسیاسی، ویفتقد الأمل فی غدٍ أفضل له ولعیاله.

ارحموا ضحایاکم، أولئک الذین أوقعتموهم فی أتون النزاعات الفئویة، فإذا بهم غارِقون فی الدفاع المستمیت عن حقوق، أو ما صوّرتم لهم أنّها حقوق، مذاهبهم وطوائفهم، وأوهمتموهم أنّ زعیم الجماعة هو الذائد عن تلک الحقوق وهو الکفیل بتحقیقها بما حباه الله من مواهِب خارِقة، منها ذرابة اللسان وحسن المناورة والانتِفاخ أمام ذَوی الحاجة من أتباعه والمتحلّقین من حوله، والمزایدة فی التوأمة بین المصالح الفئویة المزعومة ومصیر الوطن والأمّة.

ارحموا هذا الوطن الصغیر الذی جعلتم منه ملعباً للکبار. لیس بین القوى الخارجیة الفاعلة من لا یتدخّل فی شؤون بلدنا الداخلیة، حتى فی تفاصیلها ودقائقها، وذلک بفضلکم أیها السـاسـة الکرام. نقول بفضلکم، والفضل فی هذا السِـیاق من الآثام فی حقّ الوطن. فما کان للتدخّلات الخارجیة هذا الدور الفاصل فی حیاتنا الوطنیة لولا ولاءاتکم المشتّتة. معظمکم أیها الســــاسة یدین بالولاء لهذه القوة الخارجیة أو تلک على الساحة الإقلیمیة أو الدولیة.

المنطقة، کما هو واضح بجلاء، هی الیوم مسرح لصراع شدید، یُنذر أحیاناً بالانفِجار بین محورین، حتى لا نقول بین معسکرین، هُما من جهة محور سوریا وإیران ومن جهة أخرى محور أمیرکا وإسرائیل. ومن سُـــوء طالعنا أننا فی لبنان نقبع على خطّ التماس فی هذا الصِدام نتلقّى الضربات یُمنة ویُسرة.

ولعــل هذا الواقــع المریر قائم لیـــــس لأن البلد تحوّل على أیدیکم، یا ساسة لبنان، ملعباً تدیرون على ســـاحته أحابیلکم ومناوراتکم وألاعیبکم فحسب، بل ربما أیضاً لکون بلدنا یتمتّع بقیمة استراتیجیة إقلیمیاً تتعدّى حجمه الســــــکّانی أو امتداده الجغرافی. فهو فی حجمه السکّانی ومساحته الجغرافیة قــد لا یتعــدّى ما یوازی حیّاً فی مدیـنة کبیرة من مدن الغرب، ولکن قیمته الاستراتیجیة تستقطب قوى العالم أجمع بفعل موقعه على بوابة المنطقة، کما بفعل انتشاره الاغترابی الواسع فی شتى أصقاع الدنیا، وکذلک بفعل جهازه الإعـلامی المتمیّز الذی ینشــط داخل لبـــنان وفی المنطقة جمعاء عبر وسائل الإعلام المکتوب کما المرئی والمسموع. وکان لمقاومة شعبه للعدوان دویّ هائل فی أرجاء العالم.

أظهرنا نحن اللبنانیین، عند مفاصل متعدّدة، أننا نستطیع أن نقول «لا» للدولـة العظـمى إذا کـان الأمـر یتـعـارض مـع مصـالحـنـا الوطنـیـة أو القومیة. فاکتشفنا أن قوّتنا السلبیة فی الاعتراض تستطیع أن تعطّل أعظم قوّة فی العالم. کان ذلک عند صدور القرار 1559 عام ,2004 ذلک القرار الذی صاغته الدولة العظمى أمیرکا بالتعاون والتنسیق مع فرنسا، والذی أدرج المقاومة فی عداد المیلیشیات التی نصّ على حلّها وتجریدها من السلاح. فقال لبنان «لا» وما زال على موقفه، حمایة للمقاومة ما دامت هناک أرض لبنانیة ترزح تحت الاحتلال وما دام هناک أســـــرى لبنانیون فی المعتقلات الصهیونیة وما دامت الدولة الصهیونیة لا تنقطع عن شنّ اعتداءاتها شِبه الیومیة فی اختراق طیرانها الحربی الأجواء اللبنانیة واختراق أســطولها المیاه الإقلیمیة اللبنانیة، ولا تتورّع بین الحِین والآخر عن شنّ هجمات على أرضنا.

کانت اعتداءات إسرائیل عبر الحدود اللبنانیة الجنوبیة متواصلة منذ عقود من الزمن، ثم کان الاجتیاح الأول للجنوب اللبنانی عام ,1978 وکانـت اعـتداءات ومجـازر لا تُحصى نفّذتها القوة العسکریة الصهیونیة عبر السنین، وکانت الحرب الغاشمة التی شنّتها فی صیف عام .2006 وکان التصدّی للعدوان عند کل هذه المحطات بالمقاومة الشعبیة. وقد سجّلت انتصارات مبینة، کان منها خروج الإســـرائیلی من لبنان، باستثناء مزارع شبعا وتلال کفرشوبا، عام 2000 من دون قید أو شرط، وکان صمود أسطوری فی حرب صیف عام 2006 فانتهت الحرب بعد 33 یوماً حیث بدأت، أی على تخوم القرى الحدودیة، فلم تستطع القوات الصهیونیة تسجیل أی تقدّم.

هکذا أضحى بلدنا الصغیر ذا شأن کبیر، أکبر من حجمه، فی المنطقة. ولکن المواطن اللبنانی بقی فی حالٍ زریّة من البؤس والشقاء. إنه ضحیّة الصراعات السیاسیة، التی یعود السبب فیها لساسة لبنان وألاعِیبهم. وآخر الفصول هو ما نشهد الیوم من مأزق فی مواجهة الاستحقاق الرئاسی. والمأزق هو ولید مناورات سیاسیة عَقیمَة لا ضوابط لها.

لبنان سجّل نمواً مرموقاً منذ الاستقلال، ولکن هذا النمو تحقّق بین الأزمة والأزمة، وما أکثر الأزمات الوطنیة التی تعرّض لها بلدنا الصغیر، والیوم یعیش أزمة المأزق الرئاسی بفعل أنانیات السیاسیین وارتباطاتهم الخارجیة. ولن یکون حلّ إلاّ بتحریر القرار السیاسی، أی بلبننة الطبقة السیاسیة. فأین نحن من ذلک؟

الحوار کلمة لها سحرها. ولکن طرحها فی ظرف لبنان الراهن، والوضع على عتبة انفراج بعد التوافق على مرشح معیّن لرئاسة الجمهوریة، ینذِر بأن یجدّد ویمدّد حال التأزّم. فالاتّفاق على الجهات التی ستُشارک فی الحوار، وعلى مواضیع الحوار، وعلى من سیرعى الحوار لن یکون بالأمر الیسیر.

القضیة لم تعد مجرّد أزمة سیاسیة، بل أضحت مأساة إنسانیة ممضّة. فباسم المظلومین والبؤساء نناشد ساسة لبنان الکفّ عن العبث السیاسی والانصِراف إلى إنقاذ الإنسان فی هذا الوطن.

ن/25

  

 

 

 


| رمز الموضوع: 139348







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)