ذبح غزة .. قربان أولمرت فی وجه فینوغراد
یبدو أن غزة باتت "القربان" الذى سیلقى به أولمرت لیس فقط فى وجه التحدى الذى یشکله حزب الله اللبنانى یوما بعد یوم وإنما أیضا ضد المعارضة الیمینیة التى تتربص له وتتحین الفرصة المناسبة للانقضاض علیه سواء کان ذلک عبر الاستقالة أو الانتخابات المبکرة.
وکان أولمرت قد استبق صدور التقریر النهائی للجنة فینوغراد بالتصعید ضد غزة وذلک للتغطیة على ماقد یحتویه هذا التقریر من انتقادات قد تستغلها المعارضة الیمینیة للإسراع بإسقاط حکومته خاصة وأن تسریبات صحفیة رجحت مثل هذا الاحتمال .
فقد نقلت صحیفة "هاآرتس" الإسرائیلیة فی 19 ینایر عن عضو بلجنة فینوجراد المعنیة بالتحقیق فی أوجه القصور الإسرائیلی فی الحرب الأخیرة ضد لبنان قوله إن التقریر النهائی الذى سیصدر فی 30 ینایر سینطوی علی انتقادات لاذعة لأولمرت کما أن الجیش الإسرائیلی سیتحمل نصیبا کبیرا من اللوم علی فشل عملیة بریة شنت قبل60 ساعة من انتهاء الحرب .
وأضاف عضو اللجنة - الذى لم یذکر اسمه- أن الانتقاد الرئیس لأولمرت سینصب علی عدم إجرائه مشاورات متأنیة قبل الموافقة علی هذه العملیة البریة ، مشیرا إلى أن التقریر سیکون له تأثیر "درامی وحاسم'' یصل إلی حد استبدال الحکومة .
وفی توضیح أکثر لمایتضمنه التقریر ، ذکرت هاآرتس أن التقریر سینتقد معارضة الجیش الإسرائیلی لشن عملیة بریة فی الفترة ما بین 18 یولیو و12 أغسطس2006 إضافة إلى تأییده لفکرة رئیس الأرکان دان حالوتس - التی أثبتت الأحداث عدم صوابها- بأنه من الممکن هزیمة حزب الله ووقف إطلاق الصواریخ على شمال إسرائیل من خلال القوة الجویة فقط ، مشیرة إلى أن التقریر سیتناول بتوسع الساعات الستین الأخیرة من الحرب بدءا من قرار أولمرت الموافقة علی العملیة البریة فی11 أغسطس إلى التوصل إلی اتفاق وقف إطلاق النار فی 14 أغسطس 2006.
ووفقا للصحیفة الإسرائیلیة فإن انتقاد اللجنة لدور أولمرت فی هذه العملیة سینصب على عدم مناقشته للمسألة بتعمق مع کبار ضباط الجیش والأطراف المعنیة الأخری قبل إعطائها الضوء الأخضر.
ومن جانبها ، نقلت صحیفة "جیروزالیم بوست " عن عضو اللجنة البروفیسور یهزکیل درور مطالبته بانتهاج موقف صارم من شأنه أن یضع بندقیة معبأة على طاولة أولمرت لإجباره على الاستقالة.
ورغم أن أولمرت أعلن أکثر من مرة أنه لن یستقیل بعد صدور تقریر لجنة فینوجراد إلا أن هناک توقعات بإجباره على هذا الأمر تحت وطأة ضغط جماهیری وتفکک ائتلافه الحکومی .
وکان أولمرت قد تلقى صفعة قویة من داخل ائتلافه الحکومى الذى یضم خمسة أحزاب عندما أعلن رئیس حزب "إسرائیل بیتنا" المتطرف افیغدور لیبرمان فی 17 ینایر انسحابه من هذا الائتلاف ، وعزا خطوته إلى ما أسماه عدم اتفاقه مع أولمرت حول قضایا سیاسیة فیما یتعلق بالمفاوضات مع الفلسطینیین.
وبانسحاب حزب لیبرمان تقلص عدد أعضاء الائتلاف فی البرلمان من 78 عضواً إلى 67 ، وفی حال نفذ حزب شاس تهدیداته هو الآخر بالانسحاب وخرجت مظاهرات تطالب أولمرت بالاستقالة فإنه فی هذه الحالة لن یکون أمامه سوى خیار الاستقالة والدعوة لانتخابات مبکرة یرجح مراقبون أنها ستسفر عن فوز حزب اللیکود المعارض وزعیمه بنیامین نتنیاهو .
ولذا سارع رئیس حزب العمل وزیر الحرب إیهود باراک الذى یعتبر من أشد خصوم نتنیاهو إلى إقناع أولمرت بشن عملیة عسکریة لاهوادة فیها ضد غزة لمنع انهیار الائتلاف الحکومى بالنظر إلى أن حزب شاس من أشد معارضى استئناف المفاوضات مع الفلسطینیین حول قضایا الوضع النهائی ، کما أن مثل تلک العملیة من وجهة نظر باراک ستغطى على القصور الذى سیکشف عنه تقریر فینوجراد وستفوت الفرصة على نتنیاهو لتحقیق طموحاته .
ویبدو أن الظروف مهیأة لذبح غزة ، فالرئیس الأمریکی جورج بوش أعطى الضوء الأخضر لمواصلة مثل تلک الجریمة ، حیث أن بدء العملیة جاء مباشرة بعد زیارته لإسرائیل خلال جولته الأخیرة فی الشرق الأوسط ،کما أن رد الفعل العربى والإسلامى مازال فی إطار المناشدات والشجب والاستنکار وهى أمور لاتحرک ساکنا لدى قادة إسرائیل.
وهناک أمر آخر یؤکد أن التصعید سیتواصل ضد غزة وأنها وحدها ستدفع ثمن الأزمة التی تواجهها حکومة أولمرت ، فتقریر فینوجراد من شأنه أن یزید الدعوات الإسرائیلیة للثأر من حزب الله اللبنانى إلا أن الفرص تراجعت أمام أولمرت لشن حرب جدیدة ضد حزب الله وذلک لیس فقط لتزاید قوة حزب الله عما کان علیه الحال فی حرب صیف 2006 حسبما تشیر مصادر من داخل إسرائیل ذاتها وإنما أیضا لتراجع فرص توجیه ضربة عسکریة أمریکیة لإیران التى تعتبر من أکبر داعمی حزب الله بعد التقریر الاستخباراتى الأمریکى الذى صدر مؤخرا وبرأها من تهمة تصنیع أسلحة نوویة .
وجاء الظهور العلنى للأمین العام لحزب الله الشیخ حسن نصرالله خلال الاحتفال بذکرى عاشوراء فی 19 ینایر لیوجه مایشبه الضربة القاضیة لأیة محاولات تفکیر فی استخدام تلک الورقة مجددا على الأقل فی المستقبل القریب خاصة بعد التحذیر المدوی الذی أطلقه نصر الله وحذر فیه الکیان الصهیونى صراحة من أنه إذا شن حربا جدیدة على لبنان فإن حزب الله یعده بحرب تغیر مسار المعرکة ومصیر المنطقة کلها .
ولم یقتصر الأمر على التهدید وإنما سبب نصر الله أیضا حرجا کبیرا لحکومة أولمرت عندما کشف بعض المستور ممن تکتمت علیه إسرائیل منذ انتهاء الحرب ألا وهو أشلاء الجنود الإسرائیلیین الذین لقوا حتفهم على ید المقاومة .
فخلال خطابه الذى ألقاه فی الضاحیة الجنوبیة لبیروت ، قال نصر الله :" لا اتحدث عن أشلاء عادیة، لدینا رؤوس وأید وأرجل ولدینا جثة شبه مکتملة الرأس وحتى وسط البدن" ، واستطرد یقول مخاطباً الإسرائیلیین "أیها الصهاینة جیشکم یکذب علیکم ویقول أنه لایترک وراءه أجساد قتلاه، أقول لکم ترک جیشکم أشلاء جنوده فی قرانا وحقولنا".
وتصریحات نصر الله تلک من شأنها بحسب مراقبین کثیرین إثارة الرأى العام الإسرائیلى ضد أولمرت الذى لن یجد من مفر سوى تصعید العملیة العسکریة فی غزة المحاصرة والتى تعتبر من وجهة نظره الجهة الأضعف لتحقیق انجازات على أطلالها حتى وإن کانت عبر العقوبات الجماعیة ومنع امدادات الطاقة وقتل الأطفال والشیوخ والنساء فهذا لاأهمیة له من وجهة نظر أولمرت وغیره من ساسة إسرائیل.
وأمام هذا الوضع ، یتفق المراقبون أنه لن ینقذ غزة سوى توحد الفلسطینیین وتکثیف الضغط الشعبى على الحکومات العربیة وخاصة تلک التى تربطها اتصالات بالکیان الصهیونى لإجباره على وقف مجازره فی غزة والبحث عن قربان آخر من داخل إسرائیل ذاتها.
و تفرض إسرائیل حصارا لاسابق له على قطاع غزة منذ سیطرة حرکة حماس علیه فی یونیو 2007 ، وبعد سلسلة من العقوبات الاقتصادیة على القطاع الذی أعلنته "کیانا معادیا" ، قامت إسرائیل منذ دیسمبر الماضى بتقلیص امدادات الطاقة للقطاع وربطت استئنافها بوقف إطلاق الصواریخ باتجاه إسرائیل إلا أن الهدف الحقیقى کان تضییق الخناق أکثر وأکثر على سکان غزة البالغ عددهم حوالى 2 ملیون نسمة وذلک للإسراع بإسقاط حماس .
ومنذ 13 ینایر 2008 ، بدأت إسرائیل عملیة عسکریة واسعة فی القطاع الذى أجبرت على الانسحاب منه فی عام 2005 ، وهناک تقاریر أیضا عن اعتزام إسرائیل شن عملیة بریة فی القطاع .
وبجانب عشرات الشهداء والمصابین الذین یسقطون یومیا ، بلغت جرائم إسرائیل ذروتها عندما أعلن وزیر الحرب الإسرائیلی إیهود باراک فی 17 ینایر إغلاق کافة المعابر مع قطاع غزة ، الأمر الذى قطع الاتصال تماما بین غزة والعالم الخارجی
وأعلنت وکالة الأمم المتحدة لغوث وتشغیل اللاجئین الفلسطینیین (أونروا) أن مساعداتها الإنسانیة لم تعد تدخل إلى القطاع بعد إغلاق المعابر مع إسرائیل.
وقال الناطق باسم الأونروا کریستوفر جانیس : "کل المعابر مغلقة، ولا تمر أیة مساعدات، من الضروری جدًا أن یعاد فتح المعابر لمنع حصول تدهور إضافی للوضع فی غزة، وتفاقم معاناة حوالی 2 ملیون شخص" ، مشیرا إلى أنه فی الظروف العادیة، تدخل 15 إلى 20 شاحنة محملة بالمواد الأساسیة إلى القطاع الذی تشرف إسرائیل على المعابر المؤدیة إلیه.
واستطرد یقول :" للإغلاق تأثیر خطر على الصحة العامة، ونسجل زیادة فی حالات الکُساح فی صفوف الأطفال . الوضع فی غزة سیئ لدرجة أن الفلسطینیین لا یجدون الأسمنت لبناء القبور والمستشفیات توزع الأغطیة لعدم توافر أعداد کافیة من الأکفان . حتى فی الموت، الإغلاق یؤثر على الفلسطینیین".
وبجانب ما تسبب فیه الحصار الإجرامی من منع وصول المواد الغذائیة والمساعدات الإنسانیة فإنه أدى أیضا إلى تفاقم أزمة المحروقات، حیث أعلن جون جینغ مدیر عملیات الأونروا فی الأراضی الفلسطینیة أن محطة الکهرباء الوحیدة فی غزة التی تعمل أصلا بنصف قدرتها التشغیلیة یمکن أن تتوقف عن العمل فی أیة لحظة حال لم تحل مشکلة الوقود سریعا.
وأضاف "نحن قلقون جدا لأن هناک أصلا انقطاعا کبیرا للکهرباء بسبب قیام إسرائیل بتقلیص تزوید غزة بالکهرباء منذ دیسمبر . مستشفیات غزة تعانی مشاکل فی عملها لهذا السبب"، مشیرا إلى أن أحیاء مثل حی الشجاعیة انقطعت عنها الکهرباء منذ بدء العملیة العسکریة .
وبات الموقف أکثر خطورة عندما أعلن رفیق ملیحة مدیر محطة کهرباء غزة فی 20 ینایر عن توقف المحرک الرئیس فی المحطة بسبب نقص الوقود ، ونقلت هیئة الإذاعة البریطانیة " بی بی سی " عن ملیحة قوله : "أوقفنا أحد التوربینیین اللذین کانا یعملان فی المحطة وإذا لم نتلق وقودا فسنغلق التوربین الأخیر خلال ساعات مما سیؤدی إلى إغلاق المحطة تماما وبالتالى ستصبح غزة بلا کهرباء " ، محذرا من أن مثل هذا الإغلاق ستکون له عواقب وخیمة على المستشفیات ومحطات تحلیة المیاه.
وفی إطار ردود الأفعال على الجرائم الإسرائیلیة ، أدانت جامعة الدول العربیة ومنظمة المؤتمر الإسلامی العدوان الإسرائیلی المتواصل ، فیما أعربت الأمم المتحدة عن قلقها الشدید للانعکاسات الإنسانیة لإغلاق السلطات الإسرائیلیة قطاع غزة .
من جهته, أکد القیادی فی حماس أیمن طه استعداد حرکته للتصدی لأی عدوان بری إسرائیلی محتمل على القطاع ، محذرًا من ثمن باهظ سیدفعه جیش الاحتلال فی حال أقدم على اجتیاح القطاع.
واعتبر التصعید الإسرائیلی المتواصل على قطاع غزة بأنه یهدف إلى الضغط على الشعب الفلسطینی من أجل القبول بالشروط الإسرائیلیة فی العملیة السلمیة أو غیرها، قائلا :" عملیة إطلاق الصواریخ ما هی إلا جزء من الرد البسیط الذی مارسنا فیه حقنا الطبیعی فی الرد على الجرائم".
واستطرد یقول : "المقاومة ستستمر طالما استمر العدوان، ولن نستسلم، ولن نرفع الرایات البیضاء، فنحن نستند إلى جماهیر الشعب التی تدعم المقاومة، وأمتنا التی تقف خلف المقاومة" ، مستغربا الصمت العربی والإسلامی الرسمی إزاء التصعید الإسرائیلی .
وفی المقابل ، تعهد رئیس الحکومة الإسرائیلیة إیهود أولمرت فی الجلسة الأسبوعیة للحکومة فی 20 ینایر بمواصلة الحصار على غزة ، قائلا :" یجب الالتفات لحیاة الإسرائیلیین وعدم قیاس ذلک بما یکال من إصابات"، بینما وعد وزیر الحرب إیهود باراک بمواصلة الغارات على القطاع لضرب ماأسماها المرافق الأساسیة لحماس .
م/ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS