qodsna.ir qodsna.ir

مفاعل العدو الذری وأضراره للبیئة الفلسطینیة

فی ظل استمرار عمل مفاعل دیمونا، الذی انتهى عمره الافتراضی منذ سنوات عدیدة مضت؛ حیث أکد تقریر رسمی فی أغسطس 2007م صادر عن الهیئة العامة للاستعلامات فی السلطة الوطنیة الفلسطینیة، أن إسرائیل تقوم بدفن آلاف الأطنان من نفایات المدن، والمستوطنات بما فیها النفایات الصادرة عن المفاعلات النوویة، داخل أراضی الضفة الغربیة منذ سنوات، ومن ثَم تعالت الأصوات - خلال الفترة الماضیة -  بضرورة وضع حدٍ لمخاطر المفاعل النووی الإسرائیلی دیمونا، الذی یمثل صورة متکررة من سیاسة الإرهاب البیئی من جانب الکیان الصهیونی على کافة الأراضی العربیة المحتلة، فی ظل استمرار تعرض البیئة الفلسطینیة بکل مفرداتها، وبما تتضمن من موارد مائیة، وأراض زراعیة، وغابات، ومصاید سمکیة لکافة أشکال الانتهاک والتدمیر.

نذکر من هذه الانتهاکات تجریف أراضی الفلسطینیین الزراعیة، من أجل إقامة أنشطة استیطانیة، وتدمیر خزانات المیاه، ومحطات معالجة الصرف، وتجریف شبکات الری الفلسطینیة، وتصریف میاه الصرف الصحی، ومخلفات المستوطنات، والتجمعات السکنیة والصناعیة الإسرائیلیة باتجاه الأراضی الفلسطینیة، وهو ما ساهم فی تدمیر وإتلاف مساحات إضافیة من الغطاء النباتی الفلسطینی، وفی انتشار الأمراض، وتدمیر میاه الآبار الصالحة للشرب، ودفن النفایات الخطیرة، والمواد السامة فی قلب الأراضی الفلسطینیة، ونقل المصانع الملوثة من مناطق سکنیة إسرائیلیة إلى مناطق حدودیة قریبة من التجمعات السکنیة الفلسطینیة، فضلاً عن دفن النفایات النوویة الناتجة من مفاعل دیمونا النووی فی الأراضی الفلسطینیة المحتلة.

أسس مفاعل دیمونا عام 1963 بمعونة فرنسیة، وتم تمویله من الولایات المتحدة الأمریکیة التی ساعدت فی نقل الیورانیوم المخصب إلیه، وهو یتکون من تسعة مبان رئیسیة کل مبنى یتخصص فی إنتاج مادة مثل: البریلیوم، البلوتونیوم، واللیثیوم، و الیورانیوم المشع، والترینینیوم، وقد استهلک المفاعل خلال الـ 30 سنة الماضیة 1400 طن یورانیوم خام، وأشار إلى أن القنابل النوویة لا یتم تحضیرها فی المفاعل، بل تنقل وتجمع فی مراکز تجمیع الرءوس النوویة فی شمال حیفا.

أما العمر الافتراضی للمفاعل فقد انتهى منذ زمن طویل، وحسب المفاعلات الألمانیة التی ینتهی عمرها الافتراضی بعد 31 عامًا منذ إنشائها، وبما أن دیمونا یعمل ضعف المدة المقررة، فیجب أن یکون عمره الافتراضی قد انتهى بعد 16 سنة، وبالمقارنة نجد أن عمره تعدى الـ 49 سنة.

کما أن المفاعل لم یتم تزویده بأبراج تبرید جدیدة منذ 1970م، لذلک فإنه لم یتعرض للصیانة منذ أکثر من 35 سنة، وهذا یزید من خطره، کما أظهرت صور الأقمار الصناعیة والمأخوذة من اتحاد علماء أمریکا - وهو مصدر أمریکی محاید - وجود شرخ فی المفاعل، مما یؤدی إلى تسرب المواد المشعة منه، ویهدد المفاعل، وأضاف حسب صور الأقمار الصناعیة سنة 2002م، أنه أتضح بأن قبة المفاعل قد أصابتها شروخ واضحة، الأمر الذی یهدد بکارثة بیئیة جدیدة هذا من جانب.

ومن جانب آخر، نجد أن جمیع العملیات التی تُجرى فی مفاعل دیمونة تنتج کمیات کبیرة من النفایات النوویة، کذلک تصبح کل مواد المفاعل، والأجهزة التی تستخدمها ذات فعالیة إشعاعیة عالیة جدًا، منها أجهزة المفاعل، وأنظمة التحکم، ووعاء المفاعل، والحواجز الإشعاعیة المصنوعة من الخرسانة المسلحة، ومواسیر التبرید، والشوائب الموجودة فیها، و کل ذلک یؤدی إلى تلوث البیئة، وانتهاک الحقوق البیئیة الفلسطینیة.

غنیٌ عن البیان القول بأن الحق فی بیئة نظیفة، یعد أحد الحقوق الأساسیة لکافة الشعوب، ومنها بالطبع الشعب الفلسطینی، خاصة بعد أن أضحت حمایة البیئة، أو المحافظة علیها الشغل الشاغل للإنسان، بعد استفحال مشکلات البیئة من نواحی التلوث بکافة أنواعه وأشکاله، واستنزاف الموارد، والحدیث عن المحافظة على البیئة لا یتوقف، والدعوة لها اتخذت اتجاهات متشعبة حتى أن أحزابًا سیاسیة تم تشکیلها من أجل البیئة، کما هو الحال فی ألمانیا ومصر وغیرهما من دول العالم، کما أنشئت منظمات واتحادات دولیة للمحافظة على البیئة مثل: برنامج الأمم المتحدة للبیئیة UNEP ومقره نیروبی، والاتحاد الدولی للمحافظة على الطبیعة والموارد الطبیعیة IUCN والصندوق الدولی للأحیاء البریة WWF، والاتحاد والصندوق مقرهما سویسرا، فالمحافظة على البیئة تعنی الاستثمار دون إسراف ولا استنزاف، والمحافظة على البیئة تعنی عدم إرهاق البیئة بمخلَّفات لا تقدر على استیعابها فی دوراتها الطبیعیة، فحمایة البیئة تعنی الموازنة بین القدرة الإنتاجیة للبیئة والنموِّ السکانی، والقدرة الإنتاجیة تشمل المأکل، والملبس، والمسکن، والعلاج، ومتطلبات الترویح، وهی کلها أساسیات تحفظ للحیاة البشریة کرامتها هذا من جانب.

ومن جانب آخر فقد تنوعت وتشعبت النشاطات البشریة، وباستخدام الإنسان لما لدیه من معارف علمیة، وإمکانیات تکنولوجیة لإشباع رغباته، واضعًا نفسه خارج حدود البیئة، مع أنه فی واقع جزء منها یتأثر مثلما یؤثر فیها، والدعوة إلى إعادة النظر بالعلاقة مع البیئة أصبحت لازمة حتى تبقى المأوى المریح للإنسان، وهذا یتطلب تفهم القوانین الأیکولوجیة التی تنظم بنیات البیئة، وتحفظ توازنها، کما یستوجب التعاون والدعم الدولی، هذا من جانب آخر.

ومن جانب آخر، فقد ظهرت بشدة على الساحة العالمیة فی الآونة الأخیرة فکرة الحق فی بیئة نظیفة، الذی یعد من الجیل الثالث لحقوق الإنسان، وهی الحقوق القائمة على التعاون الاجتماعی، والتی تتطلب عملاً مشترکًا إقلیمیًا ودولیًا.

وتستهدف التشریعات والقوانین ذات الصلة بالبیئة بوجه عام وضع القواعد وتعیین الآلیات، التی تکفل المحافظة على عناصر البیئة التی تشمل من بین ما تشمل حمایة الطبیعة، ومنع التلوث، وحمایة المیاه، والهواء، وحمایة البیئة البحریة، والسواحل، والمحمیات الطبیعیة والتربة.

وتتضمن تشریعات حمایة البیئة عمومًا القواعد الخاصة بحظر تلویث البیئة، وتنظیم التصرف بالنفایات، ومخلفات المصانع، والقواعد الخاصة بحظر أیة نشاط یعرض عناصر البیئة للخطر واحتمالات التلوث.

وإلى جانب ذلک تنظم هذه التشریعات آلیات حمایة البیئة من حیث تشکیل الجهة المختصة بذلک، وبیان صلاحیاتها ونطاق اختصاصها، والنص على جرائم تلویث البیئة وعقوباتها، إلى جانب القواعد الإجرائیة المتعلقة بإدارة المواد الضارة والنفایات وتقییم الأثر البیئی، وإلى جانب التشریعات الوطنیة فی میدان حمایة البیئة، یوجد العدید من الاتفاقیات الإقلیمیة والدولیة، التی تقوم على تنسیق ودعم الجهود الدولیة.

وجدیر بالذکر أن المبدأ الأول من إعلان أستکهولم الصادر عام 1972، أشار إلى أن للإنسان حقًا أساسیًا فی الحریة والمساواة، وظروف الحیاة الملائمة، وذلک فی بیئة ذات نوعیة تتیح العیش فی حیاة کریمة ومرفهة، وأوضح ذات الإعلان أن مسؤولیة جسیمة تقع على عاتق الحکومات لحمایة وتحسین البیئة لأجیال الحاضر والمستقبل، وعلى إثر ذلک الإعلان اعترفت أکثر من عشرین دولة فی دساتیرها بحق المواطن فی بیئة ملائمة لائقة، والتزام الدولة بحمایة هذه البیئة، بل امتد هذا الحق لیشمل الکائنات الحیة الأخرى، مثل الحیوانات.

والحدیث السابق یوضح بجلاء أهمیة توفیر البیئة النظیفة للشعب الفلسطینی فی ظل استمرار التعنت الاسرائیلی فی تدمیر البیئة الفلسطینیة.

مما لاشک فیه أن هناک مخاطر بیئیة جمة ناتجة عن مفاعل دیمونا، فعلى سبیل المثال نجد أن البروفیسور الیهودی المعروف «عوزی أیبان» أکد أن للمفاعل آثار خطیرة، وغیر آمنة، ویجب إغلاقه خلال فترة قریبة، أو على الأقل البدء بخطوات تؤدی إلى إغلاقه قبل وقوع الکارثة.

وفى نفس الإطار فقد کشفت "یدیعوت أحرونوت" عام 2001م، أن المفاعل النووی یعانی من ضرر خطیر سببه إشعاع نیوترونی، یؤدی إلى إضرار بالغطاء المحکم المستخدم لسدَّاد المفاعل، وهذا یعیق عمل قضبان الکادمیوم، التی بدورها هی المسؤولة عن تنظیم عمل الانشطار النووی، وبالتالی هی المسؤولة عن تنظیم الحرارة مع الماء الثقیل داخل المفاعل، والمحافظة على عدم ارتفاعها إلى الدرجة التی تؤدی إلى انفجاره، کما حدث بالمفاعل الروسی تشرینوبل.

وأکدت هذه المعلومات، کذلک الصور التی بثها القمر الصناعی (میکی- 4) عام 1989، والتی تظهر أن المنشأة تعانی من مشکلة تلوث خطیرة. 

أضافت الصحیفة أنه على الرغم من عدم قدرة الأقمار الاصطناعیة على تحدید مستوى التلوث وطبیعته، إلا أنها قادرة على إثبات أن الطریقة المتبعة فی دیمونا لفصل البلوتونیوم هی الطریقة نفسها المتبعة فی الولایات المتحدة، وهی تفضی إلى مخاطر بیئیة هائلة لا تندثر حتى بعد سنوات طویلة على إغلاق المفاعل، لذلک ورغم أن صور القمر الروسی أخذت قبل 19 سنة، فان الاحتمال ضئیل أن یکون الوضع تحسَّن فی دیمونا.

وجدیر بالذکر أنه بعد عام 1986 بدأ السکان یلاحظون انتشار أمراض غریبة فی المنطقة دون معرفة سببها، وعندها کشف "مردخای فعنونو" الخبیر النووی عام 1989 عن إشعاعات تتسرب من مفاعل دیمونا جنوب فلسطین المحتلة.

ومن ثَم فقد تم الربط بین هذه الإشعاعات، وبین ارتفاع حالات الإصابة بالسرطان، والأمراض الأخرى فی منطقة جنوب الخلیل؛ لأن الظاهریة تبعد عن مدینة دیمونا 25 کیلو متر، وظهرت بشکل  واضح وکبیر أورام الدماغ، والرحم، والمبایض، والکلی، والکبد، والمخیخ، ولکن سجلت حالات سرطان الدم "اللوکیمیا" أعدادًا أکبر.

ومما یؤکد على صحة الکلام السابق نجد أن المکتب الإقلیمی لبرنامج الأمم المتحدة للبیئة حذر عام 2004م من خطورة الإشعاعات النوویة الصادرة عن مفاعل دیمونا الإسرائیلی الموجود فی صحراء النقب، مؤکدًا على أن الدراسات والأبحاث التی أجرتها مراکز الرصد المتخصصة أکدت وجود تسرب إشعاعی نووی من مفاعل دیمونا النووی، إثر تعرض المفاعل لمشکلات وأعطال فنیة مؤخرًا، بسبب انتهاء فترة العمر الافتراضی للمفاعل النووی، الذی أقیم عام 1964 بدعم وتمویل من فرنسا.

أما الدکتور سمیر الکاید - الخبیر الأردنی فی شؤون أمراض السرطان - أکّد أنّ مفاعل دیمونا یهدّد المنطقة العربیة بالدمار، ویشکّل قنبلة موقوتة، محذّرًا من احتمالات وقوع انفجار فیه فی أیّ وقت، الأمر الذی یشکّل خطرًا داهمًا على المنطقة العربیة بصورة کاملة.

وختامًا یتعین على السلطة الفلسطینیة والدول المجاورة للکیان الصهیونی القیام بإجراء رصد دوری لأی تلوث، سواء فی الهواء، أو المیاه الجوفیة والسطحیة المستخدمة للشرب، للتأکد من خلوها من أی نسب غیر طبیعیة من التلوث النووی، وکذلک التنبه إلى عدم انتقال هذا التلوث إلى البحر والأسماک، هذا من جانب.

ومن جانب آخر القیام بحملة دولیة - واسعة النطاق - للتندید باستمرار عمل مفاعل دیمونا النووی، الذی ربما یترتب على استمرار عمله کارثة قد تکون أکثر دمارًا من کارثة تشرینوبل عام 1986م.

م/ ن/25


| رمز الموضوع: 132138