الاثنين 14 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

"حرب الأفیون" الاسرائیلیة ضد الفلسطینیین

 حملت الحرب التی قامت بین بریطانیا والصین فی الفترة من 1840 - 1842م   اسم "حرب الأفیون"، بعدما حاولت الصین منع تداول المخدرات على أراضیها الذی کانت بریطانیا تعمل على نشره تحت ذریعة "حریة التجارة!!".

وانتهت حرب الأفیون الاولى بانتصار بریطانیا -مجبرة عبر 16 سفینة حربیة و 4000 من المشاة البریة-، حکومة أسرة "تشینغ الصینیة" على توقیع "معاهدة نانجینغ" التى مست سیادة البلاد وجرحت کرامتها، وبمقتضى تلک المعاهدة دفعت الصین تعویضات کبیرة وتنازلت عن هونغ کونغ، مما فتح الطریق لغزو القوى الغربیة الکبرى للصین واحدة تلو الأخرى.

الیوم، نرى شعبا محتلا یحاربه عدوه بمختلف الاسالیب والطرق، من اقامة جدار عنصری واستیطان، وهدم وقصف وقتل، وتلویث للبیئة، واحداث الشرخ، والفتنة بین الأشقاء وبقایا وطن مغتصب، واستکمالا لسلب الإرادة، کما سلب الوطن یشن الاحتلال "حرب الافیون" بتعزیز تفشی المخدرات بین افراد المجتمع الفلسطینی ودعم تجارته.

حرب من نوع آخر یشنها الاحتلال ضد الفلسطینیین تستهدف أهم شیء على هذه الأرض الا وهو الإنسان اغلى ما نملک، فی محاولة لتحطیمه وتدمیره لیکون هو والأرض لقمة سائغة، فلا مقاومة، ولا عقل یفکر، ولا مجتمع حضاری یبنی ویتقدم.

وملامح هذه الحرب تتضح فی عدة جوانب أبرزها الإحصائیات والأرقام المذهلة حول هذه الظاهرة؛ فحسب کل من "هیئة علاج وتأهیل مدمنی المخدرات والکحول فی فلسطین عامة والقدس الشریف خاصة" و "دائرة الإحصاء المرکزی ومؤسسات المجتمع المدنی والجامعات" عندنا ما بین 40 – 60 الف "متعاطٍ" فی الضفة الغربیة وقطاع غزة، بینهم 15 الف متعاطٍ فی مدینة القدس، و10000 مدمن على صعید الضفة والقدس.

وبلغت نسبة المدمنین العرب إلى المدمنین فی فلسطین المحتلة عام 1948، 29%. مع العلم أن نسبة السکان العرب إلى الیهود تساوی 18%.

وحسب الجهات المختصة فإن ظاهرة الإدمان والتعاطی فی ازدیاد مستمر، وتترکز بین الشباب الذین یشکلون 55% من المجتمع الفلسطینی، وأکبر بؤرة لهذا النشاط والتأثیر فی مدینة القدس.

من هذه الأرقام یقفز للأذهان مباشرة فکرة استهداف أبناء القدس بهذا الوباء، وهو بالفعل الواقع على الأرض، فإلى جانب عزل القدس ومحاولات طرد سکانها وتهویدها والحفریات تحت المسجد الأقصى، یستهدف الاحتلال المجتمع وأهم رکائزه وهم الشباب أمل المستقبل وبناته، فی محاولة لإفسادهم وجعلهم شکلا بلا مضمون واسما دون فعل.

والمشکلة- ناهیک عن الناحیة الأخلاقیة والدینیة للموضوع وبعدها الاجتماعی- لها بعد آخر سیاسی، فعندما یکثر المدمنون سیحتاجون لمبالغ مالیة ضخمة، ولیس لهم إلا البیوت والأراضی لیسددوا حاجتهم هذه؛ فیبیعون أراضیهم ویعملون فی أعمال تمس بالقضیة والثوابت الدینیة والوطنیة وبیع وطنیتهم للاحتلال، مما یجعل المخدرات مشکلة تنخر فی عمق المجتمع الفلسطینی، وصنفا جدیدا من حرب الاحتلال وسیاساته المبرمجة بمساندة ضعاف النفوس.

وکما روى العدید من أهل القدس ومن خلال الاطلاع على بعض الدراسات والتقاریر للجمعیات المختصة یتضح ان الاحتلال یقوم بدس متعاونین معه ویدفع أموالا لهم مقابل قیامهم بتسویق المخدرات فی الأحیاء العربیة فی القدس، کما انه یسمح بمرور المخدرات عبر الحواجز ونقاط التفتیش ویغض النظر عن مروجیها بین الشباب الفلسطینی.

ولا یکتفی الاحتلال بـ"حرب الافیون"، فهناک ما یساندها ویکملها من عوامل افساد المجتمع ومحاولة تحطیم بنیته الاجتماعیة، کما صنع المستعمرون والمحتلون عبر تاریخهم من تجهیل للشعوب وضرب قیمها الاجتماعیة وتحطیم معنویاتها وطمس عنصر العزة والکرامة فی نفوسها، إضافة لسحب إرادتها عن قرارها السیادی واستقلالها الاقتصادی.

وعلى الرغم من ذلک، وأمام کل محاولات التحطیم للإنسان الفلسطینی، یتصدى هذا الشعب لبطش الاحتلال بجسده العاری، مسطرا ملحمة صمود وثبات أمام محاولات تجهیله وتدمیر أبنائه وطمس هویته وتراثه.

ومن الضروری أن یواجه هذا الصمود بوقفة مساندة ودعم من المسؤولین والمؤسسات والهیئات المختلفة، وإعطاء هذا الأمر أهمیة خاصة توازی الاهتمام بالدفاع عن الأرض والمقدسات.

هذا الدور وجدنا شیئا منه لدى مؤسسات وجمعیات تشکر علیه، إلا أننا ندعو لمزید من مضاعفة الجهد والاهتمام فی هذا الجانب لما یشهده من تقصیر . فکما أن "الأقصى فی خطر" فان "شباب القدس فی خطر" بل وشباب فلسطین.

( الکاتب صدقی موسى )

ن/25

 

 

 


| رمز الموضوع: 131755







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)