الاثنين 14 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

البدون!

 المهندس محمد ابو سعدة (42عاما) من سکان جبالیا، أعزب، حاصل على شهادة هندسة المواد یعمل فی نقابة المهندسین موظفاً إداریاً، غادر ذووه قطاع غزة إثر هزیمة حزیران /یونیو 1967 إلى الجزائر. فی عام 1996 عاد الى غزة بعد ان حصل على تصریح زیارة بناء على طلب تقدمت به شقیقته الوحیدة التی عادت مع زوجها الى القطاع، بعد قیام السلطة الفلسطینیة. ابو سعدة ظل وحیداً فی غزة، ولم یر شقیقته بعد مغادرتها الى الضفة الغربیة مع زوجها فی العام 2000.

فی عام 2005 أصیب بورم خبیث فی قدمه، احتاج الى علاج إشعاعی، إلا انه لم یستطع تلقی العلاج فی الخارج، نظراً لأته لا یحمل بطاقة هویة وجواز سفر یؤهله للسفر والتنقل لتلقی العلاج اللازم الذی لا یتوفر فی مستشفیات القطاع، وبعد عدة محاولات للحصول على تصریح وتمکنه من السفر وتلقی العلاج کان قد فات الأوان واضطر الأطباء الى بتر قدمه لتمکن المرض الخبیث منها.

ابو سعدة واحد من عشرات الآلاف الذین یطلقون على انفسهم لقب "البدون". مع قیام السلطة الوطنیة عاد إلى أراضی السلطة الفلسطینیة آلاف الفلسطینیین المقیمین فی الخارج بتصاریح زیارة لفترة زمنیة محددة، ویشترط علیهم المغادرة بعد انتهاء الفترة التی تحددها سلطات الاحتلال، هؤلاء الذین لا یحملون بطاقات هویة تمکنهم من الإقامة فیها، تعرفهم السلطات الإسرائیلیة "بالمخالفین".

کان عدد هؤلاء فی سنوات التسعین نحو 52الف فلسطینی، ومع مرور السنین ازداد عددهم حتى وصل الى نحو 120الف فی الضفة العربیة وقطاع غزة، وفی غیاب الإحصاءات الرسمیة الصادرة عن السلطة الفلسطینیة ربما یکون العدد اکبر من ذلک.

القادمون إلى الأراضی الفلسطینیة الذین عاد بتصاریح زیارة عدد کبیر منهم لیسوا فلسطینیین، فأعداد منهم عرب وأجانب من دول عربیة ویحملون جنسیات مختلفة، خاصة النساء منهم حیث حضرن مع أزواجهن بتصاریح زیارة، وعدد منهم عاد مع السلطة الفلسطینیة ویعمل فیها. 

لم یتوقف هؤلاء عن النضال من اجل الحصول على حقوقهم المتمثلة فی الحصول على إقامات دائمة وبطاقة الهویة للإقامة والسماح لهم بحریة التنقل والسفر، وعدد قلیل جداً منهم حصل على جمع شمل العائلات الذی تمنحه سلطات الاحتلال لهم للإقامة کباقی عموم الفلسطینیین المقیمین فی الأراضی الفلسطینیة. ومع اندلاع الانتفاضة الفلسطینیة الثانیة تعقدت حیاة هؤلاء الفلسطینیین کباقی الفلسطینیین، ولم یسمح لأحد منهم بالسفر سواء لرؤیة ذویهم المقیمین فی دول عربیة وأجنبیة، أو حتى السماح لهم بالعودة.

وفی أواسط العام 2007، شُکلت فی قطاع غزة اللجنة الوطنیة للمواطنة للدفاع عن حقوق الفلسطینیین الذین لا یتمتعون بحق المواطنة، واطلقوا على انفسهم اسم " البدون"، المحرمون من السفر، والحق فی العلاج، وعدم مساواتهم فی الحق فی العمل ویحرم أبناؤهم من حق التعلیم فی الخارج.

الإحصاءات الصادرة عن اللجنة الوطنیة للمواطنة تشیر الى ارتفاع فی عدد المرضى فی صفوف "البدون" الذین هم بحاجة للعلاج فی الخارج، ومعظمهم مصابین بأمراض خطیرة تهدد حیاتهم، وتوفی عدد منهم لعدم تمکنه من السفر وتلقی العلاج، وعدد کبیر منهم یرید السفر لرؤیة ذویه فی الخارج، وعدد أخر تقدم به العمر، وآخرون ولدوا فی غزة وأصبحوا هم وذووهم من دون أی إثبات سوى بطاقة تعریف أصدرتها السلطة لتمکنهم من التعریف بأنفسهم أمام الجهات الرسمیة من دون أی التزام قانونی تجاههم.

وازدادت مأساة "البدون" فی ظل الحصار الخانق المفروض على قطاع غزة. وبالرغم من انه کان یتم السماح لبعض الحالات بالسفر لتلقی العلاج الا ان ذلک کان یتم بعد بذل جهد کبیر وبعد فوات الأوان أحیاناً، حیث یکون المرض قد تمکن منهم.

"البدون" مصطلح شائع فی دول الخلیج العربی ( الفارسی )، خصوصاً فی الکویت، للمواطنین من الدرجة الثانیة، الذین لا یتمتعون بجنسیة البلد المقیمین فیه، وغریب على الفلسطینیین هذه التسمیة وان یکون من بینهم فئة لا تتمتع بحق المواطنة فی بلدهم، ربما الوضع مختلف عنه فی تلک الدول، لان دولة الاحتلال ترفض السماح لهم بالإقامة فی أرضهم وبین أهلهم، فی حین تسمح للیهود من جمیع انحاء العالم بالعودة والإقامة فی دولة إسرائیل.

الفلسطینیون فی انحاء العالم یعانون من الاضطهاد وعدم تمکنهم من الحصول على حقهم التاریخی بالعودة إلى وطنهم الذی اغتصبته دولة الاحتلال وتمنع أی منهم من التمتع بالحق فی الإقامة والحصول على هویة حتى فی أراض السلطة الفلسطینیة، وتتعامل مع ملف العائدین الفلسطینیین بما یسمى جمع شمل العائلات بناء على الحالات الإنسانیة التی کانت تقدمها السلطة الفلسطینیة، والتی جمدت السلطات الاحتلال العمل فیها منذ سبع سنوات، باستثناء عدد قلیل منحته للفلسطینیین بعد الحسم العسکری لقطاع غزة، لا یلبی الحد الأدنى من حقوق الفلسطینیین الطبیعیة.

الفلسطینیون متساوون فی المعاناة ومتساوون فی عدم الحصول على حقوقهم، والشعار المرفوع لدى اللجنة الوطنیة للدفاع عن حقوق فاقدی الهویة "البدون" فی قطاع غزة هو المساواة فی الحقوق کما المساواة فی المعاناة.

فی العاشر من کانون الأول /دیسمبر 2008 تصادف الذکرى السنویة 60 للإعلان العالمی لحقوق الإنسان، وکذلک الذکرى السنویة 60 للنکبة فی العام 1948، لذا لنجعل الشعار المرفوع هذا العام للفلسطینیین هو عام الحصول على حقوقهم فی إقامة دولتهم وتطبیق قرارات الشرعیة الدولیة بحق الفلسطینیین بالعودة الى وطنهم.

 

( المقال بقلم الکاتب والباحث الفلسطینی مصطفى إبراهیم )

ن/25

 

 

 

 

 

 


| رمز الموضوع: 131742







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)