لماذا لم یتذکر الفلسطینیون ذکرى الانتفاضة الثانیة؟ أجوبة کثیرة تظهر سبب الإحباط الفلسطینی العام حالیاً،
لماذا لم یتذکر الفلسطینیون ذکرى الانتفاضة الثانیة؟
امجد سمحان
صادفت یوم أمس الذکرى الثالثة عشرة للانتفاضة الفلسطینیة الثانیة، ولکنها مرت بهدوء على کل الأرض الفلسطینیة، رافقته حالة من الإحباط فی ظل الفشل السیاسی والمقاوم الذی یعانی منه الشعب الفلسطینی حالیاً، والذی أصبح وفق کثیرین «خلف الکوالیس» بعدما أزاح «الربیع العربی» الأضواء عنه، ووجهها نحو مناطق أخرى ولو إلى حین. لکن لماذا لم یتذکر الفلسطینیون ذکرى الانتفاضة الثانیة؟
أجوبة کثیرة تظهر سبب الإحباط الفلسطینی العام حالیاً، والذی حجب واحداً من أهم الأحداث فی تاریخ الذاکرة الفلسطینیة. فیوم أمس الأول کان الرئیس الفلسطینی محمود عباس محبطاً یلقی خطاباً یائساً أمام الأمم المتحدة ویطالبها بإقامة الدولة الفلسطینیة، ولکن لا یبدو أن هناک أملاً بإقامتها على الأرض.
یقول أحد أفراد «کتائب شهداء الأقصى» السابقین، والذین سلموا سلاحهم فی صفقات ما بعد «انهیار المنظومة الوطنیة»، إنه «بعد الانتفاضة عززت إسرائیل الاستیطان، وکثفت سرقة مواردنا، واستغلت الحیاد الدولی لتفرض حقائق على الأرض تحول دون قیام دولة فلسطینیة، بالمقاس الفلسطینی، وفی النهایة أحبطنا وقررنا أن نتوقف عن القتال لأنه یضرنا أکثر مما ینفعنا».
وبعیداً عن ذلک، فإن العالم کله یتجه الیوم نحو مناطق أخرى فی الشرق الأوسط، فالأحداث فی سوریا شغلت الکثیرین، وفی مصر خطف «الإخوان المسلمون» الأضواء، فضلاً عن لیبیا وتونس أیضاً. وبالتالی خسّر «الربیع العربی» الفلسطینیین من حیث لا یدرون، وکانت النتیجة أن القضیة الفلسطینیة «أصبحت مهمشة». هکذا قالت أیضاً عضو اللجنة التنفیذیة لمنظمة التحریر حنان عشراوی، خلال مؤتمر صحافی فی رام الله أمس.
وأشارت عشراوی، إلى أن تهمیش القضیة الفلسطینیة له أسباب أخرى تتعلق بالسیاسة الإسرائیلیة التی نجحت فی تسلیط الضوء على الملف الإیرانی، موضحة أن الفلسطینیین وللخروج من حالة التهمیش هذه علیهم اتباع سبل عدیدة أولها إلغاء نهج المفاوضات، والذهاب نحو المقاومة الشعبیة، والدیبلوماسیة.
ولا یبدو أن حدیث عشراوی لقی آذاناً صاغیة فی الشارع الفلسطینی، الذی لم یأبه بما یجری وسیجری فی الأمم المتحدة، حیث انشغل أمس الأول عن خطاب الرئیس الفلسطینی أمام الجمعیة العامة، تماماً مثلما انشغل عن إحیاء ذکرى الانتفاضة.
یقول بائع الخضار أبو کمال من مدینة رام الله فی حدیثه إلى «السفیر» إنه «لو لم تسألنی عن الانتفاضة لما تذکرتها، فنحن الیوم نلهث وراء لقمة العیش، ولم یعد أمامنا متسع من الوقت للتفکیر فی الماضی».
من جهتها قالت الحاجة أم ناصر، وأحد أقربائها شهید فی الانتفاضة «الوضع صعب، والفراق أصعب، ولا نرید أن نتذکر الألم، ولا نرید أن یتکرر، فقد عانینا بما فیه الکفایة».
لقمة العیش، والواقع الذی خلقه الاحتلال، و«الربیع العربی»، لیست هی الأسباب الوحیدة التی أنست الفلسطینیین ذکرى الانتفاضة، فبعدها مباشرة حصل الانقسام، وحرب تموز فی لبنان فی العام 2006، وحرب غزة فی العام 2008، وکانتا أشد فظاعة. لکن ربما یکون هناک أسباب أخرى، بحسب رأی الشاب أحمد الخطیب، أهمها «الإحباط العام من الأحزاب السیاسیة الفلسطینیة وقیاداتها التی فقدت البرامج، وصارت مجرد دکاکین سیاسیة».
مرت ذکرى الانتفاضة، ویوم أمس ساد الهدوء فی القدس، حیث انطلقت لنصرة المسجد الأقصى والمقدسات الإسلامیة والمسیحیة حین حاول الآلاف من الفلسطینیین منع زیارة قام بها رئیس الوزراء الإسرائیلی الأسبق أرییل شارون إلى الأقصى. حاول الفلسطینیون منع الرجل من دخول المسجد مستخدمین الحجارة والأحذیة وکل ما یمکن إلقاؤه، فردت شرطة الاحتلال علیهم بالنیران الحیة فاستشهد فی الیوم الأول أکثر من 40 فلسطینیاً، لتشتعل الانتفاضة الفلسطینیة.
ثم توالت الأیام وتصاعدت وتیرة المواجهات بین الفلسطینیین وقوات الاحتلال على مختلف مناطق التماس، وکان سلاح الفلسطینیین حینها الحجارة فقط تقابلها نیران غزیرة فسقط أکثر من 400 شهید خلال الشهر الأول، ثم دخلت الأسلحة على خط المواجهة، وتمت عسکرة الانتفاضة وکانت المحصلة أکثر من خمسة آلاف شهید، ومئة ألف جریح، وما یزید عن عشرة آلاف أسیر، وهدمت آلاف المنازل.
وبدأت الانتفاضة تهدأ رویداً رویداً بعد عملیة «السور الواقی» الإسرائیلیة فی العام 2002، حین اجتاح شارون کل المدن الفلسطینیة وأسقط بقوة السلاح السلطة الوطنیة الفلسطینیة، واعتقل أهم قیاداتها، قبل أن یغتال الرئیس یاسر عرفات فی العام 2004.
وبرأی الکثیر من المراقبین فإن الفلسطینیین خسروا کثیرا من الانتفاضة کونهم جروها إلى مربع العسکرة، وهو المساحة التی تتفوق فیها إسرائیل على الشعب الفلسطینی، وتستغلها کثیرا مستخدمة کل ترسانتها العسکریة، فیکون المقابل ثمنا باهظا بالدم والمال یدفعه الفلسطینیون، ما یزیدهم إحباطاً.
مرت ذکرى الانتفاضة بالرغم من ذلک، وحسب الکثیر من المراقبین فإن حالة الإحباط الفلسطینی حالیاً، قد لا تدوم طویلاً وقد تنفجر فی أی لحظة لانتفاضة ثالثة. وربما یکون ترقب الانتفاضة الثالثة والإعداد غیر المدروس لها، واحداً من الأسباب التی شغلت الفلسطینیین وأنستهم ذکراها الثانیة.
نقلا عن السفیر اللبنانیة
انتهی/شا 24
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS