رسالة مخضّبة بالدم!
أمجد عرار
مجزرة جدیدة بتوقیع الإرهاب "الإسرائیلی" توقع مزیداً من الضحایا الفلسطینیین. تسعة شهداء ومثلهم، تقریباً، من الجرحى سالت دماؤهم لتروی تراب غزة الذی فرض علیه الاحتلال الصهیونی تحالفاً مزمناً مع الدم والتدمیر والحصار.
الذریعة جاهزة فی الأدراج "الإسرائیلیة"، لکن الأسباب الحقیقیة هی ذاتها المرتبطة بغریزة القتل التی تستوطن عقلیة الاحتلال وقادته، عسکریین وسیاسیین.
المجتمع الدولی مصاب بداء الصمت کعادته حین یتعلّق الأمر بـ"إسرائیل". العواصم التی تمسک بشعار "حقوق الإنسان" سوطاً بلا أخلاق أو ضمیر، تلقیه جانباً وتدیر رأسها للخلف عندما تکون "إسرائیل" صاحبة الفعل الإجرامی، والعربی ضحیّته.
إحدى وکالات الأنباء تحدّثت عن غارة جویة "إسرائیلیة" بعد "وابل" من الصواریخ التی أطلقت من القطاع، کأن الحدیث یدور حول الجیش الأحمر السوفییتی السابق وصواریخه البالستیة!!
بعض وسائل الإعلام العربیة أزاحت خبر المجزرة، کبقیة أخبار قضیة العرب الأولى، إلى أواسط نشراتها الإخباریة وأواخرها، وهی تسهم عمداً وقصداً فی التعمیة على تهوید القدس وابتلاعها، ربما لأن هذه القضیة لم تعد تصلح کسلّم للتسلّق ومادة للمتاجرة، فی حین أن التقاریر التی تتعلق بالصراع الداخلی الفلسطینی یجری دفعها إلى الخطوط الأولى لجبهة إثارة الفتنة وتعمیق الانقسام.
لکن تبقى هناک أغلبیة فی وسائل الإعلام العربیة التی ما زالت تضع القضیة الفلسطینیة فی مقدّمة اهتمامها ومحور تغطیاتها، من دون أن تفقد البوصلة اتجاهها أو تحرفها عن وجهتها الحقیقیة، لکنّها لم تحظ بتبنّ ودعم مشبوهین یجعلها واسعة الانتشار، لتبقى الساحة مشاعاً لأحفاد وزیر إعلام هتلر، صاحب نظریة الکذب المتکرر.
مهما یکن من أمر، فـ"إسرائیل" لا تسمح لأی حدث بأن یحتل مکانتها الأولى فی الاستحواذ على الاهتمام بما تفعله من جرائم وانتهاکات من کل شکل ونوع، وفقاً لخلفیة غریزیة أولاً، ولأهداف بعضها معلن وبعضها الآخر مبطّن. وهی تفعل ذلک کلما وقفت عاریة من ذرائع جرائمها أمام بقایا الضمیر الإنسانی.
صحیح أن "إسرائیل" لا تحتاج إلى ذریعة لترجمة هوایتها بلغة الدم، لکن مجزرتها الأخیرة فی غزة المحاصرة منذ سنوات، جاءت فی توقیت لا یخلو من الرسائل للداخل الصهیونی والطرف الفلسطینی. فهی ترید أن تمسح الصورة الأخیرة التی طبعتها صفقة مبادلة جندیها غلعاد شالیت بأکثر من ألف أسیر فلسطینی، بینهم عشرات المحکومین بالمؤبدات، لتظهر بأن الصفقة المذلّة لها لا تعکس تراجعاً فی محاربتها لما تسمیه "الإرهاب".
أما الرسالة للجانب الفلسطینی، فهی مخضّبة بالدم وموجّهة، فی هذا التوقیت، للرئیس محمود عباس الذی أغضب "إسرائیل" فی خطابه الأخیر أمام المجلس الثوری لحرکة "فتح"، حیث تحدّث على نحو إیجابی غیر مسبوق تجاه حرکة "حماس"، ورفع منسوب الغضب "الإسرائیلی" بتأکیده أنه سیلتقی رئیس المکتب السیاسی للحرکة خالد مشعل، لیس لبحث المصالحة فحسب، وإنما لصیاغة استراتیجیة فلسطینیة بدیلة فی ظل تکالب الدول الغربیة لإسقاط مشروع التسویة إن لم یستمر وفق هوى "إسرائیل" ومقاسها الاستیطانی والتهویدی.
نستطیع أن نتوقع تصعیداً دمویاً یرتفع منسوبه کلّما ارتفعت لغة التصالح الداخلی لدى الفلسطینیین الذین لا تترکهم "إسرائیل"، إلا إذا تعمّق انقسامهم وأیقظ شیاطینها الفتنة عندما تسهو. ومن المؤکد أن الفلسطینیین تنتظرهم لحظات أشد صعوبة، فالتحرّک الدبلوماسی على جبهة الاعتراف بالدولة فی الأمم المتحدة ستحبطه أمریکا بالضغط على بعض أعضاء مجلس الأمن، وإن لم ینجح الضغط ستغتاله برصاصة "الفیتو"، فیما تواکبه "إسرائیل" بمواصلة القتل والاستیطان. فهل أمام الفلسطینیین سوى وحدتهم؟.
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS