الجمعه 11 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

فی ظلال صفقة التبادل: هل یتحقق للأسیر أحمد النجار ما تمناه؟

یاسین عز الدین

 

  کتب الأسیر القسامی أحمد النجار قبل ثلاثة شهور رسالة إلى الرأی العام والمؤسسات الحقوقیة قال فیها: "إن عجزتم عن إخراجی حیًا فلا تسمحوا بإبعادی میتًا"، فهو مصاب بسرطان الحنجرة وفقد القدرة على الکلام بعد استئصال الورم، ویخضع لجلسات علاج لم تستطع شفائه بشکل تام کما رفضت سلطات سجون الاحتلال السماح له بترکیب جهاز یعینه على النطق.

لم یکن هم الأسیر وقتها أن یستجدی علاجاً یمد فی عمره، ولا أن یستعطف العالم علیه، بل کان همه الأول هو أن لا یدفن بعیداً عن فلسطین، فهو ولد بأمریکا ولم یکن یحمل الهویة الفلسطینیة، ووفقاً لقوانین الاحتلال لا یمکن دفنه فی فلسطین ویجب إبعاد جثته لتدفن فی أی مکان لکن بعیداً عن فلسطین، لکنه رجل ولد من أجل فلسطین وعاش لأجل فلسطین ویرید أن یموت لأجل فلسطین.

کتب فی رسالته: " وطنی سکن قلبی منذ أن ولدت وأنا لم أولد فیه"، وأضاف "إن عجزتم عن إخراجی حیًا فلا تسمحوا بإبعادی میتًا عن وطنی، فإنی قد وهبت جسدی حین یبلى ترابًا أعزز فیه تراب بلدی"، فتفکیره کان یدور حول کیف یساهم بالجهاد والمقاومة ضد الاحتلال بعد موته، وهو لیس مستغرباً من رجل وهب حیاته لأجل فلسطین.

فأحمد النجار قدم إلى فلسطین زائراً مع أهله، ووفق قوانین الاحتلال لا یحق للفلسطینی أن یقیم على أرضه ما لم یحمل بطاقة الهویة التی یتحکم الاحتلال بإصدارها، مع ذلک بقی النجار بصورة مخالفة لقانون الاحتلال بعد انتهاء فترة التأشیرة، تشبثاً بأرض أهله وأجداده.

ولم یکتف بذلک بل انخرط منذ فترة مبکرة من حیاته فی کتائب القسام وشارک بالتخطیط لعملیات تهدف إلى تحریر الأسرى واعتقل المرة الأولى عام 1998م وحکم بالسجن أربع سنوات ونصف بسبب نشاطه العسکری، وبعد الإفراج عنه عام 2002م فی ذروة انتفاضة الأقصى لم ینتظر إلا أیاماً قلیلة وتوجه هو وقریبه مازن النجار إلى رفاقهم فی کتائب القسام وطلبا منهم استئناف نشاطهم المسلح، ورفضا أن ینتظرا لبضعة أسابیع کما حاولوا إقناعهم، ورفضا أی فترة نقاهة أو استراحة.

وبالفعل قاما بتشکیل خلیة سلواد وترأسها أحمد النجار والتی کانت جزءاً من خلیة أکبر کانت من أعقد خلایا القسام وأکثرها خطورة فی الضفة الغربیة، ونفذوا عدداً من العملیات المسلحة ضد المستوطنین وجنود الاحتلال فی منطقة رام الله وعلى الطریق الاستیطانی رقم 60 والذی عرفه الصهاینة بطریق الموت بسبب العملیات التی کانت تنفذها خلیة سلواد، لتبلغ عملیات الخلیة ذروتها فی عملیة عین یبرود عام 2003 فقتلوا أفراد دوریة راجلة واستولوا على سلاحهم. اعتقل النجار وأفراد الخلیة بعدها بقلیل أثناء تخطیطهم لقتل واختطاف جنود صهاینة من أجل مبادلتهم بأسرى فلسطینیون، وحکم علیه بالسجن المؤبد 7 مرات لکن همته لم تفتر، کیف لا وقد عرف عنه الجدیة وعدم حبه للهو أو المزاح، وکأن لسان حاله یقول کیف أضحک والأقصى أسیر؟ کیف أضحک وفلسطین سلیبة؟ نعم فحریة الأقصى أهم لدیه من حریة جسده.

ولفرط حبه للجهاد والمقاومة لا نبالغ عندما نقول أن المنغص الوحید علیه فی السجن کان بعده عن ساحات الوغى، لذلک کان همه الأول والأخیر وهو یکتب رسالته کیف یکون شوکة فی حلق الصهاینة وهو میت مثلما کان شوکة فی حلقهم وهو حی.

لقد فهم هذا القسامی الشامخ جوهر الصراع مع الکیان الصهیونی، فصراعنا لیس صراع حدود ولا صراع من أجل أن یکون لدینا علم وعملة ونشید وطنی، بل هو صراع على هویة هذه الأرض: هل هی أرض إسلامیة عربیة، أم یهودیة تنتمی للعالم الغربی؟

أراد أن یکون قبره فی فلسطین تأکیداً على عروبة وإسلامیة هذه الأرض فی الوقت الذی یحرص الصهاینة على اقتلاع کل أثر إسلامی بهذه الأرض، مثلما یعملون بتفجریفهم لمقبرة مأمن الله بمدینة القدس والتی تحوی قبور الصحابة ومئات العلماء والقادة المسلمون منذ الفتح العمری وحتى حلول نکبة فلسطین عام 1948م.

ولما کان تفکیر أحمد النجار الدائم وخبزه الیومی کیف یحارب هذا المحتل وکیف یحافظ على إسلامیة وعروبة فلسطین، فقد وصل لنتیجة أن یدفن فی هذه الأرض وأن یرابط بها میتاً مثلما رابط وجاهد حیاً.

لم یکن یأمل کثیراً بالإفراج عنه عندما کتب الرسالة، فصفقة شالیط کانت معلقة ومعطلة وقتها، وهو من الذین أثخنوا بالاحتلال الصهیونی ولم یمض على سجنه سوى 8 سنوات إلا قلیلاً، فکانت رسالته هذه وکانت جملته هذه، لکن شاء الله أن یکون اسمه ضمن صفقة الوفاء للأحرار، وأن یتحقق شرطه الأول "أن تحررونی".

سیخرج أحمد من سجون الاحتلال إلى غزة أو إلى الخارج (لا نعلم بعد)، وأیاً کان المکان فهو لن یعدم الوسیلة لیمارس هوایته وعشقه وغرامه الأول: مقارعة المحتل ومحاربته، ولن یهدأ له بال حتى یعود إلى أرض فلسطین لیموت فیها ولیدفن فیها، فتتحق بذلک رغبته مرتین: الأولى عندما تحرر والثانیة عندما یموت ویدفن على أرض فلسطین.

لو کان کل منا مثل أحمد النجار لأصبح تحریر فلسطین على مرمى حجر؛ عندما نفهم أن صراعنا مع الاحتلال هو على هویة الأرض فلا هو من أجل الحدود ولا من أجل تحسین ظروف المعیشة ولا من أجل علم ولا من أجل نشید وطنی، بل من أجل هویة فلسطین ومن أجل إسلامیة هذه الأرض وطهارة المسجد الأقصى، وکل خطوة نخطوها یجب أن تقربنا من هذا الهدف وإلا فهی عبث.

سیصبح تحریر فلسطین على مرمى حجر عندما یکون الجهاد والمقاومة (بکافة أشکالها المسلحة وغیر المسلحة) هو فطورنا وغداءنا وعشاءنا وسحورنا الیومی، فهل نستطیع الارتقاء إلى هذا المستوى؟ أم نفضل حیاة التیه والمنافی والذل والمهانة؟

صفقة الوفاء للأحرار لن ترفع المعاناة والذل والألم عن 1027 أسیر وعائلاتهم فحسب، ولن تعید بعضهم (أو أکثرهم) إلى ساحات الوغى لیقارعوا المحتل من جدید فحسب، بل تعلمنا أیضاً أن "الحیاة مقاومة"، ومن أراد الحیاة فلیتبع درب الشهداء کما تبعهم الأسیر أحمد النجار.

ن/25


| رمز الموضوع: 143312







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)