الاثنين 14 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

القمة العربیة فی بغداد خارج الأجندات

القمة العربیة فی بغداد خارج الأجندات

 

محمود الریماوی

 

تبدو القمة العربیة المقررة بعد أسابیع فی بغداد، کما لو أنها جزء من الماضی البعید لا من الآتی القریب. التطورات العاصفة التی تشهدها المنطقة والتی تتوالى فصولاً، تسلب هذه المناسبة حظوظ التحقق المعتاد، وتلقی علیها ظلالاً کثیفة ثم تدفع بها بعیداً خارج الأجندات الرسمیة والشعبیة.

کان مدار الشکوى قبل أسابیع أن العاصمة العراقیة التی حل، بالترتیب الأبجدی، موعد احتضانها للقمة، غیر مؤهلة لوجستیاً وأمنیاً لاستقبال هذا الحدث، فإذا التطورات اللاحقة تنبئ بأن ظروف اللقاء وطبیعة المشارکة فیه لم تعد قائمة على النحو الذی درجت علیه القمم منذ عقود، فالجامعة العربیة هی التی تتولى تنظیمیاً مهمة التحضیر والإعداد للمناسبة، غیر أن الخطوط بین الجامعة والعواصم شبه معلقة بانتظار ما تسفر عنه العواصف، ومن الواضح أن أمدها سوف یطول، وسوف تمتد تفاعلاتها إلى سنوات مقبلات، لا إلى نهایة مارس/آذار المقبل . ومصر التی ظلت تتصدر الحدث تاریخیاً، تشهد ما تشهده، و"ترتیب" وضعها الداخلی یتقدم على کل الاعتبارات.

الراجح أن من کان یعنیهم أمر القمة ویلتمس منها غطاء أو إطاراً، لم یعد یعنیهم هذا الأمر، فقد تبدلت الحسابات وانقلبت الأولویات. ومن کان یصرف النظر عن هذه المناسبة ولا یعلق علیها أیة آمال لحیثیات تتعلق بالجدوى وبسواها، فإنه فی هذه الظروف الفارقة یُسقطها من حسابه، إذ إن الأنظار والأذهان تتجه إلى مکان آخر، ولیست الشعوب بالتأکید هی الملومة على هذه النتیجة.

یشهد النظام العربی فی هذا المنعطف تحدیات من داخله غیر مسبوقة. وما یزید من حِدّتها أنها لم تکن متوقعة بهذا الحجم، وفی هذا التوقیت. لم یعد الخارج ولا ترجماته المحلیة مصدر هذه التحدیات، إذ إن الأوضاع الداخلیة تختزن تفاعلات شدیدة، وتردی الأحوال الاقتصادیة الذی لا تخطئه العین المجردة، وسلب الحریات العامة وغیاب المشروعات الوطنیة والقومیة الجامعة، واستنفاد القمع لأدواته واستشراء الفساد ومأسسته.. کل ذلک وغیره یهدد العدید من مکونات النظام العربی، بعد طول تغاضٍ عن هذه المشکلات، وفی کثیر من الحالات بعد التسبب بها والإصرار على المضی بها.

لقد التأمت القمم أول ما التأمت لمواجهة تداعیات القضیة الفلسطینیة، وقد کشفت ستة عقود عن مدى الإخفاق فی التعامل مع التحدی رغم التضحیات التی بذلت، ورغم ما أثبتته جیوش عربیة وقوى مقاومة من کفاءة وبسالة فی مقارعة العدو، غیر أن الحصاد السیاسی النهائی کان أقل من صفر، إذ إن أراضٍ عربیة إضافیة جرى احتلالها فی عام 1967، والسلام الذی کان مطلباً صهیونیاً بات أمنیة عربیة وفلسطینیة رسمیة فیما المحتلون خرجوا بصیغة تتناسب مع أطماعهم التوسعیة وقوتهم التی راکموها وهی السلام مقابل السلام لا مقابل الأرض. والقمم عاجزة عن التعامل مع هذا التحدی وتلجأ إلى حلول دبلوماسیة تقلیدیة من قبیل تسییر موفدین منها إلى واشنطن وعواصم غربیة.

لم تنجح القمم فی ترجمة أی من بیاناتها وتوجهاتها الإعلامیة، وباتت عاجزة عن حل المشکلات البینیة بین مکونات النظام العربی، وأصبح الانکفاء وتعظیم الحسابات الذاتیة هو الفیصل الذی یجمع بین هذه المکونات على اختلافها.

لم یؤد ذلک فقط إلى الإخفاق الذی یلتقی علیه الجمیع تقریباً، بمن فی ذلک من هم داخل مؤسسة القمة والجامعة، ولکنه أدى ویؤدی إلى التفاعلات التی نشهدها منذ أسبوع فی الشمال الإفریقی العربی، وهی تفاعلات مرشحة للاستمرار بوتائر ووسائل مختلفة فی مقبل الأیام. وحکمة اللبیب الذی یتعظ بغیره، لا تجد من یأخذ بها إلا متأخراً أو جزئیاً. فلا أحد مع الفوضى أو مع الخراب، ولکن الاستقرار الذی به یلهجون هو سکون الاختلالات، ودوام الأخطاء على حالها، وشیوع حالة من التکلس والانقطاع عن العباد، ما یدفع بالتفاعلات إلى السطح بمظاهر متوترة مختلفة. ودوام الحال من المحال، کما قالت العرب قدیماً.

العالم العربی یتغیر، هذا ما یکاد یجمع علیه مراقبون محایدون وأصدقاء وخصوم. من واجب النخب السعی لأن یکون التغیر بأقل آلام ممکنة، وبأدنى الأضرار وبما یحفظ أساساً النسیج الوطنی للمجتمعات وبما یحافظ على الدولة ومکتسباتها، وبما یحول دون المنازعات الأهلیة أو الانزلاق نحو الانقلابات المقیتة، التی باتت الخبرة البشریة ترفضها وتدینها وباتت جزءاً من أرث الماضی ولیس بالقطع من خیارات المستقبل. وفی القناعة الآن أن الإصلاحات الجدیة والشاملة باتت خیار حیاة وشرطاً حیویاً للاستقرار، وهو الدرس الذی تنبض به بل تفیض به التطورات التی نشهدها.

فالعقلیة السلطویة التسلطیة ترتد فی نهایة المطاف على أصحابها؛ والاحتکار السیاسی یجافی منطق الحیاة وطبیعة الأشیاء، فحتى على مستوى أسرة صغیرة، ففی ظروف معینة ینبغی أن یتشارک الجمیع فی اتخاذ القرارات وتحمل الأعباء والتمتع بالمکتسبات.. خاصة حین یکون الأبناء عاقلین راشدین. والشعوب لیست أطفالاً حتى ینطلی علیها إلى ما لا نهایة الترهیب والترغیب، وحتى تثق بالدیباجات الإعلامیة المکررة، التی تنکرها الحیاة والوقائع الحسیة العیانیة ومقولة ضمان الخبز والحریة معاً تظل معادلة ذهبیة تزکیها الأیام وتجارب البشریة بأسرها ونحن جزء منها.

ن/25

 


| رمز الموضوع: 143206







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)