الاثنين 14 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

دوافع الثورة على نظام مبارک

دوافع الثورة على نظام مبارک   

 

شکلت الثورة المصریة التی أطاحت بحسنی مبارک یوم 11 فبرایر/ شباط عام 2011 لحظة فاصلة فی الحیاة السیاسیة فی مصر.وتألفت القوى التی وجهت ضربة قاضیة لحکم مبارک ولحزبه الوطنی الدیمقراطی, من خلیط من الحرکات الاحتجاجیة والأحزاب والشخصیات المستقلة والاعتباریة المطالبة بالدیمقراطیة.

وانطلقت أحداث الثورة -التی لم تغب عن مفجریها تجربة تونس- عملیا یوم 25 ینایر/ کانون الثانی بالدعوة لمظاهرة غضب بالتزامن مع احتفالات یوم الشرطة, وجهتها حرکة شباب 6 أبریل التی انطلقت عام 2008 إثر الاحتجاجات العمالیة والطلابیة فی مدینة المحلة الکبرى فی دلتا مصر.واستجابت للدعوة أحزاب الجبهة الدیمقراطیة (بزعامة أسامة الغزالی حرب)، والغد (بزعامة أیمن نور)، والجمعیة الوطنیة للتغییر (ائتلاف واسع یضم حرکة الإخوان المسلمین ومحمد البرادعی) والحملة الشعبیة لتأیید محمد البرادعی، والحملة الشعبیة لترشیح حمدین صباحی للرئاسة ورفض حزب التجمع (برئاسة رفعت السعید) وحزب الجیل (بزعامة ناجی الشهابی) المشارکة بالاحتجاجات، وتریث حزبا الوفد (بزعامة السید البدوی) والناصری (ضیاء الدین داوود) فی حسم موقفهما, لکن تطور المواجهات دفع کل الحرکات والأحزاب المترددة إلى حسم أمرها بالمشارکة.

وانضم إلى المظاهرات منذ یومها الأول أیضا أصحاب المعاناة المعیشیة، الذین قرروا الاحتجاج بعفویة فی الشارع دون انتماء لتنظیم أو حزب سیاسی وشکلوا عملیا أغلبیة المتظاهرین.وبین هؤلاء ثلاث فئات ظلت بعیدة تقلیدیا عن الحرکة الاحتجاجیة التی ترکزت منذ عام 2004 فی النقابات المهنیة وبعض الشخصیات العامة والأحزاب هی: کبار السن وطلاب المدارس الثانویة وأصحاب الأعمال الصغیرة والمهنیین.

وکانت الفئات المتضررة من مصاعب المعیشة وخصوصا المهنیین والشباب هی السباقة وفق المحلل السیاسی د. عمار علی حسن لرفع سقف الشعارات التی کان المحتجون التقلیدیون یطرحونها لتصل إلى حد المطالبة بتنحی الرئیس ورحیل نظامه.على أن تحقق هدف الثوار الرئیس یطرح أسئلة عن ماهیة العوامل الجامعة بین کل فئات المحتجین التی رفعت حالة الاحتقان فی الشارع المصری إلى هذا المستوى غیر المسبوق.

ویمکن إجمال هذه العوامل -التی شکلت أیضا محرک العمل السیاسی المناهض للنظام على مدى سنوات حکم مبارک الثلاثین- بالتالی:

- تمسک الرئیس حسنی مبارک بأحکام قانون الطوارئ المفروض منذ عام 1967 والتذرع باغتیال سلفه أنور السادات عام 1981 لاستخدام القانون لقمع المجتمع وخصوصا الحرکات والتیارات المنتمیة إلى ما سمی الإسلام السیاسی.

- التحضیر لتوریث الحکم إلى جمال مبارک ابن الرئیس بمعزل عن رغبة المصریین. وأرجع المدیر العام السابق برئاسة الجمهوریة د. محمود صبرة فی تصریح للجزیرة یوم 6 فبرایر/ شباط بدء عملیة التوریث اعتبارا من العام 1998 عندما طلب الرئیس من موظفی مکتبه إطلاع نجله جمال على نسخة من التقاریر الحکومیة التی کانت تعرض حصریا علیه بوصفه رئیسا للدولة. واستکمل ذلک لاحقا عبر تولیه منصب رئیس لجنة السیاسات بالحزب الوطنی الدیمقراطی الحاکم.

- استبعاد کل شخصیة عامة تصلح لخلافة مبارک حتى لو أتت من داخل النظام مثل الأمین العام للجامعة العربیة عمرو موسى وتلفیق اتهامات للنائب السابق زعیم حزب الغد أیمن نور لمجرد تجرؤه على منافسة مبارک فی انتخابات الرئاسة عام 2005 وسجنه لعدة أعوام.

- حصر الاستفادة من ثروات مصر بفئة رجال الأعمال التی استحوذت على الحزب الوطنی الدیمقراطی الحاکم وحولته إلى أداتها السیاسیة برضا الرئیس وتواطؤه فی إطار ما عرف بزواج المال والسلطة.

- توسع نطاق الفساد فی أجهزة الدولة وخنق الاقتصاد الوطنی بدعوى تحریره عبر بیع مؤسسات القطاع العام وتحویل ریعها إلى فئة رجال الأعمال المنتمین للحزب الوطنی الدیمقراطی.

- تعمیق التبعیة للخارج، وبالذات للولایات المتحدة وإسرائیل.

- زوال حاجز الخوف تدریجیا من النظام وآلته القمعیة اعتبارا من عام 2004 عند تشکل حرکة "کفایة" من بعض المثقفین والشخصیات العامة وسط تجاهل النظام وتقلیله من شأن هذا الحدث.

- تعدیل الدستور بطریقة تحول دون ترشیح أی شخص من خارج الحزب الوطنی وبما یتیح لمبارک عددا غیر محدد من الولایات الرئاسیة.

- إلغاء الرقابة القضائیة على الانتخابات وما تبعها من تزویر فاضح لانتخابات مجلس الشعب لعام 2010 لصالح مرشحی الحزب الوطنی الدیمقراطی مما دفع الأحزاب المرخصة التی کانت قد خاضت دورتها الأولى إلى الانسحاب من جولة الإعادة والطعن بفوز عشرات نواب الحزب الحاکم.

شکلت هذه العوامل محاور الحرکة المناهضة لنظام الرئیس حسنی مبارک السنوات الأخیرة من حکمه. وکان محرکها طیف من الأحزاب السیاسیة والحرکات الاجتماعیة المعارضة لنظامه ولسیاسات الحزب الوطنی الدیمقراطی المهیمن على أجهزة الدولة منذ تأسیسه على ید أنور السادات عام 1978.وحتى ما قبل أحداث ثورة 25 ینایر 2011 کان المبادر لغالبیة الاحتجاجات الحرکات الاجتماعیة والشبابیة والنقابات المهنیة, وسط تعاطف الأحزاب السیاسیة والأحزاب المحظورة فی مقدمتها الإخوان المسلمون وبعض الشخصیات العامة التی برز بینها اعتبارا من العام 2010 المدیر العام السابق للوکالة الدولیة للطاقة الذریة د. محمد البرادعی بعد تقاعده من منصبه الدولی.

غیر أن عنف الشرطة المتزاید وموت عدد من الموقوفین أثناء احتجازهم وتکرار حرائق القطارات الناجم عن سوء الإدارة والفساد ومقتل الأبریاء جراء انهیار منازلهم، شکلت مجتمعة إلى جانب تردی الخدمات وموت الناس أثناء انتظارهم فی طوابیر الخبز حافزا لتکرار الاحتجاجات واتساع نطاقها.

وأدت أحداث بعینها کاحتجاجات أبریل/ نیسان ذات الطابع المطلبی فی المحلة الکبرى والقاهرة عام 2008 لخروج تشکیلات سیاسیة اجتماعیة إلى العلن مثل حرکة 6 أبریل. وتکرر الأمر فی إطلاق مبادرة على الشبکات الاجتماعیة أسمیت "کلنا خالد سعید" بعد مقتل الشاب المذکور وعمره 28 عاما على ید رجال الشرطة بمدینة الإسکندریة.ومع نزول الشعب المصری إلى الشوارع وقف کل المناهضین لنظام مبارک فی صف واحد رغم اختلاف خلفیاتهم السیاسیة والفکریة، وبین هؤلاء الأحزاب المرخصة الوفد والناصری والتجمع والجبهة الدیمقراطیة والغد وأخرى غیر مرخصة کحرکة الإخوان وحزب العمل.

غیر أن لجوء الرئیس مبارک إلى تعیین نائب له لأول مرة منذ ثلاثین عاما وإقالته حکومة أحمد نظیف نزولا عند ضغط الاحتجاجات, شجع الأحزاب المرخصة باستثناء الناصری على الانخراط فی حوار دعا إلیه مبارک یوم 3 فبرایر/ شباط. لکن هذه الأحزاب ما لبثت أن أعلنت تباعا انسحابها من الحوار وشکلت ثلاثة منها هی الوفد والناصری والتجمع ما عرف بالائتلاف الشعبی للتغییر لمواجهة أی فراغ محتمل فی السلطة.

بالمقابل واصلت الحرکات المجتمعیة کالحرکة المصریة للتغییر المعروفة اختصارا بکفایة وحرکة 6 أبریل والجمعیة الوطنیة للتغییر التی تضم حرکة الإخوان -أکبر حرکات المعارضة قاطبة -ومحمد البرادعی بالإضافة لناشطین آخرین تمسکها بأعمال الاحتجاج إلى حین سقوط النظام.

لقد حاول مبارک أن یسترضی الجماهیر الغاضبة بتنازلات تدریجیة بدأت بتغییر الحکومة وتعیین عمر سلیمان نائبا له وانتهت بالموافقة على تعدیل الدستور، إلا أن ذلک لم یخفف من إصرار المصریین المناهضین له على تنحیه وتغییر نظامه.ومع تسلیم مبارک سلطاته إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة، بدأت مرحلة جدیدة فی تاریخ مصر لم تتضح معالمها بعد رغم التزام الجیش فعلا بالحیاد وتأکیده فی بیان صدر بعد تنحی الرئیس أنه لیس بدیلا عن الشرعیة.

فهل سیعمد الجیش الذی أقر بمشروعیة مطالب الثورة إلى إلغاء الدستور وطرح دستور جدید على استفتاء؟ وهل سیحل مجلسی الشعب والشورى المشکوک بشرعیتهما؟ وهل سیحل الحزب الوطنی الدیمقراطی الحاکم الذی تآکلت شرعیته عند تصدی رعاعه للمظاهرین سلمیا ومحاولة إحراقهم فی میدان التحریر؟ وهل سیحدد موعدا قریبا لانتخابات تشریعیة ورئاسیة؟

کل ذلک یعتمد على طبیعة ما سیأتی فی البیانات اللاحقة الصادرة عن المجلس الأعلى للقوات المسلحة ورئیسه المشیر محمد حسین طنطاوی الذی رافق مبارک منذ تعیینه قائدا للجیش عام 1991.بالمقابل أصدر تشکیل لم یکن معروفا من قبل یحمل اسم "جماهیر ثورة 25 ینایر" بیانا بعد تنحی مبارک أکد فیه استمرار الثورة وبقاء الجماهیر فی کافة مدن البلاد حتى تتم الاستجابة لکل قرارات الثورة صاحبة الشرعیة الوحیدة والمتمثلة فیما یلی :

- الإلغاء الفوری لحالة الطوارئ والإفراج عن کافة المعتقلین السیاسیین.

- إلغاء الدستور الحالی وتعدیلاته وحل مجلسی الشعب والشورى والمجالس المحلیة.

- إنشاء مجلس حکم رئاسی انتقالی یضم خمسة أعضاء شخصیة عسکریة وأربعة رموز مدنیة، على ألا یحق لأی عضو منهم الترشح لأول انتخابات رئاسیة قادمة.

- تشکیل حکومة کفاءات وطنیة مستقلة تهیئ لإجراء انتخابات حرة ونزیهة فی نهایة الفترة الانتقالیة وفی مدة لا تزید على تسعة أشهر. ولا یجوز لهم الترشح لأول انتخابات رئاسیة أو برلمانیة.

- تشکیل جمعیة تأسیسیة لوضع دستور دیموقراطی جدید. وإطلاق حریة تکوین الأحزاب على أسس مدنیة ودیمقراطیة وسلمیة.

- إطلاق حریة الإعلام وتداول المعلومات وإطلاق حریة التنظیم النقابی وتکوین منظمات المجتمع المدنی.

-إلغاء کافة المحاکم العسکریة والاستثنائیة وکل الإحکام التی صدرت بحق مدنیین من خلال هذه المحاکم.

مصیر هذه المطالب رهن بالقوى والهیئات المصریة السیاسیة والشعبیة الفاعلة ، لکن الأکید أن مصر بعد 12 فبرایر/ شباط 2011 لن تکون مثلما کانت خلال حقبة حکم حسنی مبارک.

ن/25

 

 

 

 


| رمز الموضوع: 143203







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)