الاثنين 14 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

الى این قضیة فلسطین بعد التحولات العربیة؟

عصام نعمان

 

تعمّ الحراکات الشعبیة نحو عشرة أقطار عربیة. ومع تمدد الحراکات فی المشرق والمغرب وتعمیق شعاراتها وأهدافها، سیاسیاً واجتماعیاً، کما فی مصر وتونس، نشأت عنها تداعیات وتأثیرات فاضت على ما حولها وأسهمت فی تولید تحوّلات لافتة.

فی فلسطین المحتلة، یتابع أطراف الصراع، على ضفتیها العربیة والصهیونیة، الحراکات الشعبیة وتداعیاتها، ویحللونها ویستخلصون منها نتائج ودروساً، ویرسمون فی ضوئها مواقف واستراتیجیات. من مراجعة الواقعات والممارسات ذات الصلة، تستبین الظاهرات والاتجاهات الآتیة :

على الصعید الفلسطینی، اتخذ الحراک الشبابی فی قطاع غزة والضفة الغربیة صورة الاعتراض الشدید على ظاهرة الانقسام السیاسی، وحثّ القیادات على تجاوز مظاهره المفرّقة باتجاه ترمیم الوحدة الوطنیة وتصلیبها. کما أسهم الحراک الشبابی فی تزخیم الدعوة الى مصالحة حرکتی 'فتح' و'حماس' من اجل إقامة حکومـة موحدة تُشرف على إجراء انتخابات تشریعیة ورئاسیة.

بنیامین نتنیاهو استهجن مشروع مصالحة 'فتح' و'حماس' بقوله، 'کیف یمکن ان یکون محمود عباس مؤیداً للسلام مع اسرائیل، وفی الوقت نفسه، مؤیدا للسلام مع 'حماس' التی ترغب فی القضاء علینا'؟

الى ذلک، تتابع السلطة الفلسطینیة جهودها الرامیة الى الحصول على أوسع تأیید دولی لمشروعها الرامی الى اعتراف الامم المتحدة فی دورة ایلول/ سبتمبر القادمة بدولة فلسطینیة مستقلة فی حدود عام 1967.

یواکب سعی السلطة الفلسطینیة فی هذا السبیل معارضة صهیونیة متزایدة، تمثلت بتهدید بنیامین نتنیاهو للفلسطینیین باتخاذ خطوات عقابیة احادیة الجانب فی حال الاستحصال على اعتراف اممی بالدولة المرتجاة. وقد تردد ان الخطوات العقابیة ربما تتمثل بفرض القانون الإسرائیلی على الضفة الغربیة، او ضم الکتل الاستیطانیة الکبرى فی الضفة الى اسرائیل (صحیفة 'هآرتس' 29/3/2011).

هکذا یتضح ان کلا الجانبین، الفلسطینی والاسرائیلی، یقف على عتبة اتخاذ قرارات مصیریة ذات تأثیر متبادل على کلیهما.

على الصعید الاسرائیلی، تبدو القیادة الاسرائیلیة العلیا، السیاسیة والعسکریة، قلقة ومرتبکة ازاء الحراکات الشعبیة، ولاسیما ما یتعلق منها بمصر وسوریة، وانعکاساتها المحتملة على الساحة الفلسطینیة. فهی وإن کانت قد اطمأنت الى ان مصر ستبقى ملتزمة فی المستقبل المنظور بمعاهدة الصلح معها، إلاّ انها تشعر بأن سیاسة القاهرة حیال المعابر والانفاق سیطرأ علیها تعدیل. فمعبر رفح سیفتح امام اهل غزة بصورة دائمة، وعینا مصر ستتغاضیان عن عشرات الانفاق التی تمدّ قطاع غزة بأسباب الحیاة و... المقاومة.

بعد وصول احد صواریخ المقاومة الفلسطینیة اخیراً الى ضواحی تل ابیب، اضطرت القیادة الاسرائیلیة الى المفاضلة بین خیارین: الاول یقضی بشن عملیة عسکریة واسعة النطاق على قطاع غزة لإلحاق اضرار بشریة ومادیة جسیمة به، وإعادة تثبیت مفهوم الردع. الثانی یقضی بشن سلسلة عملیات تدمیر واغتیالات مؤثرة، انما من دون التسبب بتصعیدٍ للاوضاع فی المنطقة (صحیفة 'یدیعوت احرونوت' 24/3/2011).

اهتمام اسرائیل بالحراکات الشعبیة یتعدى انعکاساتها على قطاع غزة وجهود السلطة الفلسطینیة للحصول على اعتراف أممی بدولة فلسطینیة مستقلة، لیشمل المنطقة برمتها. ذلک انها تتوقع، کما کشف المحلل السیاسی الوف بن فی 'هآرتس' (26/3/2011) ان الثورات والحروب فی الدول العربیة لن تؤدی الى تغییر المنطقة فقط، بل ستعید ایضا رسم خریطتها. فالحدود التی وضعتها الدول الکبرى التی تقاسمت فی ما بینها افریقیا والامبراطوریة العثمانیة توشک ان تتغیر، ما یؤدی الى ظهور دول جدیدة فی السودان والعراق وفلسطین وشرق لیبیا. وتؤمل اسرائیل بأن تُحسن انتهاز الفرص المترتبة على ظهور دول جدیدة للاستفادة منها، بل للاسهام ایضا فی توجیه عملیة تفکیک دول الشرق الاوسط لزیادة قوتها ونفوذها فی المنطقة !

على الصعید العربی، یبدو المستقبل غامضاً بل عصیّاً على الاستشفاف. ذلک ان الحراکات الشعبیة التی تعصف بالاقطار العربیة ما زالت فی بدایتها، وقد تجری میاه کثیرة تحت الجسور قبل ان تکتمل فعالیتها وتتضح نتائجهـا. فی مصر، تجددت الروح الشبابیة الدافعة للحراک الشعبی والناهضة بمتطلبات الحشد والتعبئة، فأمکن جمع مئات الالاف فی میدان التحریر من اجل 'انقاذ الثورة' من 'تراجعٍ عن مبادئ حرکة 25 ینایر' ولاسیما لجهة محاکمة حسنی مبارک ورموز الفساد فی نظامه، والمماطلة فی اطلاق المعتقلین السیاسیین. فی سوریة، یواجه نظام حزب البعث تحدییّ المؤامرة والاصلاح معاً، من دون ان یتضح ما اذا کانت الاصلاحات التی تأخر النظام فی إقرارها ستنال رضا المحتجین والمتظاهرین بعد تنفیذها، ام انها ستکون سبباً لتوسیع دائرة الاعتراض والمعارضة. اما فی لیبیا والیمن، فظاهر الصراع یشیر الى امکانیة تطوره الى حرب اهلیة طویلة الامد، لا یمکن التکهن الیوم بما یمکن ان ینجم عنها غداً. ثمة دلائل متعددة تشیر الى ان دول امریکا وأوروبا، کما اسرائیل، دخلت بشکل او بآخر، على خط الصراع فی معظم الاقطار التی تعصف بها حراکات شعبیة، وان تدخلاتها لیست، بطبیعة الحال، بریئة بل هی تشی بمخاطر جمة تهدد وحدة أقطار عدة کما مواردها الطبیعیة.

هل یمکن استشراف الخطوط الرئیسة لما یمکن ان تتجه الیه التطورات والتحولات الماثلة؟

لعل قضیة فلسطین، بما هی نقطة تقاطع عدة سیاسات وصراعات عربیة واقلیمیة ودولیة، المدخل الاقرب والاهم للجواب عن السؤال.

یقتضی، بادىء الامر، الترکیز على واقعات وتحوّلات بالغة الدلالة :

أولاها، ان التحالف الیمینی ـ الدینی الحاکم فی الکیان الصهیونی لیس فی صدد التراجع عن المکتسبات التی حققها بالحرب والاحتلال فی ارض فلسطین التاریخیة، إلاّ فی اضیق الحدود وبما لا یتعارض مع هیمنته علیها من النهر الى البحر. لا حل الدولتین، ولا الدولة ثنائیة القومیة، ولا حتى الدولة المنزوعة السلاح ذات الحدود المؤقتة على اقل من 60 فی المئة من مساحة الضفة الغربیة، یعتبرها مخرجاً جدیاً. هذا یجعل خیار المفاوضات غیر ذی موضوع.

فی المقابل، ما عاد خیار مفاوضة اسرائیل مقبولاً لدى الفلسطینیین. حتى جماعة السلطة الفلسطینیة اسقطته معتمدةً بدلاً منه خیاراً آخر هو الاستحصال من الجمعیة العامة للامم المتحدة على اعترافٍ صریح بدولة فلسطینیة مستقلة على 'حدود' العام 1967.

ثانیتها، مع اندلاع الحراک الشعبی فی سوریة ونزوع نظام البعث فیها الى اتهام الولایات المتحدة، ومن ورائها اسرائیل، بالتآمر علیه، ما عاد خیار السلام بین اسرائیل وسوریة وارداً. لا بشار الاسد یریده اصلاً ولا اسرائیل بإمکانها الاستعاضة به عن انهیار مفاوضاتها العبثیة مع الفلسطینیین، وخصوصاً بعد ازدیاد المخاطر المشعة من محور سوریة - ایران - حزب الله عقب سقوط حسنی مبارک.

ثالثتها، ان اسرائیل تعانی من انحسار 'شرعیتها' الدولیة لکونها آخر دولة محتلة فی العالم وتسیء، فوق ذلک، معاملة الفلسطینیین، وثبوت ذلک بعدة قرارات ووثائق دولیة لیس آخرها تقریر غولدستون. ذلک کله یعقّد مسألة لجوئها الى الحرب، مرة اخرى، لتطویع اعدائها، ولا سیما بعد تنامی قوة حزب الله وقدرته (فضلاً عن سوریة ایضا) على إلحاق اضرار بشریة ومادیة بالغة بها فی حال اعتمادها خیار الحرب. لذلک تفضل اسرائیل اعتماد خیار الردع الرامی الى لجم العدو من دون حمله على الرد بالحرب. على ان ذلک لا یمنعها، فی حال توفر ظروف اقلیمیة ملائمة، من اللجوء الى الحرب لتحقیق اهداف استراتیجیة متقدمة.

رابعتها، ان الولایات المتحدة لیست فی وضع یمکّنها من دعم الفلسطینیین للحصول على اعتراف من الامم المتحدة بدولتهم، ولا دعم اسرائیل فی حرب حاسمة ضد الفلسطینیین والعرب الذین یدعمونهم، وإن کانت ستمتنع عن الوقوف ضد اسرائیل فیما اذا شنت الحرب علیهم. کل ذلک سببه حرص باراک اوباما على مراعاة الیهود الامریکیین لضمان فوزه بولایة رئاسیة ثانیة.

فی ضوء هذه الواقعات والاحتمالات، ماذا یمکن ان یفعل الفلسطینیون وحلفاؤهم؟

لیس فی مقدور الفلسطینیین ولا حلفائهم فی الوقت الحاضر اللجوء الى خیار الحرب ضد اسرائیل، بالنظر الى واقع عدم التکافؤ العسکری والتکنولوجی معها. غیر انهم وحلفاءهم قادرون على ردع العدو الصهیونی فی حال شن الحرب علیهم وتکبیده قدراً کبیراً من الاضرار ما یجعله یفضل الاستعاضة عن خیار الحرب ببدائل اخرى.

غیر ان مواجهة احتمال الحرب الصهیونیة وضرورة الاستعداد للرد علیها بالردع الشامل من جهة، ومجابهة سیاسة اسرائیل الرامیة الى تهوید القدس الشرقیة وقسم کبیر من الضفـة الغربیة من جهـة اخرى، تفرضان على الفلسطینیین (وحلفائهم ) اعتماد استراتیجیة مواجهة تقوم على المرتکزات الآتیة :

(أ) استعادة الوحدة الوطنیة الفلسطینیة بمصالحة شاملة بین الفصائل والاحزاب على اساس الثوابت الوطنیة والحقوق غیر القابلة للتصرف، والعودة الى اعتماد خیار المقاومة، المدنیة والمیدانیة، بحسب ما تقتضیه متطلبات الجهاد ضد العدو الصهیونی، وإقامة حکومة وطنیة جامعة مهمتها اجراء انتخابات تشریعیة ورئاسیة، بعدها إقامة حکومة اتحاد وطنی لمواجهة التحدیات الماثلة.

(ب) اسقاط سیاسة التفاوض مع العدو، بالعمل للحصول على اعتراف من الامم المتحدة بدولة فلسطینیة سیدة مستقلة على اساس خطوط وقف النار للعام 1967، وفق صیغة الاتحاد من أجل السلام، وذلک عملاً بمبدأ حق الشعب الفلسطینی بإقامة سلطة وطنیة على ای جزء من ارضه یجری تحریرها من العدو، مع التمسک بتحریر کامل التراب الفلسطینی من النهر الى البحر بقوى الداخل الثائر وقوى الشتات الفلسطینی المساند، وبالتحالف مع قوى المقاومة والممانعة فی المنطقة.

(جـ) مع قیام الدولة الفلسطینیة بقرار دولی، یصبح الاحتلال الاسرائیلی غیر شرعی بالمطلق، فتکون مواجهته شرعیة وواجبة بکل الوسائل المتاحة، وفی مقدمها المقاومة المدنیة والعصیان المدنی. هکذا تجد اسرائیل نفسها فی حمأة انتفاضة شعبیة شاملة یقوم بها عرب الداخل (1948) وعرب الضفة والقطاع، ووسط حصار سیاسی وتندید اخلاقی اقلیمی ودولی.

(د) فی حال تمادت اسرائیل فی رفضها تنفیذ القرار الدولی، یکون من حق الدولة الفلسطینیة السیدة والمستقلة ان تتعاون مع، وان تنخرط فی التحالف القائم بین قوى المقاومة والممانعة فی المنطقة، وان تستفید من امکاناتها السیاسیة والاقتصادیة واللوجستیة والعسکریة فی الکفاح لتثبیت سیادتها على ارضها، ومن ثم لتحریر کامل التراب الفلسطینی.

هذه المقاربة مطروحة للمناقشة.

ن/25

 


| رمز الموضوع: 143164







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)