الاثنين 14 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

تسع سنوات على ملحمة مخیم جنین!

نواف الزرو

 

- أبطال من زمنٍ آخر- قاتلوا بروحٍ وعزیمة أسطوریة

- أسطورة مخیم جنین باتت منهاجا یدرس فی المعاهد والجامعات العسکریة العالمیة

- کان مخیم جنین الموقع الذی دفع فیه الجیش الإسرائیلی الثمن الأبهظ

- صحافی فرنسی: "وسط المخیم بات یشبه برلین عام 1945 نظراً لحجم التدمیر الفظیع".

لا یمکن للفلسطینی والعربی بعامة أن یمر هکذا على الذکرى التاسعة لمعرکة مخیم جنین، تلک المعرکة التی ارتقت فی الوعی الجمعی الفلسطینی والعربی إلى مستوى الأسطورة، وأجمعت الشهادات الحیة من قلب المعرکة، واعترافات ضباط وجنود العدو الذین کانوا فی قلب المواجهة، وکذلک الوثائق والمعطیات على الأرض، على أن معرکة المخیم کانت أسطورة عز نظیرها فی تاریخ المواجهات والحروب مع دولة الاحتلال وذلک لیس عبثا أو مبالغة إعلامیة!

فوفق الشهادات الفلسطینیة فنحن أمام أبطالٌ من زمنٍ آخر، وهذا أقل ما یقال فی أولئک المقاتلین المحاربین الأشداء الذین قاتلوا بروحٍ وعزیمة لم یملکهما جیشٌ من العرب، برغم کل ما تملک تلک الجیوش.

ففی بدایة عام 2002 أطلقت دولة الاحتلال حملة "السور الواقی" فی الضفة الغربیة لاقتلاع ما وصفه آنذاک رئیس الوزراء الإسرائیلی آرئیل شارون جذور "الإرهاب الفلسطینی"، وکانت تستهدف العملیة مدن الضفة بأکملها لمحاولة القضاء على المقاومة وفی مقدمتها مخیم جنین، الذی لا یتعدى الکیلو متر المربع الواحد.

ومع بدایة الحملة العسکریة ضد المدن الفلسطینیة فی الضفة، رکزالاحتلال حملته ضد المخیم الأکثر صلابةً وأقل مساحةً من بین تلک المخیمات التی تتواجد بالمدن المختلفة، باعتبارهم أن المخیم کان أهم قاعدة للمقاومة.

مشاهد القتل والدمار والخراب

تعمد جیش الاحتلال خلال حملته التی استهدفت المخیم تدمیر کافة مرافق الحیاة بحیث لم یسلم بیت أو مؤسسة أو مواطن فی المخیم على مدار أیام القصف والمداهمة، ومنذ بدء الهجمة الإسرائیلیة قامت الدبابات والجرافات بتدمیر ونسف واجهات العشرات من المنازل والعبث فیها وتخریبها.

یقول عطا أبو ارمیلة رئیس اللجنة الشعبیة للخدمات فی المخیم "إن الجیش الإسرائیلی ألحق دماراً وخسائر فادحة فی کافة مرافق البنیة التحتیة فی المخیم، فقد قصف محولات وأعمدة الکهرباء لیغط المخیم بظلام دامس عدة أیام، کما دمر خطوط الاتصالات والمیاه وداست الدبابات أکثر من 20 مرکبة مختلفة بشکل متعمد کانت متواجدة فی مناطق آمنة ومتوقفة دون حرکة أو نشاط بل وأحرقت بعض السیارات. وذکر أن الجنود أضرموا النار فی عدد من المحلات التجاریة فیما استهدف الرصاص محلات أخرى واتلفت محتویاتها کما لم یبق بیت فی المخیم إلا وألحق به دمار واخترقه الرصاص- المصدر نفسه".

وحتى المساجد کما یقول الشیخ خالد الحاج لم تسلم من قصف الطائرات والدبابات، وأضاف "أن الجنود عملوا على إرهاب وإذلال الأهالی، فقد احتجزوا الأطفال ومزقوا المصاحف والکتب الدینیة وصور الشهداء وصادروا أجهزة کمبیوتر ودیسکات وأجهزة کهربائیة وتعمدوا استفزاز المواطنین بشتم الذات الإلهیة وهددوا عائلات الشبان المطلوبین بتصفیتهم وهدم منازلهم إذا لم یسلموا أنفسهم، وکل ذلک تم تحت سمع وبصر العالم الذی لا زال یقف صامتاً، والسؤال إلى متى وإسرائیل لا تتورع حتى عن قتل الأطفال والمعاقین ورجال الإسعاف؟".

وسط المخیم یشبه برلین عام 45

ویقول بیار بار بانسی الصحافی العامل لحساب صحیفة لومانیتیه الناطقة بلسان الحزب الشیوعی الفرنسی الذی أمضى 48 ساعة فی المخیم عند حاجز جلمة "إنه بحسب العدید من شهادات الفلسطینیین فإن الجیش الإسرائیلی قام بدفن جثث فی حفرة الساحة المرکزیة للمخیم وردمها بالأسمنت، وأضاف أن وسط المخیم بات یشبه برلین عام 1945 نظراً لحجم التدمیر الفظیع". وقال إنه شم رائحة جثث وشاهد أکواماً من النفایات وحشرات وظروفاً صحیة مریعة وأطفالاً ونساء یصرخن وهن یحملن أطفالهن لأنهن لم یعدن قادرات على تنظیفهم بسبب النقص فی المیاه، وقد انقطعت تقریباً الأغذیة والحلیب للأطفال".

وأضاف: فی ساحة الحواشین فی وسط المخیم، یعید المشهد إلى الذاکرة صور برلین عام 1945، کل شیء مدمر بالفعل، لقد تضرر المخیم کله بدرجات مختلفة، فالدمار أقل فی القسم الفوقی من المخیم ولکن فی القسم السفلی منه نرى دماراً کاملاً".

وقال عبد الهادی أبو النعاج "إن ما جرى یصعب وصفه، فالمجزرة فاقت کل تصور، إذ اجتاحت المخیم والمدینة نحو 500 دبابة ومجنزرة، وسقط على المخیم الذی یعیش فیه الآلاف أکثر من 350 صاروخاً من مروحیات الأباتشی الأمریکیة الصنع إضافة إلى مئات قذائف المدفعیة".

أما بالنسبة لأعداد الشهداء والجرحى الفلسطینیین فی مخیم جنین، فبینما أعلن الجنرال شاؤول موفاز رئیس أرکان الجیش الإسرائیلی أمام جلسة للحکومة الإسرائیلیة "أن حوالی 200 فلسطینی قتلوا، ونحو 1500 آخرین أصیبوا بجروح"، أکد الحاج أبو احمد قائد ومؤسس کتائب شهداء الأقصى "فی المخیم: "أن عدد الشهداء فی مخیم جنین یفوق الـ 400-450 شهیدا، وأن عدداً کبیراً من هؤلاء هم من النساء والأطفال وکبار السن.. وأن قوات الجیش الإسرائیلی قامت بتصفیة غالبیة الجرحى الفلسطینیین الذین وجدتهم خلال اقتحام المخیم أو الذین قاموا بتسلیم أنفسهم".

معرکة المخیم کبیرة.. مشرفة

ولکن- رغم دمویة المشهد، إلا أن الشهادات تجمع على "أن أسطورة مخیم جنین شهد لها العدو قبل الصدیق وباتت منهاجا یدرس فی المعاهد والجامعات العسکریة العالمیة، یتعلمون فیها أن ما حدث فی مخیم جنین حقیقة، ولیس من نسج الخیال، یتعلمون کیف یصمد ثلة من الشبان أمام أعتى آلة عسکریة فی العالم"، فان هذه الحقیقة الکبیرة لیست من نسیج الخیال الفلسطینی.

فقد خاض الفلسطینیون هناک على أرض المخیم معرکة کبیرة.. کبیرة.. مشرفة.. مشرفة، أقسموا قبلها وخلالها على أن یقاوموا حتى الرصاصة الأخیرة.. وحتى الرمق الأخیر.. وحتى النفس الأخیر.. فاستبسلوا استبسالاً استشهادیاً عظیماً لم یسبق أن شهدنا مثیلاً له على مدار الحروب والمعارک التی وقعت بیت دولنا وفصائلنا وبین دولة الاحتلال الإسرائیلی على مدى العقود الماضیة، إذا ما أخذنا بالحساب الخلل المفجع فی موازین القوى العسکریة بین الطرفین..

سطر أهلنا فی المخیم مقاتلون ونساء وشیوخ وأطفال ملحمة بطولیة صمودیة أسطوریة حقیقیة أخذت تترسخ وتتکرس فی الوعی والذاکرة الوطنیة النضالیة الفلسطینیة والعربیة على أنها من أهم وأبرز وأعظم الملاحم.

لقد دخل المخیم التاریخ من أوسع أبوابه، لأن قصة صموده وبطولة مقاتلیه دفعت إلى قراءة ما حصل هناک، خاصة مع اختلاف موازین القوى وحجم الخسائر وشراسة المعرکة وعنفوانها، وقصة الخدع والإشراک التی تمیز بها مقاتلو المخیم، وفی النهایة قصة کل الشهداء، الذین قاتلوا حتى الرمق الأخیر.

ولا تتوقف القصص والحکایات عند حد معین ففی کل زاویة وممر قصة، وتحت کل منزل مهدم ورکام منثور، بطولة شهید التصق بالسلاح، هناک استشهد طه زبیدی، وهنالک استشهد شادی النوبانی، وهنا استشهد الشیخ ریاض بدیر، وهناک ایضا محمود، ومحمد وغیرهم من المقاتلین الأبطال.

وهکذا.. یتحول مخیم جنین إلى رمز للبطولة الفلسطینیة وأسطورة تتکرس فی وعی وذاکرة الفلسطینیین والعرب على مدى التاریخ الراهن والقادم.

فقد سارع مئات المواطنین الفلسطینیین إلى إطلاق اسم "جنین" على أطفالهم الجدد، وتحول الاسم إلى نغمة على کل لسان. وفی هذه الدلالة قرر الفلسطینیون إقامة متحف وطنی فی مخیم جنین یطلق علیه اسم "متحف الکارثة والبطولة الفلسطینیة": البطولة الأسطوریة الفریدة الموثقة بکم الشهادات والاعترافات والتحلیلات المشار إلیها أعلاه وغیرها الکثیر.. والکارثة/ النکبة/ المجزرة المروعة... التی اقترفت عن سبق نیة وإصرار وتصمیم وتخطیط وقرار على أعلى المستویات الإسرائیلیة...الجریمة التی ننتظر وینتظر أهل المخیم یوم الحساب علیها.

ن/25

 


| رمز الموضوع: 143140







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)