أبعاد أخرى للثورات العربیة
أبعاد أخرى للثورات العربیة
صالح بن بکر الطیار
من خلال الشعارات المرفوعة فی الساحات العربیة التی تشهد تحرکات شعبیة یتبین أن مطالب ذات أبعاد وطنیة تتعلق بالفساد والرشوة والبطالة وتداول السلطة وإقامة انظمة مدنیة وإشاعة الدیمقراطیة وحریة الرأی والتعبیر هی الطاغیة دون أن یستشف أی موقف لأی ثورة قامت بشأن مستقبل العلاقة مع الغرب أو بشأن مستقبل الصراع العربی الإسرائیلی. ولوحظ بالمقابل أن هناک عدم وضوح أیضاً لدى الإدارات الرسمیة الغربیة التی تتعاطى بحذر مع ما یجری فی العالم العربی خاصة وأن أجهزتها الدبلوماسیة لم تتوقع فی تقاریرها حصول أی ثورة، وکانت تظن أن الأنظمة العربیة التی سقطت کانت ستعیش سنوات طویلة قبل أن تشهد أی تهدید فعلی.
وحالة الإضطراب والضیاع فی دوائر صناعة القرار الغربی یمکن رصدها من خلال تمهلها عدة أیام قبل إصدار أی موقف سلبی أو إیجابی بدلیل أن وزیرة خارجیة فرنسا السابقة میشیل الیو ماری عرضت على نظام زین العابدین بن علی تزویده بخبراء وتجهیزات ظناً منها أن ما یحدث فی تونس کان کنایة عن تمرد أو عن عملیات اضطراب ذات أبعاد إرهابیة.
والولایات المتحدة الأمریکیة کانت تظن عند اندلاع الثورة المصریة أنها لا زالت قادرة على الإمساک بزمام الأمور وأن إزاحة الرئیس حسنی مبارک والإتیان بمن یخلفه من نظامه سیحل المشکلة. ولکن المفاجأة کانت هی إزاحة النظام بأکمله.
وفی لیبیا الیوم لا زال البعض یظن، من أمثال رئیس فنزویلا هوغو تشافیز، أن المسألة یمکن حلها من خلال فتح باب الحوار بین نظام العقید معمر القذافی والثوار. وجاء الجواب بأن المطلوب هو اقتلاع النظام من جذوره.
وهناک الحالة البحرینیة والأردنیة والعراقیة وغیرها حیث الصورة لم تتضح بعد بشأن ما ستؤول إلیه المفاوضات الجاریة بین الحرکات الشعبیة وبین الأنظمة السیاسیة.
هذا الواقع یفید أن الوقت لا زال مبکراً من أجل معرفة التوجهات السیاسیة الخارجیة للدول العربیة التی شهدت أو تشهد تحرکات شعبیة، وهذا ما یستدعی من الدول الغربیة رسم عدة سیناریوهات کلها قائمة على احتمالات افتراضیة ولیس على ثوابت.
والأکثر إرباکاً من الغرب هی إسرائیل التی تعتبر نفسها أنها قد حققت الکثیر من الإنجازات خلال العقود القلیلة الماضیة حیث وقعت اتفاقیة کامب دیفید مع مصر، واتفاقیة وادی عربة مع الأردن، وأقامت علاقات "مساکنة" مع تونس والبحرین ولیبیا.
ولکن ماذا عن المستقبل فیما لو أعادت هذه الدول النظر بعلاقاتها مع تل أبیب لیس على قاعدة إلغاء اتفاقیات السلام المعقودة بل على قاعدة عدم التعاطی الإیجابی مع إسرائیل والعودة للتضامن بشکل فاعل مع الشعب الفلسطینی دون النظر إلى انتماءاته السیاسیة، سواء کان البعض مع حرکة "فتح" أو البعض الآخر مع حرکة "حماس"؟ وما هو مستقبل رئیس السلطة الوطنیة الفلسطینیة محمود عباس فیما لو ظل یعتبر أن التفاوض هو أقصر طریق للوصول إلى السلام؟ وما هو مصیر الرعایة الأمریکیة لمسار السلام فی الشرق الأوسط فی ظل انحیاز واشنطن إلى تل أبیب؟ وماذا لو بادر الشعب الفلسطینی فی الداخل إلى إعلان انتفاضة شعبیة سلمیة جدیدة ضد المحتل؟ هذه الأسئلة عصیة على الإجابة عنها فی القریب العاجل.
وبقدر ما یُنظر بإیجابیة إلى بعض التغییرات التی حصلت فی العالم العربی بقدر ما یخیم الخوف لدى الکثیرین من أن تنفلت التحرکات الشعبیة فی بعض الدول العربیة من حدود القدرة على ضبطها فتتحول إلى شرارة لإندلاع حرب مذهبیة فی مکان ما، وحرب قبلیة فی مکان آخر، وحرب أهلیة فی مکان ثالث، خاصة وأن الغرب المتطلع دائماً إلى ضبط الإیقاعات فی العالم العربی قد یکون هو الداعم لمشاریع الزعزعة فیما إذا کانت الأمور ذاهبة عکس ما تشتهیه ریاح الغرب.
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS