الاثنين 14 ذوالقعدة 1446 
qodsna.ir qodsna.ir

الثورة العربیة.. و'الانفصام القِیَمی' لدى الأکادیمیة الغربیة

الثورة العربیة.. و'الانفصام القِیَمی' لدى الأکادیمیة الغربیة

وائل عبد العال

 

کان إدوارد سعید فی، أطروحته 'الاستشراق'، أبرز من فکک النظرة الفوقیة للأکادیمیین الغربیین الدارسین للشرق، والمصطلح على تسمیتهم بـ'المستشرقین'. هؤلاء المستشرقون المنتشرون فی جامعات غربیة مرموقة، أو فی مراکز أبحاث واستشارات سیاسیة، استراتیجیة وأمنیة، انطلقوا فی دراستهم للعرب والمسلمین من المنطق التصنیفی الاستعلائی (نحن) و(الآخر)، ونحن ـ فی منطقهم - تعنی التقدم، والرقی والحضارة، أما الآخر فهو رجعی، متخلف ومتوحش.

فمن نظریة صاموئیل هنتینغتون لصراع الحضارات، إلى طروحات دانیال بایب العنصریة ضد العرب والمسلمین، إلى برنارد لویس الذی یلقب بـ'ملک الإسلاموفوبیا'، إلى هؤلاء الذین نصحوا بالحرب على العراق، وآخرین أشاروا الى تقسیمه إلى ثلاث دول، واحدة للأکراد، والاخرى للسنة، والثالثة للشیعة (وبعض هذا موجود فی نشریات أکادیمیة بالمناسبة)، شوّهوا صورة حرکات المقاومة فی فلسطین ولبنان، (هذا لمن اعتبر أصلا حماس وحزب الله حرکتی تحرر وطنی)، فالأغلبیة منهم یصنفون هذه الحرکات على الدوام، على أنها حرکات إرهابیة. وبما أننا نعیش الیوم زخم الثورة العربیة، خرج علینا أحد أبرز الأکادیمیبن المتخصصین فی مجال الدمقرطة بشمال افریقیا لاری دایموند، لیقول إن الثورة التونسیة هی حدث لمرة، لن یتکرر مرة أخرى فی أی من الدول العربیة.

لکن ریاح التغییر، التی هبّت من سیدی بوزید، أتت بما لا تشتهی سفن دایموند وأصدقائه، ولا حکامهم ولا مؤسساتهم السیاسیة والأمنیة. جاءت هذه الثورات، هکذا، بغتة ومن دون سابق إنذار، حتى أنه لا أجهزة الاستخبارات، ولا مراکز الأبحاث تلک لم تکن تتوقع ما جرى حتى فی أسوأ الکوابیس، ما جعل الإدارة الأمریکیة تلوم أجهزتها لفشلها فی التنبــــؤ بهذه الثورات.

لقد صوروا الشعوب العربیة على أنها قطیع من البهائم، بلا إرادة، یتم اقتیادها وفق رغبات الحکام، یفعلون بها ما یشاؤون، وأن هذه الشعوب لا یمکن أن تثور من أجل الحریة والاستقلال والعیش الکریم.

إن ما یجری من حراک وتحول فی العالم العربی یضع هذه الفئة من الأکادیمیین، ومؤسساتهم فی أزمة، ویضع مصداقیتهم على المحک، ویطرح أسئلة کثیرة حول المنهجیة التی یتعاطون بها فی دراستهم للعرب والمسلمین، کما یضع علامة استفهام أکبر على مؤسساتنا العربیة الرسمیة وغیر الرسمیة، وقیاداتنا، التی تفتح لهم الأبواب، وتغدق علیهم بکرمها العربی، من مال ومعلومات، وهنا، مفارقة مؤلمة، إذ أن کثیرا من هؤلاء المستشرقین، ومؤسساتهم، یحصلون على مبالغ طائلة من ملوک وأمراء عرب، لتمویل مشاریعهم البحثیة، التی هی بالقطع لا تخدم القضیة العربیة. یحصل هذا فیما جامعات عربیة تعانی الفقر وقلة الإمکانیات.

لا یظنن أحد أن الحکومات الغربیة، وأجهزة مخابراتها، تنفق مئات الملایین على هذه الأفواج من الباحثین الآتیة إلى بلادنا، من أجل سواد عیوننا نحن العرب. کلا، إنهم یأتون إلى هنا من أجل أجندات تخدم مصالحهم، یریدون 'تفکیک الآخر' حتى یحسنوا التعامل معه. ومن یظن أن هذا العالم حریص على حریتنا وکرامتنا وحقوق إنساننا، فهو واهم. ولا داعی للتذکیر بحقبة جورج بوش وتونی بلیر، وما حوت من فظائع ضد الإنسان العربی.

وفی هذا الصدد، قد یقول البعض إن الغرب أنشأ الکثیر من برامج الدیمقراطیة وحقوق الإنسان والحکم الرشید. هذا صحیح، لکن کل هذه البرامج لیست حقیقیة.

ما الذی فعلته هذه البرامج مع الأنظمة المستبدة، التی تحکم منذ عشرات السنین؟ لاشیء، بل ان بعض القوى الغربیة هی التی رعت تلک الأنظمة، ووفرت لها الغطاء، بل وفی بعض الاحیان شارکتها الفساد والظلم. ألم ترسل تلک القوى بعض المعتقلین الى الدول العربیة لیتم التحقیق معهم وتعذیبهم هناک؟ هم لا یمارسون التعذیب فی بلادهم لکنهم یرسلون أبناءنا لیتم تعذیبهم، فی بلادنا، إنه 'الانفصام القِیَمی' بحق.

الیوم إذ تثبت هذه الدینامیکیة التی عاشتها، وتعیشها منطقتنا العربیة من المحیط إلى الخلیج، فشل نظریات هؤلاء الباحثین، یتعین علیهم إعادة قراءة المشهد، بموضوعیة وبتجرد، وان یقدموا لمؤسساتهم الأمنیة، والسیاسیة، ولطلبتهم صورة حقیقیة لما یجری. کما یتعین علیهم أن یعوا أن النصائح التی قدموها لقادتهم ومؤسساتهم لم تعد صالحة. النموذج الدموی، الذی نصحوا به للتغییر فی العراق قد فشل، کما ان اقتراحات تقسیم البلاد العربیة، وفقا لنظریاتهم، لن تکون. العالم العربی الذی یعیش مرحلة تحول حقیقی، من الحکم السلطوی الدیکتاتوری، إلى الحکم المدنی الدیمقراطی، سیکون أقرب الى الوحدة والتماسک منه إلى التفتت والتقسیم. هنا تذوب النعرات القبلیة، والعرقیة والطائفیة، والسلطة تکون للشعوب... للشعوب فقط.

ن/25

 


| رمز الموضوع: 143128







الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS
فيديو

وكالةالقدس للأنباء


وكالةالقدس للأنباء

جميع الحقوق محفوظة لوکالة القدس للأنباء(قدسنا)