مغنیة... بین الاغتیال الجسدى والاغتیال المعنوی
فقد بثت بعض القنوات المحسوبة على دول محور "الاعتدال" العربی، کماً هائلاً من التقاریر والآراء الصحفیة لرموز معروفة الولاء لتشویه صورة الحاج عماد مغنیة وربط اسمه ببعض العملیات المثیرة للجدل کخطف الطائرة الکویتیة عام 1988 وقتل مواطنین کویتیین من رکابها، وتفجیر مجمع الخبر فى المملکة العربیة السعودیة عام 1996.
اللافت فى هذا الجدل المحموم، أن الجهة الوحیدة التى أطلقت تلک الاتهامات هى الولایات المتحدة الأمریکیة التى تضع الحاج عماد على رأس قائمة "الإرهابیین" المطلوبین لها، ولأکثر من أربعین دولة أخرى تتماهى سیاسیاً مع الولایات المتحدة فى جمیع تحرکاتها. ورغم تلک الاتهامات الأمریکیة، لم تثبت ولو بدلیل واهٍِ على القائد العسکرى والأمنى الأول فى حزب الله، إلا أن الأقلام "المعتدلة" والتى اعتادت تجاوز حدود مهنتها وأخلاقیاتها لم تأبه لتلک الحقائق، بل ذهب البعض منها إلى تأکید الاتهامات باختلاق أدلة لا وجود لها حتى فى تقاریر وکالة الاستخبارات المرکزیة الأمریکیة ذاتها، فى محاولة لمهاجمة حزب الله اللبنانى والنظام السورى التى تمت عملیة الاغتیال على أرضه. وتأتى هذه الحملة الإعلامیة الجدیدة فى أهم الصحف "العربیة" "المعتدلة" امتداداً طبیعیاً للمواقف العربیة من تعنت النظام السورى فى وجه المشروع الأمریکی، إذ أصبح من المطلوب الیوم وبکل وضوح أکثر من أى وقت مضى، أن ترفع سوریا یدها عن المقاومة فى لبنان بل وتضغط علیها أیضاً لتوقف نهجها ومقاومتها التى تحرج النظام الرسمى العربى وتؤجج الشارع العربى على الأنظمة المستکینة والراضخة، ما یشکل تهدیداً قویاً قد یزعزع استقرار تلک الأنظمة "المعتدلة" ویهدد بقلبها أو بسحب البساط من تحت أقدامها على أقل تقدیر وخاصة فى ظل تقاریر عن اقتراب ساعة المواجهة المقبلة بین حزب الله والجیش الإسرائیلی.
وجاءت أقوى المقالات الصحفیة التى نشرت على هذا الصعید، فى الصحافة الکویتیة، إذ ادعى البعض أن هناک امرأتین من رکاب طائرة الجابریة المخطوفة فى العام 1988، أکدتا أن الحاج عماد هو الشخص الذى خطف الطائرة وقتل المواطنین الکویتیین فیها، رغم أن الحاج عماد قد خضع لعدة عملیات تجمیل لتغییر ملامحه فى التسعینیات، ما یدحض تلک الأکاذیب جملة وتفصیلاً. کما کان أداء بعض الصحف الأخرى التى یملکها أحد أمراء الکویت وضیعاً جداً، إذ تضمنت المقالات سباباً وشتماً وإطلاق صفات غیر مألوفة فى المجال المهنى للصحافة على شخص الحاج عماد مغنیة، ومن خلاله إلى النظام السورى والمقاومة بشکل عام.
ولیس من المستغرب هذا الموقف المتطرف عداءً من المقاومة وکل ما تمثله، وإنما مدى تماهى هؤلاء المتکسبین ممن یسمون کتّاباً وصحفیین مع الدعایة الأمریکیة والصهیونیة، لدرجة أنهم قد تفوقوا علیها وتجاوزوها بمراحل متعددة. وبمجرد متابعة مقالات هؤلاء، یمکن التعرف على توجهاتهم الفکریة، إذ أنهم یتسابقون لمهاجمة أى شیء تنتقده الولایات المتحدة حتى قبل أن یصدر موقف مشابه من قبل أنظمة "الاعتدال" العربى لمعرفتهم المسبقة بموقع النظام الرسمى وتوجهه.
قد یقول البعض أن السبب الرئیسى لحالة العداء مع حزب الله والمقاومة عائد لحقیقة الارتباط العضوى مع إیران، التى تعتبرها دول الخلیج وغیرها من الدول "المعتدلة"، التهدید الرئیسى الذى یواجه المنطقة منذ انهیار حکم الشاه وتسلم رجال الدین مقالید السلطة فى الدولة الفارسیة، إلا أن الحقائق تشیر إلى أن مکمن الخطر هو فى أثر المقاومة على بقیة الشعوب العربیة التى تتوق إلى أدنى إنجاز یشعرها بمکانتها وأهمیتها لمسح الصورة المتخلفة التى رسمها أثریاء العباءات العربیة للجماهیر العربیة فى الدول المتقدمة. کما أن الوضع العربى العام وشدة التبعیة للإدارات الأمریکیة والغربیة ولإملاءاتها السیاسیة والاقتصادیة وحتى الاجتماعیة والثقافیة، قد دفع إلى ظهور موجات من الرفض الشعبى وصل بعضها حد التطرف، یغذیها الارتهان الرسمى للأنظمة العربیة، وقد تتفاقم لتصل حدوداً حرجة فى ظل تحقیق أى من الأطراف المنخرطة نجاحاً مهماً کما فى الحالة اللبنانیة، إذ یبدأ مشروع المقاومة بالانتقال من مرحلة رد الفعل إلى مرحلة الفعل والتأثیر فى المحیط، ناقلاً عدوى المقاومة والمواجهة إلى بقیة الحلقات الشعبیة فى العالم العربی.
ومن هذا المنطلق، تبرز ضرورة القضاء على المقاومة کمفهوم وتشویه صورتها قبل تعظم دورها الإقلیمی، وتهدیدها للنظام العربى الرسمى الذى قد یکون قلبه أول تجلیات المرحلة الجدیدة فى ظل تعاظم دور المقاومة الشعبیة وانتقال تأثیرها بفعل قدرتها على تحقیق إنجازات سیاسیة وسیادیة معنویة ومادیة.
( للکاتب الفلسطینى حلمی حسن )
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS