تهدئة بلا جدوى
کتب البروفیسور عبد الستار قاسم فی مقال استلمته وکالة قدسنا :
على مدى فترة لا بأس بها من الزمن وجدلیتی فی وسائل الإعلام حول التهدئة هی التالی: إذا کانت فصائل المقاومة الفلسطینیة ترى أن شعب فلسطین بحاجة إلى تهدئة عسى فی ذلک ما یخفف من کثافة الاعتداءات الصهیونیة فإن علیها أن تتخذ قرارا جماعیا بذلک بمعزل عن الأنظمة العربیة والکیان الصهیونی، وذلک للأسباب التالیة:
أ- لکی لا تعطی ذرائع إعلامیة للکیان الصهیونی باستمرار الاعتداءات المکثفة، وألا تتلقى ملامة الأنظمة العربیة التی تکره المقاومة والمقاومین. اعتداءات إسرائیل ستتواصل، لکن الفصائل ستجد نفسها مرتاحة أمام شعبها وأمام کل من یوجه ضدها اتهامات المزایدة والمکابرة والمغامرة بمستقبل الشعب؛
ب- حتى تحتفظ لنفسها بتوقیت العودة إلى المقاومة فی الوقت الذی تراه مناسبا؛
ت- حتى لا تتهم بأنها تتفاوض مع إسرائیل بصورة غیر مباشرة.
ث- وإزاء البحث عن تهدئة متبادلة مع إسرائیل، رأیت أن إسرائیل لن تقبل تهدئة متبادلة، وإنما تقبل تهدئة من طرف واحد تحت الاختبار ودون أن تتعهد هی بأی شیء لا شفاهة ولا کتابة. وإذا کانت ستقبل بتهدئة متبادلة فلها شروط وهی: الاعتراف بإسرائیل وبالاتفاقیات الموقعة مع السلطة الفلسطینیة ونبذ الإرهاب مع ضرورة مقاومة المقاومة.
کان یظهر معی فی وسائل الإعلام قادة فصائل فلسطینیة ویجادلون ضد رأیی قائلین بأنهم یریدون إرغام الصهاینة على تهدئة متبادلة، وأن مصالح شعبنا تتطلب الإصرار على تهدئة متبادلة تحفظ لنا کرامتنا وتجبر إسرائیل على وقف اعتداءاتها. ردود فصائلیة تقلیدیة تتمیز بالمنفخة الفارغة والمزایدات الخطابیة.
الآن وافقت الفصائل على تهدئة من طرف واحد، وأنا لم أقرأ بعد تفاصیل الوثیقة التی تم توقیعها إن کان هناک وثیقة. ولم أقرأ الالتزامات المصریة المصاحبة إن کان قد تم کتابة أی شیء من هذا القبیل. بدایة لی الملاحظات التالیة:
1- مصر لیست عنوانا للوساطة بین الفلسطینیین والصهاینة. من المفروض أنها طرف ولیس وسیطا، ومن العار علینا أن نقبل بها کوسیط؛
2- کل الفصائل التی اجتمعت على التهدئة أدانت اتفاقیة کامب دیفید ونعتت النظام المصری بأقذع النعوت. سبق لهذه الفصائل أن تهافتت إلى القاهرة، وها هی تتهافت تحت رایة کامب دیفید.
3- الفصائل الفلسطینیة تقیم مفاوضات سیاسیة غیر مباشرة مع إسرائیل، وعرفات سابقا لم ینج من بیانات هذه الفصائل وألسنتها واتهاماتها. لقد بدأ عرفات فی السبعینات مثلما بدأت هذه الفصائل منذ سنوات بالمفاوضات غیر المباشرة.
4- لعب النظام المصری دورا أساسیا فی جر منظمة التحریر الفلسطینیة إلى مواقف سیاسیة انتهت باتفاقیة أوسلو المشؤومة، ولا أظن أن الفصائل الفلسطینیة ترى أن النظام قد تخلى عن دوره.
5- فصائل فلسطین الثوریة تجتمع فی حضرة مدیر مخابرات عربی مع کل ما تمثله أجهزة المخابرات العربیة من قمع وتآمر على الأمة العربیة والمصالح الوطنیة لکل شعب عربی.
من التراث الفصائلی، الفصائل الفلسطینیة لا تستطیع أن تجتمع وتناقش الأمور بعقلانیة وعلمیة، وغالبا تقع اجتماعاتها ضحیة للمزایدات فیما بینها، وهی لا تتوانى عن القدح المتبادل بعدما یخرج المجتمعون من اجتماعاتهم. ویبدو أن هذه الفصائل لا تستطیع أن تتفق إلا فی حضرة من یتمکن من تقلیص کلامها الکبیر لیلامس الواقع ویتناسب مع حجم أفعالها. یبدو أن عمر سلیمان وأمثاله من رجال الأمن القمعیین هم الشخصیات المناسبة لقیادة اجتماعات الفصائل الفلسطینیة.
بعد إعلان التهدئة هذا سیحصل التالی:
1- سیتوجه النظام المصری إلى أمریکا وإسرائیل حاملا إنجازا وطالبا منهما تخفیف الحصار على غزة؛
2- ستستجیب إسرائیل جزئیا وستخفف من الضغط الغذائی والوقودی على غزة، لکنها ستستمر فی العلمیات العسکریة.
3- ستقول إسرائیل لمصر إن إطلاق الصواریخ من غزة قد توقف، لکن فصائل المقاومة تعزز من قدراتها واستعداداتها مما یخالف شروط التهدئة. إسرائیل ستستمر بقتل الناس بوتیرة أقل مما هو علیه الوضع الآن، لکنها لن تقبل باستمرار النشاطات الفلسطینیة الخاصة بالمقاومة على اعتبار أنها تشکل تهدیدا أمنیا مستقبلیا.
4- بعض فصائل المقاومة سترد على الاعتداءات الإسرائیلیة، وستفرط التهدئة.
5- مصر لن تشکل ضمانة لمنع الاعتداءات الإسرائیلیة لأن مصر لیست ذات سیادة ولا تملک قرارها، وقد سبق أن ضمنت مصر تهدئة، ولم تعمل شیئا ضد إسرائیل عندما انهارت تهدئة القاهرة قبل عدة سنوات.
6- جدلیة المعتمدین على مصر ستنهار. هناک من یقولون بأن مصر استعدت للقیام بإجراءات إذا لم تلتزم إسرائیل بالتهدئة ومن ضمنها فتح معبر رفح. هذه جدلیة تقوم على أوهام. النظام المصری أعجز من أن یفتح المعبر بصورة کاملة ومستمرة، ولن یبیع الفلسطینیین سوى معسول الکلام حول الأخوة العربیة والمصیر المشترک. النظام المصری لا یستطیع أن یخرج عن الإرادة الصهیونیة والأمریکیة، وأنتم یا قادة الفصائل لا تستطیعون السفر أصلا إلى مصر إلا بعد موافقة إسرائیلیة.
ماذا نعمل؟ أرى النقاط التالیة:
1- یجب أن نرکز على إعادة بناء المجتمع الفلسطینی اجتماعیا واقتصادیا وأخلاقیا. بمثل هذا المجتمع القائم الآن نحن لا نستطیع أن نخطو خطوة إلى الأمام، ولا نملک سوى التراجع. المجتمع لیس مؤهلا للنهوض، والفصائل غیر مؤهلة، وقادت الشعب الفلسطینی إلى صراع داخلی دموی، وتنازلات سیاسیة کبیرة؛
2- علینا أن نفکر بتحریر لقمة خبزنا من أیدی أعدائنا. المسألة صعبة، لکن علینا ألا نفشل قبل أن نحاول. لدی مشروع متکامل حول هذه المسألة؛
3- علینا إقامة غرفة عملیات مشترکة تشرف على إدارة المقاومة بمعزل عن المستوى السیاسی وتکون مسؤولة عن الأمن الوطنی؛
4- یتم تشکیل مجلس إداری من مستقلین وطنیین لا علاقة لهم بالفصائل لإدارة الشؤون الیومیة والمدنیة للشعب الفلسطینی فی الضفة والقطاع؛
5- نعمل على إعادة بناء منظمة التحریر الفلسطینیة بمیثاق جدید وبطریقة یشارک فیها الجمیع.
6- صیاغة برنامج ثقافی وفکری یوحد الشعب الفلسطینی فی کافة أماکن تواجده؛
7- العودة بالقضیة الفلسطینیة إلى حضنها العربی الإسلامی الشعبی.
لا مفر أمامنا إلا العودة إلى أنفسنا. لقد تم تعریض الشعب الفلسطینی إلى استنزاف معنوی ووطنی وأخلاقی واجتماعی، وآن الأوان لکی نحمل همومنا بجدیة وبطریقة علمیة أساسها الاعتماد على الذات.
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS