الإعلام الفلسطینی القاصر!!
ومن خلال نظرة تحلیلیة إلى هذا الإعلام، یمکننا تأکید کثیر من هذه الادعاءات السابقة، حول قصور الإعلام الفلسطینی.. وفی کثیر من الأحیان یصبح جزءاً من المشکلة، ولیس وسیلة للحلّ والمساهمة فی خروج المجتمع من أزماته السیاسیة أو الاقتصادیة أو الاجتماعیة، أو حتى التربویة والثقافیة..
المشکلة فی الإعلام الفلسطینی؛ أنه غیر محدد الملامح، بعکس ما کان سائداً، على الأقل فی عهد الاحتلال.. عندما کنّا نعتقد أن الإعلام هو إعلام مقاوم، وبالتالی اقتصار الرسالة التی یؤدیها على مقاومة الاحتلال والتخلّص منه، دون أن تکون له تأثیرات أخرى کبیرة، سواء اقتصادیة أو اجتماعیة أو على الأقل إحداث تحولات ما، فی مجالات الحیاة المختلفة.
أیضاً؛ ما ساهم فی تثبیت مفهوم الإعلام المقاوم، هو عدم وجود وسائل إعلامیة بدیلة یمکن للمواطن الفلسطینی التحوّل إلیها.. وکثیراً ما اقتصرت وسائل الإعلام المرئیة، فی حینه، على ما تبثّه المحطات الأرضیة الاسرائیلیة والأردنیة، وبعض دول الجوار التی یصل بثّها إلى هوامش مناطق معیّنة..
بعد إقامة السلطة الوطنیة، توقعنا وبنینا آمالاً عریضة على ضرورة تغییر دور الإعلام الفلسطینی، لیصبح لاعباً فاعلاً، وطرفاً قویاً وقادراً على ممارسة دور السلطة الرابعة بشکل حقیقی.. إلاّ أنّ هذه التوقعات قد انهارت بشکل کامل، بعد حوالی عقد ونصف العقد.. وأصبح واقع إعلامنا الحالی، ناقلاً، ولیس فاعلاً.. وغیر قادر على التغییر بحدّه الأدنى.
وبدل أن یکون الإعلام الفلسطینی مساهماً فی إیجاد الحلول للمشاکل، ساهم هذا القطاع فی کثیر من الأحیان فی ترسیخ الصراع الداخلی.
ولا شک أن الضحیة الأولى لذلک، هی المعلومة الصحیحة والحقیقیة.. وأصبحت الشائعة والتحریض، حتى على القتل، هی إحدى سمات کثیر من وسائل الإعلام المتاحة، خاصة مواقع الانترنت..!
إن تصفّحاً بسیطاً لمواقع الانترنت التی یدیرها فلسطینیون، لن تصدمک فقط، بل تصیبک بحالة من الغثیان لما تقرؤه أو تشاهده من شائعات.. بحیث أصبحت هذه المواقع أکثر من خطرة على المواطن، وعلى المجتمع بشکل عام، دون رقیب أو محاسب، فی ظل انعدام الرادع الأخلاقی والوطنی لمسؤولی هذه المواقع!
فوضویة الإعلام غیر مقتصرة فقط على "الانترنت"، وإنما أیضاً، على الإعلام الحزبی والسلطوی، الذی أصبح وکأنه یمارس دور الجندی فی المعرکة، الذی یدافع عن جبهة ما تقوده، دون أن یدری لماذا وکیف؟ وهل هذا هو الدور الذی یجب أن یمارسه؟!
الحدیث عن قصور الإعلام المحلی یظهر جلیاً، بعد فضائح قضایا الفساد المتتالیة التی عصفت بالمجتمع الفلسطینی مؤخراً، والتی أصبحت حدیث الناس، وتطورت، أیضاً، إلى الحدیث الخفی عن الاحتکارات، وغیلان الرشوة، ورجال الأعمال فی عصر الانفتاح الفلسطینی...!
المرعب فی هذا الأمر؛ أن کثیراً من هذه القضایا والقصص المتناقلة، ربما یکون لها أساس من الصحة، ولکن لعدم وجود المعلومات ونشر الحقائق من خلال إعلام ملتزم، نجد أن الساحة أصبحت مهیأة للشائعة، بل للشائعة المتدحرجة..!
أسماء مهمة، شرکات کبیرة، مؤسسات أهلیة، مراکز حکومیة.. تلوکها الألسن، وتسمع من الشارع حول وجود فساد کبیر فیها، دون أن تمیز الحقیقة عن الشائعة.. المواطن هنا أمام خیارین؛ إمّا أن لا یصدّق، أو أن یصدّق دون أن یبحث عن الحقیقة.. والخاسر الأساسی هنا هو المجتمع بشکل عام، والتنمیة بکافة أشکالها..
قد یسأل البعض؛ أین هو دور الصحافة المکتوبة؟.. الأجابة؛ أن الصحافة المکتوبة تعانی ربما أکثر.. فلا هناک مصدر للمعلومات.. بحیث أن الصحافی فی بعض الأحیان، لا یمکنه الحصول على معلومة عن سبب وقوع حادث سیر.. فما بالکم بقضیة فساد قد یکون أحد أطرافها غیلان الانفتاح..!!
الصحافی، أیضاً، غیر قادر على متابعة المعلومة.. فهناک، ربما، أسوار عالیة من الرقابة الذاتیة والمجتمعیة والسلطویة، ما یساهم فی الاحباط، وتصبح لقمة العیش هی الهم الأساسی.. ویصبح دور التنمیة الإعلامیة فی "خبر کان"..!
وهنا یحق لنا التساؤل: کیف للصحافی أن یساهم فی تنمیة المجتمع، الذی لا یتحرّک، ولو جزئیاً، لحمایته من بطش "الأقویاء"؟!..
وفی ظل عدم وجود قانون عصری ومجتمع داعم، سیبقى إعلامنا المحلی غائباً عن التأثیر.. وسیبقى المواطن رهینة، إما للفضائیات التی تحمل رسالة مموّلیها، أو للشائعات التی تخدم الأحزاب والفصائل، وتنخر فی جسد الوطن.
( المقال بقلم عبد الناصر النجار مدیر تحریر جریدة "الأیام"، ومدیر مرکز تطویر الإعلام فی جامعة بیرزیت )
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS