المستجدات ذات الطابع الإستراتیجی فی الواقع الإسرائیلی
المستجدات ذات الطابع الإستراتیجی فی الواقع الإسرائیلی
یؤکد التقریر، بادئ ذی بدء، أن إسرائیل ظلت واقعة تحت تأثیر نتائج حرب لبنان الثانیة (صیف 2006). وقد انعکس تأثیر ذلک، على مستوى المؤسسة السیاسیة، فی صراع البقاء الذی خاضه ولا یزال یخوضه رئیس الحکومة، إیهود أولمرت، من أجل الاحتفاظ بمنصبه وعدم سقوط الحکومة.
ویشیر التقریر إلى أن العام 2007 کان عام محاسبة النفس وإعادة الحسابات السیاسیة والأمنیة- العسکریة. وجرت هذه العملیة فی ظل عمل لجنة تقصّی وقائع حرب لبنان الثانیة [لجنة فینوغراد].
ومع أن التقریرین، اللذین أصدرتهما هذه اللجنة- الجزئی والنهائی- لم یؤدیا، کما توقع البعض، إلى زلزال سیاسی على مستوى "المسؤولیة الشخصیة" [أولمرت]، إلا أنهما کشفا عن عیوب وتقصیرات سیاسیة وأمنیة، وعن أن إسرائیل لا یمکنها أن تتعایش مع واقع عدم تحقیق انتصار فی أی حرب مقبلة، فی حالة اندلاعها. کما أسفرت إعادة الحسابات عن اعتماد خطة خماسیة للجیش الإسرائیلی، "خطة تیفن 2012"، والتی بدأ العمل فیها فی العام 2008.
أدى نشر نتائج لجنة فینوغراد إلى إشعال صراعات بین القوى السیاسیة المختلفة. وطمح حزب کدیما إلى المحافظة على استمرار حکمه من خلال إظهار الوحدة وبذل مجهود خاص لمنع شرخ بین رئیس الحکومة ومن یعدها البعض الشخصیة الثانیة فی الحزب، وزیرة الخارجیة تسیبی لیفنی. کذلک شهد حزب العمل، الشریک الأکبر لکدیما فی الحکومة، صراعات سیاسیة بسبب إخفاق عمیر بیرتس رئیس الحزب السابق فی تأدیة وظیفته کوزیر دفاع.
لکن یبدو أن الأزمة الکبرى فی حزب العمل انتهت بإجراء انتخابات داخلیة وفوز إیهود باراک على غریمه واختیاره وزیرًا للدفاع. واستغل شریک کبیر ومهم آخر فی الائتلاف، حزب شاس، ضعف رئیس الحکومة وصراعه من أجل البقاء فی سبیل الحصول على تنازلات سیاسیة ومالیة، وخاصة بعد انسحاب حزب "إسرائیل بیتنا" [أفیغدور لیبرمان]، الذی سبق أن انضم إلى الائتلاف ولم یبق فیه طویلاً. ویظهر أن شاس أملى شروطا على مضامین مفاوضات إسرائیل مع الفلسطینیین، وهدد بالانسحاب فی کل مرة أعلنت فیها الحکومة ومن یترأسها عن نیتهما التفاوض على القضایا الجوهریة للصراع، خاصة القدس، المستوطنات واللاجئین.
من ناحیة أخرى یؤکد التقریر أن أی تطرق إلى الساحة السیاسیة الإسرائیلیة فی العام 2007 لا یمکن أن یتغاضى عن قضایا الفساد والجنس لشخصیات مرکزیة فی الحکم، والتی عصفت بالدولة وشکلت انعکاسا لطرق التصرف وللثقافة السیاسیة الإسرائیلیة. کما أن قضایا الفساد المالی المرتبطة برئیس الحکومة ووزیر المالیة السابق عمقت الشکوک بالمؤسسات الرسمیة والقائمین علیها، وأضعفت أولمرت وحکومته. وکانت لهذه القضایا ، تبعات سیاسیة مباشرة. فهی مست بعلاقة السیاسیین مع الجمهور، وأضرت بثقة هذا الجمهور فی النظام السیاسی بشکل عام، وقد تؤدی إلى تغییرات فی الحکومة وربما إلى الإطاحة بها.
ویتوصل التقریر إلى بضعة استنتاجات لعل أبرزها استمرار الجمود السیاسی، الذی یسیطر على المفاوضات الإسرائیلیة- الفلسطینیة، والذی یعود أساساً لتمسک الحکومة الإسرائیلیة بمواقفها المتصلبة إزاء قضایا الحلّ النهائی مع الجانب الفلسطینی، ومواصلتها النشاطات الاستیطانیة. بجانب تبعات مترتبات الحرب على لبنان وقضایا الفساد التی حاصرت اولمرت. والتقدیر أن إسرائیل ستواصل محاولاتها الرامیة إلى الاستفادة من حالة الانقسام الفلسطینی على خلفیة سیطرة "حماس" العسکریة على غزة، ومواصلة الحصار والاجتیاحات والاغتیالات.
ویشیر التقریر إلى مواصلة إسرائیل تکثیف نشاطاتها الاستیطانیة فی القدس والضفة الغربیة لفرض رؤیتها للحل النهائی على الأرض. ومن غیر المستبعد أن تواصل إسرائیل ربط مواقفها من المفاوضات مع الفلسطینیین، ومن المسار السوری، بموقفها من "التحدی الإیرانی". ولا ینحصر "التحدّی الإیرانی"، بحسب قراءة إسرائیل، فی مواجهة "المشروع النووی" فقط، ومحددات هذه المواجهة التی ترتبت على تقریر الاستخبارات الأمیرکیة الذی أشار إلى أن إیران لا تعمل، منذ العام 2003، على تطویر قدرات نوویة عسکریة، وإنما فی ما یترتب على اعتبارها إیران زعیمة "محور الشرّ"، وفی أن أحد السبل لمواجهة هذا "المحور" هو إضعافه من خلال ربط سوریة بعجلة عملیة التسویة الذی سیؤدی حتمًا إلى انفصالها عن إیران وحزب الله و"حماس".
وعلى المستوى الاقتصادی من المتوقع أن تؤدی بضعة مؤشرات سلبیة إلى تآکل أهمیة المؤشرات الإیجابیة، مثلا: على الرغم من النمو الاقتصادی بنسبة 3ر5%، وارتفاع مستوى المعیشة، فإن هذا النمو لم یحسن الظروف الحیاتیة للطبقات الضعیفة التی تعیش تحت خط الفقر، وخصوصًا بعد إعلان مؤسسة التأمین الوطنی عن اتساع ظواهر الفقر والبطالة بشکل ملموس، لیصبح عدد الفقراء فی إسرائیل 7ر1 ملیون شخص من أصل 2ر7 ملیون نسمة یعیشون فیها مع نهایة العام 2007. وبناء على ذلک فإن الفقر یبقى واحدا من أهم المشکلات التی تعانی منها شرائح کبیرة فی المجتمع الإسرائیلی، وهو من أهم أسباب ضعف التضامن الاجتماعی، وقد تکون له مضاعفات عمیقة فی المستقبل خاصة إذا تبین أن الفقر یتم توارثه، وبسبب أهمیته کعامل فی ضعف قدرات هذه الشرائح على توظیف المال فی التعلیم والصحة، فی ضوء الخصخصة وانحسار دور الدولة فی تقدیم الخدمات الاجتماعیة.
کما یتوقع استمرار سلسلة الإجراءات والممارسات الإسرائیلیة الرسمیة والقانونیة الرامیة إلى ترسیخ الطابع الیهودی للدولة، والتی تحمل تبعات مباشرة على وجود المواطنین الفلسطینیین وحقوقهم القومیة والمدنیة، وکذلک على قیاداتهم السیاسیة، بعد أن بلغت الحملة على هذه القیادات ذروة جدیدة.
ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS