الولایات المتحدة القرعاء
الأسود الدیمقراطی باراک أوباما والأبیض الجمهوری جون ماکین ، الأثنان على الصّفر حلقا رأسیهما فی صالون (إیباک) کلازمة شرطیة رمزیة حتمیة تأهیلیة أخیرة قبل أن ینطلقا کمتسابقین رسمیین إلى کرسی البیت الأبیض ، ففی هذا الصالون لا فرق بین رأس دیمقراطی أسود ورأس جمهوری أبیض أو العکس ما دامت القــُرعـة (بضم القاف) تعتمد القــَرعة (بفتح القاف) أساساً للعملیة الإنتخابیة فی حسابات الصالونات الأمریکیة الکبرى بقیادة (إیباک) .
العداءة العنیدة هیلاری کلینتون لم تخرج عملیاً من السباق لأنها رفضت الحلاقة على الصفر بموسى (إیباک) ، بل العکس ، هی قدمت رأسها للحلاق الإسرائیلی على طبق مصنوع من خالص ذهب (العجـِل) العبرانی ولکن ولأنّ لعبة ( الألوان) قد استحوذت على لب الجمهور الأمریکی فقد انعدمت حظوظها أمام القــَرعـة السـوداء فلو کان باراک أوباما أبیضاً لربما کان قد خرج من التنافس منذ الخطوات الأولى للسباق ، أما وقد شاء القدر أن یمنح أوباما العلامة الکاریزمیة الفارقة فی وقت بلغ فیه (البیاض) الرئاسی البوشی حدوداً غیر مسبوقة من الکراهیة الداخلیة کما الخارجیة فقد رآى الکثیرون من الأمریکان البیض قبل سواهم فی هذا المشاکس الأسود فرصة کاملة للتغییر الشامل فاقتنصوه کما لو أنهم یریدون به التعبیر الدلالی الکثیف والصارخ فی وجه بوش المعنى والمبنى والمرحلة : لقد مقتنا فیک حتى لونک جراء أفعالک.
مفاتن اللقیطة الصهیونیة إذاً وبعد لازمة صالون (إیباک) لن تکون فی قادم الأیام الأمریکیة محل تنافس إندلاقی ـ إنزلاقی بین القَََـَرعتین الدیمقراطیة والجمهوریة إلا بمقدار ما لبقیة القضایا الأنتخابیة من علاقة بها ، وهذا بالطبع ینحصر إلى حد کبیر بالسیاسة الخارجیة الأمریکیة تجاه قضایا الشرق الأوسط ، وعلى هذا الصعید فما من فرق علیه القیمة بین رؤیتی أوباما وماکین ، فکلاهما تحت الشعار الستراتیجی الجامع المانع (إسرائیل أولاً ) سیمضیان فی الترویج الإنتخابی لسیاستیهما الشرق أوسطیة واللتین ستختلفان بین أوباما وماکین تبعاً فحسب لتکتیکاتهما المکبلة سلفاً ، بدءً وانتهاءً ، بقیود الشعار إیاه . وسواء تعلق الأمر بالأراضی الفلسطینیة المحتلة أو بالعراق أو إیران أو لبنان أو سوریا أو أی مکان شرق أوسطی آخر ففی کل الأحوال لن یقدم أی من المرشحین على خرق الثوابت (الإیباکیة) الکلاسیکیة فی حملته الإنتخابیة.
بالنسبة لموضوع التسویة على المسار الفلسطینی ـ الإسرائیلی ولأن العقد المستعصیة فیه لکی تتحلحل فإنها تحتاج إلى (معجزة) کما هو واضح وکما صرح مؤخراً المفاوض الفلسطینی أحمد قریع (أبوعلاء) فلا أوباما ولا ماکین بالرجلین القادرین على أن یقدما نفسیهما کمجترحی معجزات من العدم بعد أن استغل قادة الإحتلال الإسرائیلی کل الزمان بالإستیطان على ما تبقى من مکان یمکن لمارد المصباح السحری أن یتدبرعلیه أمر الدولة الفلسطینیة ، تلک التی لم یرفع بوش شعارها سوى لسد حاجة الذقون العربیة الرسمیة إلى ما أدمنت علیها من مخدرات الضحک على الذات .
وفی الشأن العراقی وإذ یعتقد أوباما بضرورة الإنسحاب الأمریکی المبرمج من العراق مترافقاً ذلک مع تفاهمات جوهریة شمولیة (أیضاً مبرمجة) مع طهران النوویة ذات الطموحات القومیة والحوزویة المذهبیة دون إغفال الخیار العسکری فلا یبتعد عنه ماکین فی رؤیته کثیراً سوى لجهة التشدد المغالی والغطرسة الفاقعة وغیرذلک مما یطبع خطاب الجمهوریین المحافظین .
أما القضایا الخارجیة الأخرى ذات الطابع التنافسی فهی بمجملها غیر ذات جاذبیة کبیرة بالنسبة للناخب الأمریکی إلا إذا استثنینا تلک المرتبطة منها مباشرة برفاهیته وأمنه ونمط حیاته ، وهذه فی الواقع مهما بلغت درجة تأثیرها على المزاج الإنتخابی العام فلن تکون ذات تأثیر حاسم قیاساً إلى القضایا الداخلیة الأمریکیة المتشعبة لنخلص إلى أنّ الأخیرة هی التی ستکون مربط حصانی الفارسین المتنافسین أوباما وماکین ، ولعل فی هذه ، أی فی ماهیة وآلیة التعاطی الدیمقراطی والجمهوری مع الأمور والمسائل الداخلیة الأمریکیة یمکن للمراقب الخارجی إذ یراهن على الحصان الدیمقراطی أن یتوسم إنعطافة من نوع ما قد تطرأ على مسیرة العقل القیادی الأمریکی وذلک لا بسبب من الأهلیة الدماغیة للفارس أوباما حصراًً بل بسبب من نزوع المواطن الأمریکی إلى التغییرعموماً بعد أن أوصلته سیاسات المعتوه الجمهوری بوش إلى ما یشبه المفترق التاریخی ، وأوباما من هذا الباب حبته الأقدار تلک المیزات والعلامات الفارقة التی یحتاجها نفسیاً وعقلیاً الناخب الأمریکی المعنی لکی یفصح بأعلى صوت عن موقفه الإنقلابی إن لم نقل الثوری من واقع حال یکفی أن یتسمى بوشی حتى یثیر القرف المسبوق بالکوابیس والملحوق بالفزع .
وعلیه فلو قدّر لأوباما أن یفوز بکرسی البیت الأبیض فقد تبدأ رحلة أمریکیة بإتجاه جدید استناداً لا إلى برنامج إنتخابی دیمقراطی محدد بقدر ما إلى کاریزمیة أول رئیس أمریکی أسود .
( الکاتب: محمدعبدالرحمن )
م/ن/25
الصفحات الاجتماعية
instagram telegram twiter RSS